الدكتور محمود جارودي
”لدينا تقنيات متقدمة وعلاجات حديثة لاعتلال الشبكية السكري“
الدكتور محمود جارودي، الأخصائي في طب وجراحة العين في مركز كليمنصو الطبي في بيروت
يقدم مركز كليمنصو الطبي في بيروت أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال تشخيص اعتلال الشبكية السكري وتقييمه بدقة متناهية، ما يسهل الاكتشاف المبكر وتحديد مدى تقدم المرض وبالتالي نجاح العلاجات التي بدورها شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الماضية. الأخصائي في طب وجراحة العين في مركز كليمنصو الطبي في بيروت الدكتور محمود جارودي يحدّثنا عن مدى تأثير داء السكري على صحة العين واحدث سبل التشخيص والعلاج المتوفرة في المركز.
ما هي الآليات الأساسية التي يؤثر بها داء السكري على صحة العين؟
داء السكري يمكن أن يؤثر بشكل كبير على صحة العين من خلال آليات عدة رئيسية، حيث أن ارتفاع مستوى السكر في الدم يؤدي إلى ضعف أو حتى تلف الأوعية الدموية الصغيرة التي تغذي شبكية العين، وهو ما يعرف باسم اعتلال الشبكية السكري. هذا الضعف يمكن أن ينتج عنه نزيف أو ترسب سوائل على مركز النظر (Macular Edema)، ما قد يؤدي الى فقدان الرؤية.
من التأثيرات أيضاً تغيير في تكوين العدسة، حيث يؤثر ارتفاع مستويات السكر على السوائل داخل العدسة، ما يؤدي إلى تغييرات في شكلها وهذا يمكن أن يتسبب في تسريع ظهور الماء الأبيض أو Cataract. داء السكري يزيد من خطر الإصابة بالماء الأزرق (الغلوكوما)، وهو حالة تتسبب في زيادة الضغط داخل العين، ما قد يؤدي إلى تلف العصب البصري وفقدان الرؤية. يزيد داء السكري من التأثيرات الالتهابية ويمكن أن يؤدي إلى حالات التهاب مزمن في الجسم، بما في ذلك العين، أو نقص في مناعة العين ما قد يؤدي إلى التهابات متكررة لأنسجة مختلفة من العين.
ما هي الأعراض التي يجب على المريض الانتباه إليها؟
يجب على مرضى السكري الإنتباه إلى مجموعة من الأعراض التي قد تشير إلى مشاكل في صحة العين مثل:
- رؤية ضبابية: إذا أصبحت الرؤية غير واضحة أو ضبابية، فقد يكون ذلك علامة على تغييرات في صحة العين بسبب السكري.
- تغييرات في الرؤية: مثل رؤية الألوان بشكل مختلف، أو صعوبة في تمييز الأشكال، أو رؤية مزدوجة.
- نقاط أو بقع عائمة: إذا بدأ المريض يرى نقاطًا أو بقعًا عائمة في مجال الرؤية، فقد تكون علامة على بدء نزيف داخل العين.
- تفاوت في الرؤية أو معدل النظر بين العينين.
- فقدان مفاجئ للرؤية في إحدى العينين أو كلتا العينين.
من المهم على مرضى السكري إجراء فحوصات دورية للعيون، حتى وإن لم تظهر أي من هذه الأعراض، لأن اكتشاف المشاكل في مراحل مبكرة يمكن أن يساعد في الحفاظ على الصحة البصرية.
ما مدى أهمية التحكم الجيد في مستويات السكر في الدم للوقاية من مضاعفات العين المرتبطة بالسكري؟ وهل هناك عوامل أخرى تلعب دوراً؟
التحكم الجيد في مستويات السكر في الدم يعد أحد العوامل الأساسية في الوقاية من مضاعفات العين المرتبطة بالسكري، مثل اعتلال الشبكية السكري. تشير الدراسات إلى أن الحفاظ على مستويات السكر في الدم ضمن النطاق المستهدف يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر تطور اعتلال الشبكية السكري. كلما تم التحكم في مستويات الجلوكوز بشكل أفضل، كلما انخفضت احتمالية حدوث مضاعفات.
وحتى في حالة وجود مضاعفات بالفعل، فإن التحكم الجيد في سكر الدم يمكن أن يساعد في إبطاء تقدم المرض وتدهور الحالة.
بالإضافة إلى التحكم في مستويات السكر، هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في صحة العين للأشخاص المصابين بالسكري:
- ضغط الدم: ارتفاع ضغط الدم يعد عامل خطر إضافي لتدهور صحة العين، لذا من المهم مراقبته والتحكم فيه.
- مستويات الدهون: مستويات الكوليسترول والدهون الأخرى يمكن أن تؤثر على الأوعية الدموية في العين.
- الإقلاع عن التدخين: يرتبط التدخين بزيادة مخاطر العديد من المضاعفات الصحية، بما في ذلك مشاكل العين.
- النظام الغذائي: التغذية السليمة تساهم في الحفاظ على صحة الأوعية الدموية والمساعدة في التحكم في مستويات السكر في الدم.
- النشاط البدني: ممارسة الرياضة يمكن أن تساعد في تحسين مستويات السكر وضغط الدم بشكل عام.
- الرعاية الدورية: الفحوصات الدورية للعيون تمكن من الكشف المبكر عن أي مشاكل والتدخل السريع.
ما هي المراحل المختلفة لاعتلال الشبكية السكري؟ وكيف يختلف العلاج في كل مرحلة؟
المراحل المختلفة لاعتلال الشبكية السكري هي على النحو التالي:
- اعتلال الشبكية السكري البسيط: تشمل هذه المرحلة تغييرات طفيفة في الأوعية الدموية، مثل التمدد والنزيف الطفيف. لا تظهر عادة أي أعراض. ويكون العلاج بالدرجة الاولى التركيز على التحكم في مستوى السكر في الدم وضغط الدم، بالإضافة إلى متابعة منتظمة لدى الطبيب المختص ولا حاجة إلى علاج طبي متخصص في هذه المرحلة.
- اعتلال الشبكية السكري المتوسط: تزداد التغيرات في الأوعية الدموية، ويظهر نزيف أكبر. قد تبدأ الأعراض في الظهور، مثل ضعف الرؤية. يعتمد العلاج على تحسين السيطرة على مستويات السكر في الدم وضغط الدم، ويمكن أن يتضمن العلاج بالليزر أو إبر للعين في حال ظهور سوائل على مركز النظر Macular Edema.
- اعتلال الشبكية السكري الشديد: انسداد عدد كبير من الأوعية الدموية في الشبكية، ما يهيئ العين للمرحلة التالية (التكاثرية). قد يُستخدم الليزر الوقائي لمنع تقدم المرض أو علاج بالإبر للعين، والمراقبة الحثيثة لتحديد ظهور الأوعية غير الطبيعية.
- اعتلال الشبكية السكري التكاثري (Proliferative Diabetic Retinopathy): تبدأ أوعية دموية جديدة وهشة في النمو، ما قد يسبب نزيفًا في الجسم الزجاجي أو انفصالًا في الشبكة ما قد يؤدي إلى فقدان فجائي للنظر. ويكون العلاج بالليزر (Panretinal Photocoagulation) لتقليل نمو الأوعية الجديدة، أو حقن داخل العين (مضادات VEGF). في الحالات المتقدمة، قد تُجرى جراحة الشبكية (vitrectomy). توفر الأساليب العلاجية المختلفة قدرة على التحكم في المرض والحفاظ على الرؤية، لذا من الضروري متابعة الحالة مع أخصائي العيون لكشف المرض بمراحله الأولية والحد من تقدمه.
