الدكتور محمد يزبك
”وعي المريض.. خطوة أساسية لنجاح جراحة الدماغ باليقظة“
الدكتور محمد يزبك، الأخصائي في جراحة الدماغ والاعصاب والعمود الفقري في مركز كليمنصو الطبي في بيروت
تُعد جراحة الدماغ باليقظة (Awake Craniotomy) إحدى التقنيات الجراحية المتقدمة التي تمثل ثورة في علاج آفات الدماغ الواقعة في مناطق حساسة وحيوية. الدكتور محمد يزبك، الأخصائي في جراحة الدماغ والاعصاب والعمود الفقري، يحدّثنا عن هذه الجراحة ويؤكد انها تكتسب أهمية قصوى لكونها تتيح للجرّاح التفاعل مباشرة مع المريض أثناء الجراحة، ما يضمن الحفاظ على الوظائف العصبية الأساسية كالنطق والحركة والإدراك، ويقلل بشكل كبير من مخاطر المضاعفات. وفي هذا السياق، يبرز مركز كليمنصو الطبي كصرح طبي رائد في المنطقة يتبنى أحدث التطورات التكنولوجية ويضم فريقًا طبيًا متعدد التخصصات وذو خبرة عالية، بدءًا من أحدث أجهزة التصوير وصولًا إلى غرف العمليات المجهزة بأحدث التقنيات وأطباء التخدير المتخصصين في التخدير العصبي.
بدايةً، هل يمكنك أن تشرح لنا ببساطة ما هي جراحة الدماغ باليقظة، ولماذا يتم اللجوء إليها بدلاً من الجراحة التقليدية؟
جراحة الدماغ باليقظة هي إجراء جراحي يُجرى للمريض وهو مستيقظ تمامًا، على عكس الجراحة التقليدية التي تتطلب التخدير الكلي. الهدف الرئيسي من هذه الجراحة هو إزالة الآفات الدماغية (مثل الأورام أو التشوهات) التي تقع بالقرب من المناطق الحيوية المسؤولة عن وظائف أساسية كالحركة، الرؤية، السمع، النطق، والفهم.
يُطرح سؤال جوهري هنا: لماذا يتحمل المريض عناء البقاء مستيقظًا أثناء جراحة الدماغ؟ عندما تكون الآفة (ورم، تليف، تشوه خلقي، إلخ) قريبة جدًا أو متداخلة مع إحدى هذه المناطق الحيوية، يصبح من الضروري أن يكون المريض واعيًا. خلال العملية، يتحدث الجرّاح مع المريض ويطلب منه أداء مهام معينة (مثل التحدث، تحريك الأطراف، أو التعرف على الأشياء) ليتأكد من عدم إزالة أو تضرر المناطق المسؤولة عن هذه الوظائف الحيوية.
حتى في حال حدوث ضرر جزئي لهذه الوظائف، فإن وعي المريض يسمح للجرّاح تحديد نسبة هذا الضرر بدقة. في بعض الأحيان، قد يكون الجرّاح على دراية مسبقة بأن إزالة الآفة ستسبب ضررًا ما، لكن وعي المريض يساعد في تحديد مدى هذا الضرر والسيطرة عليه قدر الإمكان. الهدف الأسمى هو تخليص المريض من المرض بأقل ضرر ممكن لوظائفه الحيوية.
وتكون جراحة الدماغ باليقظة خيارًا أساسيًا عندما يُهدد ورم أو تليف في الدماغ وظائف حيوية مثل الحركة، النطق، أو الفهم؛ هذه العملية، وإن بدت معقدة، ليست صعبة التحقيق بشرط أن يكون المريض مستعدًا نفسيًا بشكل كامل.
يعتمد النجاح بشكل كبير على التعاون الوثيق بين الأطباء والمريض نفسه الذي يُعدّ محور نجاح العملية؛ هذا التعاون يؤدي إلى نسبة نجاح عالية جدًا، ويمكن أن يخلّص المريض من حالته بشكل نهائي. يُعدّ التحضير النفسي للمريض قبل الجراحة عاملاً حاسمًا. هنا يأتي دور الطبيب النفسي، الذي لا يقوم فقط بتهيئة المريض ذهنيًا، بل يشجعه أيضًا على مشاهدة فيديوهات توضيحية للعملية. هذا يساعد المريض على فهم ما سيحدث في غرفة العمليات، وكيف يتم تحفيز الدماغ، ويرى النتائج الإيجابية على مرضى آخرين، مما يعزز ثقته واستعداده. من الجوانب المهمة أيضًا في هذه الجراحة هي عملية Brain Mapping، حيث يتم، بعد فتح الدماغ، تحديد وتعليم المناطق المسؤولة عن وظائف حيوية كالكلام والفهم والحركة، لضمان الحفاظ عليها أثناء إزالة الآفة.
متى يلجأ الجرّاح للجراحة التقليدية بدلاً من جراحة الدماغ باليقظة؟
نلجأ للجراحة التقليدية (تحت التخدير الكلي) عندما لا يتحمل المريض عملية جراحة الدماغ باليقظة. الأهم هو ألا يشعر المريض بالألم أو الخوف أثناء الإجراء.
من المهم ملاحظة أن التخدير في جراحة الدماغ باليقظة يكون فقط للنهايات العصبية لفروة الرأس وغشاء الدماغ، بينما داخل الدماغ لا يوجد إحساس بالألم. وهنا، لابد من الإشارة إلى وجود نوعان رئيسيان من هذه العملية:
الوعي الكامل (Full Awake) بحيث يبقى المريض واعيًا طوال العملية. يعتمد نجاح هذا النمط على قدرة الجرّاح على تقييم مدى تحمل المريض منذ البداية. إذا كان المريض قادرًا على التعاون في البداية، فمن المرجّح أن يكمل العملية بنجاح.
نمط النوم-الوعي-النوم (Sleep-Awake-Sleep Pattern) في هذا النمط، يقوم بعض الجرّاحين بفتح الدماغ والمريض نائم، ثم يتم إيقاظه لإجراء الجزء الحيوي من العملية، ثم يعاد تخديره لإنهاء الإجراء.
يختلف الجراحون في تفضيلهم لهذا النمط، حيث يرى البعض أن إيقاظ المريض بعد أن يكون قد نام قد لا يجعله في الحالة الذهنية المطلوبة للتعاون الأمثل. بالإضافة إلى ذلك، قد يتعرض المريض لصدمة نفسية عند استيقاظه ورؤية الوضع الذي هو فيه، مما قد يعيق سير العملية.
ما هو الدور الذي يلعبه كل من الجرّاح والفريق الطبي المتكامل في ضمان نجاح جراحة الدماغ باليقظة؟ وكيف يتكامل ذلك مع دور المريض نفسه والتقدم التكنولوجي؟
يبقى الجرّاح هو العنصر الأهم والأكثر دقة في جراحة الدماغ باليقظة. يعتمد نجاح العملية بشكل أساسي على خبرة الجرّاح وتعاون المريض؛ فإذا كان المريض قويًا ومتعاونًا، ترتفع نسبة النجاح بشكل ملحوظ. لا ننكر أن التكنولوجيا حسّنت الكثير، لكن في النهاية، العمل المشترك بين الطبيب والمريض هو أساس النجاح. عندما يقوم الجرّاح بتحفيز منطقة حسية لدى المريض الواعي ويخبره المريض بشعوره بالوخز، فهذا يؤكد أن المريض متعاون.
إن الإنجاز في هذه الجراحة يعود بالدرجة الأولى إلى خبرة الجرّاح، تعاون المريض، وكفاءة الفريق الطبي في غرفة العمليات، بالإضافة إلى التكنولوجيا كعامل مساعد. فرغم أن هذه العملية قديمة، إلا أن تراكم الخبرات، الفهم الأعمق لتشريح الدماغ، وتطور التكنولوجيا، كلها عوامل ساهمت في تحسين العملية ورفع نسب نجاحها.
ويعد فريق العمل عاملاً حاسمًا في نجاح جراحة الدماغ باليقظة، حيث يلعب طبيب التخدير المتخصص في التخدير العصبي دوراً حيوياً (Neuro-anesthesia) قبل العملية وخلالها، وكذلك وجود الاستشاري النفسي ضروري لتحضير المريض ذهنيًا. كما يشارك طبيب الأعصاب ومعالج النطق لمساعدة المريض أثناء العملية، خاصة إذا كانت المنطقة المستهدفة تتعلق بالنطق. ولا غنى عن فريق التمريض وغرفة العمليات المجهزة.
