مقابلات

الدكتورة مايا بركه

”أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز: نقلة نوعية في فهم وإدارة السكري“

الدكتورة مايا بركه، الأخصائية في أمراض الغدد والسكري في مركز كليمنصو الطبي في بيروت

شهد علاج مرض السكري تطورات ملحوظة، خاصةً مع ظهور أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكوز التي تساهم في فهم دقيق لتقلبات السكر لدى المرضى. وتؤكد التوقعات على أن المستقبل سيحمل المزيد من الابتكارات العلاجية لهذا الداء. في حوار لها، تناولت الدكتورة مايا بركه، الأخصائية في أمراض الغدد الصماء والسكري في مركز كليمنصو الطبي في بيروت، التطورات الحديثة في مراقبة داء السكري وعلاجه؛ وأكدت خلال حديثها على أن المستقبل يحمل بشائر المزيد من التطورات والعلاجات لهذا المرض.

كيف تساعد القراءات المستمرة لمستوى السكر التي توفرها أجهزة CGM للمرضى في إدارة مرض السكري؟

من المعلوم أن الفحوصات الدورية للدم، بالإضافة إلى فحص السكر التراكمي (HbA1c) والفحوصات المنزلية، كلها وسائل أساسية لمتابعة مستويات السكر لدى مرضى السكري. لكننا نشهد اليوم نقلة نوعية في الأجهزة المستخدمة لمراقبة السكر على مدار الساعة، وهي ما تُعرف باسم أجهزة المراقبة المستمرة للغلوكو (Continuous Glucose Monitor-CGM). هذه الأجهزة هي عبارة عن لاصقة يضعها المريض وتزوّده بقراءات مستمرة لمستوى السكر في الدم، ما يتيح له معرفة مستويات السكر قبل الوجبات وبعدها وأثناء نومه وغيرها الأمر الذي يوفر لنا فهمًا دقيقًا لكيفية ارتفاع أو انخفاض السكر، وبالتالي يمكننا توجيه العلاج بشكل شخصي لكل مريض بناءً على هذه المعلومات التفصيلية.

تتميز هذه الأجهزة بسهولة الاستخدام، ويكفي أن يستخدمها المريض لمدة أسبوعين لفهم نمط تقلبات السكر لديه وتحديد العلاج المناسب. ويمكن للمريض إعادة استخدامها بعد فترة، بل إن بعض المرضى يستخدمونها بشكل دائم.

هذا التطور يمثل تحسنًا كبيرًا، حيث يوفر نطاقًا زمنيًا أفضل ورؤية أوضح لتقلّبات السكر. فالفحص التراكمي (HbA1c)، على سبيل المثال، هو مؤشر لمتوسط مستوى السكر على مدى ثلاثة أشهر، وخلال هذه الفترة قد يشهد المريض مستويات مرتفعة ومنخفضة فيعطينا الفحص متوسطًا عامًا قد يكون مضللًا. بينما توفر المراقبة المستمرة تفاصيل يومية دقيقة حول حدوث أي انخفاض أو ارتفاع في السكر وتوقيت حدوثه.

فإذا تبين مثلًا حدوث ارتفاع في السكر عند الصباح، يمكننا وصف دواء يناسب هذه الحالة. وإذا كان الارتفاع يحدث بعد تناول الطعام، يمكن استعمال علاج مختلف للمريض وتغيير نوعية الطعام. هذا التغيير الكبير يقودنا إلى إدارة فعالة لمرض السكري، حيث يوفر معلومات مهمة لاتخاذ قرارات علاجية أفضل.

على مستوى التطورات، شهدت مضخات الأنسولين تطوراً ملحوظاً. ما هي أهم هذه التطورات؟ وما دور الذكاء الاصطناعي في هذا المجال؟

في الواقع، ظهرت مضخات حديثة مزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي يمكنها تحليل قراءات السكر في الدم وحساب جرعة الأنسولين اللازمة للمريض بشكل تلقائي.  كما طرأ تحسن كبير على المضخات التقليدية التي يستخدمها بعض المرضى، حيث أصبحت قادرة على حقن الأنسولين بالكمية الدقيقة التي يحتاجها المريض وفي الوقت المناسب، مما يجعل طريقة عملها قريبة جدًا من وظيفة البنكرياس الطبيعي. فدور الذكاء الاصطناعي هنا يشهد تطوراً ملحوظاً في مجال علاج السكري ومن المتوقع أن يشهد مزيدًا من التطور في المستقبل القريب. هذه التطورات تقودنا نحو عصر تصبح فيه العلاجات مُخصصة بشكل كبير لتلبية الاحتياجات الفردية لكل مريض.

العلاجات الفموية شهدت بدورها تطور كبير. هلا حدّثتنا عنها؟

شهد مجال علاج السكري تطورًا هائلاً على صعيد الأدوية. فبينما كانت الخيارات العلاجية منذ حوالى عشرين عامًا محصورة في عدد قليل جداً من الادوية، نجد اليوم عدة مجموعات دوائية متنوعة، يشهد كل منها مزيدًا من التحسين والتطوير.

وأصبح لدينا الآن علاجات تستهدف السكري ومضاعفاته المحتملة في آن واحد، مثل أمراض القلب والكلى وغيرها. هذا التنوع يتيح لنا اختيار الدواء الأنسب لكل مريض لإدارة مستويات السكر لديه بفعالية وتجنّب المضاعفات الناجمة عن المرض، وهو ما يوفر حماية أكبر للمريض. كما أن الأنسولين نفسه لم يسلم من التطور، حيث ظهرت أنواع جديدة وطرق استخدام مختلفة، وتحسّن تأثيره. ومع مرور الوقت، من الممكن أن نشهد المزيد من الابتكارات التي تهدف إلى تسهيل حياة المرضى. فالعلاجات الحديثة توفر للمريض حماية شاملة ودرعًا واقيًا من مختلف المضاعفات المحتملة. ويبدو أن المستقبل يحمل في طياته المزيد من العلاجات المتطورة لمرض السكري.

في ظل كل هذا التطور، أين تكمن أهمية تبني نمط حياة صحي ووعي المريض حول حالته الصحية؟

إن تبني نمط حياة صحي مصحوبًا بوعي المريض وثقافته الصحية يشكل الركيزة الأساسية لنجاح أي علاج. فكلما ازداد فهم المريض لطبيعة مرضه وكيفية عمل العلاجات، كان استخدامه لها أكثر فعالية. كما أن المتابعة الدورية تلعب دورًا هامًا في تحقيق أفضل النتائج. على الرغم من التطور المستمر في العلاجات وأجهزة المراقبة، يظل نمط الحياة الصحي هو العامل الأهم في إدارة مرض السكري.

ونحن نشهد زيادة في الوعي الصحي داخل العيادات، ولكن الأهم من ذلك هو الوعي المتزايد في المجتمع ككل، حيث أصبح الاهتمام بالنمط الصحي والرياضة رائجًا بشكل كبير.

هذا الوعي المتزايد يساهم في تحسين إدارة مرض السكري بشكل عام. ومع كل عام نشهد تطورات جديدة في العلاجات، لذا من الضروري أن يحرص المريض على زيارة الطبيب بانتظام للاستفادة من هذه التطورات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى