الدكتور بشير أبيض
الأخصائي في طب وجراحة العين مركز كليمنصو الطبي بالتعاون مع جونز هوبكنز انترناشيونال
الدكتور بشير أبيض
“زرع النسيج والخلايا المتضررة من القرنية بدلاً من زرع قرنية كاملة”
ترميم قرنية العين هو جديد طب العيون في ضوء التطور الطبي الحاصل الذي انعكس ايجاباً على المريض، حيث يقوم أطباء مركز كليمنصو الطبي بالتعاون مع جونز هوبكنز انترناشيونال بهذه العملية التي تسمح بترميم قرنية العين عبر زرع الخلايا والانسجة المتضررة فقط أي ان المريض لا يحتاج الى زراعة قرنية كاملة. للإضاءة على هذا الإنجاز، إلتقت مجلة “المستشفى العربي” الدكتور بشير أبيض الأخصائي في طب وجراحة العين في مركز كليمنصو الطبي انترناشيونال بالتعاون مع جونز هوبكنز انترناشيونال.
نود الإضاءة على هذا الإنجاز والتعرف على الآلية التي تقومون بها في ترميم الانسجة المتضررة في القرنية؟
تعتمد هذه الطريقة الحديثة على استعمال أنسجة حيّة من قرنية العين لشخص تبرّع بها قبل الوفاة. فالمريض الذي يعاني من قرنية بيضاء (غير شفافة) تمنعه من الرؤية يحتاج الى زرعة قرنية وفق الطرق التقليدية ليستعيد نظره، ولكن يمكننا اليوم من خلال هذه التقنية الحديثة الاستعاضة عن زرع القرنية كاملةً باستخدام جزء منها وهو الخلايا او الانسجة الحيّة حيث يتم زرع جزء بسيط من القرنية او حتى نصفها فقط؛ وبالتالي سوف تتحسن القرنية البيضاء ويعود المريض ليرى بعد مرور فترة وجيزة. نحن إذن بحاجة الى قرنية من متبرع متوفى لنأخذ منها الجزء الذي نحتاجه.
وعليه، ان ما نحصل عليه من القرنية هو فقط خلايا القرنية الداخلية (corneal endothelial cells)، وهي عملية دقيقة للغاية حيث نقوم بزرع نسيج رفيع ودقيق الى حد 20 ميكرو متر اي انها متناهية الصغر، ولكي نقرّب الصورة أكثر فإن شعرة الانسان يبلغ عرضها 50 ميكرو متر، وما نقوم به هو زرع نسيج أرفع من الشعرة بمعدل مرتين ونصف.
إذن، هل يمكن القول ان القرنية الواحدة يمكن ان يستفيد منها أكثر من مريض؟
في الواقع، لقد أتاحت هذه التقنية المتطورة الفرصة للاستفادة لأكثر من مريض من قرنية واحدة ولكن بشرط ان تتم العملية للمريضين في يوم واحد لتجنب تلف القرنية وهو امر قمنا به في مركز كليمنصو الطبي وأثبت نجاحه؛ يمكن اخذ الجزء الامامي من الانسجة فقط لمريض وترك الجزء المتبقي لمريض آخر مع التأكيد على إتمام العمل الجراحي للمريضين في اليوم ذاته.
هل من حالات مرضية معينة تستوجب هذا النوع من الجراحات؟ وما هي؟
بالتأكيد هناك حالات مرضية محددة تحتاج الى هذا النوع من العمليات، ومن الأمثلة تقوّس القرنية وتضرّر المنطقة الأمامية منها؛ عندها نقوم بزرع الجزء الامامي فقط ونحتفظ بالجزء الداخلي لمريض آخر لديه ضرر بالجزء الداخلي؛ ان ما نقوم به هو فقط زرع هذه الخلايا (endothelial cells).
يستفيد من هذه العملية المتطورة المرضى الذين أجروا عملية المياه الزرقاء ولم تنجح فأدت الى تلف الخلايا يمكننا في مثل هذه الحالة إزالة الخلايا والانسجة المتضررة وزرع أخرى سليمة مكانها.
ما هي الايجابيات المرجوّة من هذا التطور؟
في الواقع، الإيجابيات كثيرة، اولى هذه الايجابيات واهمها هو خفض نسبة خطورة رفض العضو الجديد؛ فمن المعروف ان الجهاز المناعي يسارع الى مهاجمة اي جسم غريب فنعطي المريض ادوية تثبط عمل الجهاز المناعي ولكن لسبب ما يقوم بمهاجمة القرنية الجديدة؛ اما في هذه التقنية فإن نسبة الرفض تصل الى اقل من 1 بالمائة.
من الايجابيات أيضاً تحسّن سريع في النظر بفترة لا تتعدى الاسابيع القليلة على عكس ما كان يحدث عند زرع القرنية كاملةً والتي كانت تحتاج الى ما لا يقل عن العام ليحصل المريض على النتيجة المرجوة مع وضع النظارات او العدسات اللاصقة.
استخدام قطرات العين يكون أقل بكثير، وكذلك لا يوجد حاجة للغرزات وهو امر لم يكن متوفراً في الجراحة التقليدية لزراعة القرنية.
ماذا عن خطر رفض الجسم لهذا النسيج؟ كيف تتعاملون مع هذه الحالات ليتقبّل الجسم عملية الترميم؟
ما اود الحديث عنه بداية انه كل مريض نجري له زراعة كاملة للقرنية يجب ان يبدأ بقطرات الكورتيزون لفترة أشهر قبل العملية ونحتاج كذلك لعلاج دوائي من الكورتيزون ولكن لفترة محدودة لا تتعدى الاسبوعين او الثلاثة وذلك بهدف تثبيط الجهاز المناعي لعدم رفض العضو الجديد، على ان يبقى المريض بعد ذلك يضع قطرة العين ولكن ليس بالكمية نفسها وفي حال حصل اي رفض عند تخفيض الجرعات فإننا نعود لنزيدها لفترة قصيرة لمنع هذه الهجمة فننقذ بذلك القرنية الجديدة.
لكن في عملية زراعة الانسجة والخلايا المتضررة التي هي جزء من القرنية، هو ان نسبة الرفض تصل الى 1 بالمئة فقط لأننا لا نزرع القرنية كاملة اي انه لا يوجد عضو جديد دخل الى الجسم، كما ان قطرات العيون تكون أقل.
كيف تنظرون الى مستقبل طب العيون بعد المسار الطويل من التطور الذي نعيشه اليوم؟
في الواقع، ان ما نشهده من تطور في مجال طب العيون يبشّر بمستقبل مشرق إذ وبظرف بضع سنين شهد هذا المجال تطورات غير مسبوقة؛ هذا النوع من العمليات مثلاً لم يكن متوفراً سواء في لبنان او حتى في الخارج وهي كانت فكرة وتطورت الى ان تفرّع منها عمليات كثيرة. عمليات العين باتت تتم اليوم عن طريق فتحة صغيرة داخل العين وتقريباً جميعها تتم من دون الحاجة الى غرزات وبنسبة نجاح أفضل بكثير عمّا كانت عليه في السابق.
هذا التطور نتج عنه وجود مراجع علمية وأطباء يشكّلون مرجعاً في هذا المجال؛ وأنا أتوقع اذا استمر طب العيون على هذا النحو من التطور فسوف نشهد حلولاً طبية لمشاكل كنا نعجز عن علاجها في السابق منها مثلاً قصر النظر عن قرب وهو حلم كل شخص حيث يوجد حالياً حلول او أنصاف حلول ولكن سيكون هناك حل جذري لكل من تخطى الأربعين ولديه هذه المشكلة.
أعتقد ان هناك نظرة تفاؤل كبيرة ناتجة عن التطور الطبي الحاصل في نطاق طب العيون حيث أننا في كل عام نتوصل الى اكتشافات جديدة لنتمكن من علاج مشاكل كنا نعجز عن علاجها.