هل هناك أية مخاطر أو تحديات مرتبطة بهذا النوع من الجراحة؟ وكيف يتم التعامل معها؟
تُعدّ النوبات الكهربائية أو نوبات الصرع من أبرز التحديات التي قد تواجه فريق الجراحة خلال عملية الدماغ باليقظة. تحدث هذه النوبات نتيجة تحفيز الدماغ الذي يُجريه الجرّاح لتحديد المناطق الوظيفية، ما قد يولد نشاطًا كهربائيًا غير طبيعياً. في بعض الحالات، قد يكون الهدف من هذا التحفيز هو إحداث هذا النشاط بشكل مضبوط لمراقبته وفهم كيفية تفاعل الدماغ مع الإجراء، وذلك لضمان عدم إلحاق الضرر بالمناطق الحيوية.
إذا ما استمرت نوبات الصرع أثناء العملية، يتخذ الفريق الطبي إجراءات فورية وحاسمة لإيقافها حيث يتم إعطاء المريض أدوية مضادة للصرع عن طريق المحلول الوريدي لتهدئة النشاط الكهربائي المفرط في الدماغ. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام مياه مثلجة (وليس الثلج مباشرة) على الدماغ، حيث يساعد التبريد على خفض النشاط الكهربائي غير الطبيعي وإعادة الدماغ إلى حالته الطبيعية. قد يؤثر هذا التدخل، ولو بشكل مؤقت، على وعي المريض وقد يُعطّل سير العملية لفترة وجيزة. ومع ذلك، فإن هذه الحالات تُعتبر نادرة الحدوث. عندما تقع، يركّز الفريق الطبي على تهدئة المريض واستعادة وعيه بشكل كامل قبل متابعة الجراحة، ما يضمن سلامة المريض واستقرار حالته. هذا النهج الحذر يسمح للجراح باستكمال العملية بأمان ودقة بعد استقرار المريض.
ما هي أبرز التطورات التكنولوجية والطبية التي شهدها مجال جراحة الدماغ باليقظة في السنوات الأخيرة؟
شهد مجال جراحة الدماغ باليقظة في السنوات الأخيرة تطورات ملحوظة، ساهمت بشكل كبير في تحسين دقة وسلامة الإجراءات. من أبرز هذه التطورات:
تحسين تقنيات تحفيز الدماغ
تطورت تقنيات تحفيز القشرة الدماغية والأسلاك الداخلية بشكل كبير. تسمح هذه التقنيات للجرّاح بتحديد المناطق الحيوية في الدماغ بدقة عالية أثناء العملية. من خلال تحفيز هذه المناطق ومراقبة استجابات المريض، يمكن للجرّاح معرفة مدى تضرر المنطقة التي سيتم العمل عليها وما إذا كانت مسؤولة عن إحدى الوظائف الحيوية للمريض (مثل النطق أو الحركة). هذا التحسين في تكنولوجيا التحفيز يقلّل بشكل كبير من مخاطر تلف هذه الوظائف.
تطور أنواع التخدير
شهدت جودة التخدير الموضعي لقشرة الدماغ تطورًا كبيرًا. الهدف هو تقليل الألم وعدم الراحة قدر الإمكان أثناء الجراحة، مما يجعل التجربة أكثر تحملًا للمريض.
تحسين غرف العمليات وأداء الطاقم الطبي
لم يقتصر التطور على التكنولوجيا الجراحية فحسب، بل امتد ليشمل غرف العمليات بشكل عام وأداء الأطباء المساعدين، خاصة أطباء التخدير. أصبح طبيب التخدير قادرًا على إعطاء المريض أدوية مهدئة تعمل على تخفيف القلق من دون أن تؤثر سلبًا على وظائف الجسم الحيوية المطلوبة للتقييم أثناء الجراحة. هذا التعاون الفعال بين الفريق الجراحي وطبيب التخدير يضمن بيئة آمنة ومريحة للمريض قدر الإمكان.
أجهزة التصوير الطبي
بدورها تلعب دورًا محوريًا قبل جراحة الدماغ باليقظة، حيث يعد التصوير بالرنين المغناطيسي لسبل الألياف العصبية (MRI Tractography) من أبرز هذه التقنيات. ففي حالات وجود ورم أو آفة في منطقة دماغية حيوية، يحتاج الجرّاح إلى فهم دقيق لتأثير الورم على المسارات العصبية المسؤولة عن الوظائف الحيوية. تتيح هذه التقنية رؤية الألياف العصبية وكيف تمر داخل أو حول الورم، ما يوفر خريطة ثلاثية الأبعاد للمسارات العصبية الرئيسية. هذا الأمر يساعد الجرّاح على تحديد أفضل مسار للعملية لتقليل الضرر المحتمل للوظائف الحيوية للمريض.