ما هي أحدث التقنيات التشخيصية المستخدمة لتحديد وتقييم اعتلال الشبكية السكري بدقة؟ وهل كلّها متوفرة في مركز كليمنصو الطبي؟
تتوفر لدينا في مركز كليمنصو الطبي أحدث التقنيات التشخيصية لاعتلال الشبكية السكري بجودة فائقة، والتي تتميز بدقتها العالية وتساهم بشكل كبير في الكشف المبكر للمرض وتقييم مراحل تطوره. ومن أبرز هذه التقنيات:
- التصوير المقطعي للتماسك البصري (OCT – Optical Coherence Tomography) للكشف عن الوذمة البقعية (تجمع السوائل في مركز الشبكية) وتقيس سماكة الشبكية بدقة ميكرومترية؛ الدقة عالية جدًا، وتُستخدم لمتابعة تطور الحالة بمرور الوقت.
- التصوير المقطعي المترابط بالتماسك البصري باستخدام الصبغة (OCTA – OCT Angiography) هذه التقنية الحديثة تُظهر الأوعية الدقيقة التي يصعب رؤيتها بالفحوصات التقليدية، ولديها القدرة على الكشف المبكر عن نقص التروية أو الأوعية غير الطبيعية.
- تصوير الشبكية بالفلورسين (FA – Fluorescein Angiography) هذه التقنية تساعد على تحديد التسرب من الأوعية الدموية وتوضيح أماكن الأوعية المسدودة أو الجديدة، حيث يتم حقن صبغة فلورسين في الوريد ثم تُلتقط صور تسلسلية للشبكية.
- تصوير الشبكية الواسع المجال (Widefield Fundus Imaging) للكشف عن التغيرات الطرفية التي قد لا تظهر في الصور التقليدية، وهي تقنية مفيدة جدًا في تقييم الشبكية السكري التكاثري حيث يتم التقاط صورًا لجزء كبير من الشبكية (حتى 200 درجة)، مقارنة بالصور التقليدية.
ما هي أحدث التطورات في علاج اعتلال الشبكية السكري؟ هل هناك علاجات جديدة واعدة قيد الدراسة أو الإستخدام؟
تتضمن أحدث التطورات في علاج اعتلال الشبكية السكري أنواع متقدمة من الليزر مثل الليزر البارد والسخن، بالإضافة إلى الحقن داخل العين حيث يتوفر منها أدوية متعددة تسمى ANTI-VEGF Therapy، وهناك أنواع عدة منها نختار النوع المناسب لحالة المريض. بالإضافة إلى ذلك، هناك أنواع من الغرسات التي يتم زرعها داخل العين ونستعملها للحالات النادرة عندما لا يتجاوب المريض مع العلاج بالليزر أو الحقن. العلاجات الحديثة اليوم تساعد المريض بالحصول على نتيجة فعالة ولمدة أطول بحيث تقل الحاجة إلى الحقن مع مرور الوقت.
ما هي التوجهات المستقبلية في الأبحاث والعلاج في هذا المجال؟
التوجهات المستقبلية تشهد تطورًا سريعًا، وتهدف بشكل أساسي إلى الكشف المبكر، تقليل التدخلات الجراحية، وتحسين نوعية حياة المرضى ومن أهمها:
- العلاجات الموجهة طويلة الأمد (Long-acting therapies): مثل تطوير حقن تدوم لعدة شهور أو حتى سنة، وبالتالي تقليل عدد الزيارات للعيادة وتخفيف العبء على المرضى.
- العلاج الجيني (Gene Therapy): لتوجيه الجينات لتعديل إنتاج العوامل المسؤولة عن نمو الأوعية غير الطبيعية، قد يؤدي ذلك إلى علاج طويل الأمد من خلال حقنة واحدة.
- استخدام الخلايا الجذعية (Stem Cells): لإعادة بناء الأنسجة الشبكية التالفة. وهناك أمل كبير في علاج الحالات المتقدمة التي لا تستجيب للعلاجات الحالية.
- الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي: لتحليل صور الشبكية بدقة لتشخيص الحالات مبكرًا، وبناء أنظمة فحص آلي يمكن استخدامها في العيادات العامة أو حتى المنازل.
- أجهزة المراقبة الذاتية (Home Monitoring Devices): حيث يتم تطوير أجهزة محمولة لقياس تغيّرات الرؤية أو تصوير الشبكية لتمكين المرضى من المتابعة الذاتية اليومية ومشاركة البيانات مع الطبيب عن بُعد.