هذه التطورات مجتمعة تساهم في جعل جراحة الدماغ باليقظة أكثر فعالية وأمانًا، مما يوفر نتائج أفضل للمرضى الذين يحتاجون إلى هذا النوع من التدخل الجراحي الدقيق.
كم تحتاج هذه العملية من وقت؟
على الرغم من دقة الإجراءات وتعقيداتها، فإن الهدف الأساسي هو إتمام الجراحة بأسرع وقت ممكن ضمن المسار الصحيح، أي من دون المساس بالدقة أو سلامة المريض. يكمن السبب وراء هذا التركيز على السرعة في راحة المريض؛ فالمريض، على الرغم من قوته النفسية والجسدية وتعاونِه مع الجراح، قد يواجه صعوبة في تحمل البقاء مستيقظًا لفترة طويلة خلال عملية جراحية معقدة كهذه. الإجهاد، التوتر، وحتى أقل درجات الانزعاج يمكن أن تتزايد بمرور الوقت، ما قد يؤثر على قدرة المريض على التعاون الفعال مع الجرّاح، وهو أمر حيوي لنجاح هذه الجراحة.
لذلك، يصبح من الضروري للغاية أن يكون الفريق الجراحي سريعًا جدًا ودقيقًا في آن واحد. هذه السرعة لا تعني التسرع الذي قد يؤدي إلى الأخطاء، بل تعني الكفاءة العالية، التخطيط المسبق المحكم، والتنسيق الممتاز بين جميع أفراد الفريق. كل حركة، كل خطوة، وكل قرار يتم اتخاذه يجب أن يكون مدروسًا ومُنفذًا بفعالية لتقليل زمن الجراحة إلى الحد الأدنى الممكن، مع الحفاظ على أعلى مستويات الدقة والأمان. هذا التوازن بين السرعة والدقة هو ما يضمن أفضل النتائج للمريض ويقلل من عبء التجربة عليه.
ما هي أبرز التجهيزات التقنية والموارد البشرية التي يمتلكها مركز كليمنصو الطبي، والتي تمكّنه من إجراء جراحات الدماغ باليقظة بكفاءة عالية وأمان؟
يُعتبر مركز كليمنصو الطبي من المراكز الرائدة والمجهّزة على أحدث طراز لإجراء جراحات الدماغ باليقظة، وهو ما يعكس التزامه بتقديم أعلى مستويات الرعاية الطبية في هذا المجال الدقيق حيث يحرص المركز على توفير بيئة جراحية متكاملة تدعم نجاح هذه العمليات المعقدة.
يبرز المركز بامتلاكه لأحدث أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) والتي تُعدّ حجر الزاوية في التخطيط لهذه الجراحات. هذه الأجهزة المتطورة تتيح للجرّاحين رؤية تفاصيل دقيقة للغاية للدماغ، وتحديد موقع الآفات بدقة فائقة، وكذلك رسم خرائط للمسارات العصبية الحيوية قبل وأثناء العملية، وهو ما يزيد من دقة التدخل الجراحي ويقلل من مخاطر المضاعفات. بالإضافة إلى ذلك، فإن غرف العمليات في مركز كليمنصو الطبي مصممة ومجهزة خصيصًا لتلبية متطلبات جراحة الدماغ باليقظة. تتضمن هذه الغرف أحدث التقنيات الجراحية وأجهزة المراقبة العصبية التي تضمن سلامة المريض وتفاعله مع الفريق الجراحي.
العنصر الأهم الذي يميز المركز هو فريق العمل الطبي المتكامل وذو الخبرة العالية. يضم هذا الفريق نخبة من الجراحين المتخصصين في جراحة الأعصاب، بالإضافة إلى أطباء التخدير الذين يمتلكون خبرة واسعة في التخدير العصبي (Neuro-anesthesia) وهو تخصص دقيق يتطلب مهارات فريدة للتحكم في وعي المريض ومستويات الألم بدقة متناهية. كما يشمل الفريق ممرضين متخصصين وفنيين لديهم دراية كاملة ببروتوكولات جراحة الدماغ باليقظة، مما يضمن التنسيق الفعال والعمل الجماعي السلس.
هذه التجهيزات المتقدمة، المقترنة بالخبرة الكبيرة للفريق الطبي، تمكّن مركز كليمنصو الطبي من توفير بيئة جراحية آمنة وفعالة تسهم في تحقيق أفضل النتائج الممكنة للمرضى الذين يحتاجون إلى هذا النوع من الجراحات الدقيقة.