مقابلات

الدكتورة غادة الحاج شحادة

الدكتورة غادة الحاج شحادة

الاخصائية في الغدد الصماء لدى الأطفال في مركز كليمنصو الطبي في بيروت  

سمنة الأطفالمضاعفات تطال الجانب الصحي والنفسي

تعتبر السمنة لدى الأطفال مشكلة صحية متزايدة الانتشار في عصرنا الحالي، حيث تؤثر على الأطفال في مختلف مراحلهم العمرية، بدءًا من الطفولة المبكرة ووصولًا إلى المراهقة. يُلاحظ أن هذه المشكلة شائعة بشكل خاص بين المراهقين، وخاصةً قبل فترة البلوغ. عن أسباب السمنة لدى الأطفال ومضاعفاتها وآليات العلاج المتبعة، تحدّثنا الدكتورة غادة الحاج شحادة، الاخصائية في الغدد الصماء لدى الأطفال في مركز كليمنصو الطبي في بيروت.

نود الإضاءة على أبرز أسباب السمنة لدى الأطفال سواء الاجتماعية او الصحية؟ وما هو سبب زيادتها في العصر الحالي؟

إن زيادة الوزن والسمنة مشكلة مُعقدة تتداخل فيها عوامل اجتماعية، وراثية، وصحية. الفحص الطبي الشامل هو الخطوة الأولى لتحديد الأسباب الكامنة ووضع خطة علاج مُناسبة.

تُعتبر السمنة لدى الأطفال مشكلة صحية متزايدة الانتشار، ويُعد نمط الحياة غير الصحي أحد العوامل الرئيسية التي تُساهم في تفاقمها. 

تشمل العوامل الرئيسية التي تُساهم في حدوثها نمط الحياة غير الصحي بما في ذلك النظام الغذائي غير الصحي والذي يعتمد بشكل كبير على الأطعمة المصنّعة والوجبات السريعة الغنية بالدهون والسكريات، مع نقص في استهلاك الفواكه والخضراوات والأطعمة الصحية الأخرى.

 بالإضافة إلى ذلك، يُلاحظ انخفاض مستوى النشاط البدني لدى الأطفال، بسبب قضاء وقت طويل أمام الشاشات (الهواتف، الألعاب، التلفزيون)، وعدم وجود مساحات كافية وآمنة للعب. لقد تفاقمت هذه المشكلة بشكل كبير بعد جائحة كوفيد– 19، حيث أدى الحجر المنزلي وإغلاق المدارس إلى تقليل الحركة وزيادة الاعتماد على الأطعمة المصنعة، ما ساهم في ارتفاع معدلات السمنة بين الأطفال. لا يقتصر الأمر على العوامل الاجتماعية التي ذكرناها سابقًا. تلعب الجينات 

دورًا هامًا في هذه المعادلة، حيث تشير الدراسات الحديثة إلى وجود جينات مُحددة تؤثر على عملية التمثيل الغذائي. 

بالإضافة إلى ذلك، هناك عوامل صحية أخرى قد تُسبب زيادة الوزن، مثل الاختلالات الهرمونية. على سبيل المثال، يُمكن أن يُؤدي قصور الغدة الدرقية إلى زيادة الوزن، وكذلك زيادة إفراز هرمون الكورتيزول، رغم أن نسبة الإصابة بهذه الحالات قد تكون ضئيلة.

لا يُمكننا إنكار وجود مشاكل خلقية قد تجعل الجسم أكثر عرضة لاكتساب الوزن. هذه المشاكل قد تكون وراثية أو تحدث أثناء النمو. لذا، من الضروري عند التعامل مع حالات زيادة الوزن، حتى لو كانت مرتبطة بنمط الحياة، إجراء تقييم شامل وفحوصات طبية لتحديد ما إذا كانت هناك أسباب صحية أخرى تُساهم في هذه المشكلة. صحيح أننا لا نستطيع التحكم في العوامل الوراثية بشكل كامل، ولكن في حالة وجود مشاكل خلقية، يُمكن للطبيب المختص تقديم الحلول الطبية المُناسبة.

ما هو دور الأهل في هذا الإطار؟ وما أهمية المتابعة لدى طبيب الأطفال؟

يلعب الأهل دورًا محوريًا في صحة أطفالهم وسلامتهم، ويشمل هذا الدور جميع جوانب حياة الطفل، بدءًا من نمط الحياة اليومي وصولًا إلى الوعي بأهمية الفحوصات الطبية المنتظمة.   سواء كان الطفل يعاني من زيادة في الوزن أو يتمتع بصحة جيدة، فإن المتابعة المنتظمة مع طبيب الأطفال المتخصص منذ الولادة تُعتبر أمرًا بالغ الأهمية. لا يقتصر دور الطبيب على علاج الأمراض وتقديم اللقاحات، بل يمتد ليشمل جوانب أخرى حيوية لنمو الطفل وتطوره. فهو الشريك الأساسي للأهل في رعاية طفلهم حيث يراقب عن كثب النمو الذهني والجسدي للطفل، ويشمل ذلك مراقبة الطول والوزن ومقارنتهما بالمعدلات الطبيعية لكل مرحلة عمرية. يساعد ذلك في الكشف المبكر عن أي تأخر في النمو أو مشاكل صحية أخرى قد تؤثر على تطور الطفل. يعتبر ارتفاع مؤشر كتلة الجسم المبكرة إحدى أهم المؤشرات على إمكانية وجود اسباب خلقية أو مكتسبة  لزيادة الوزن. هذا الاحتمال يصبح أقوى إذا كان الطفل يعاني من مشاكل صحية أخرى أو تأخر في النمو الذهني، حيث أن زيادة الوزن قد تكون جزءًا من مجموعة أعراض أوسع.

هل صحيح أن جميع المراهقين يفقدون الوزن الزائد بعد البلوغ؟

صحيح أن بعض المراهقين قد يفقدون الوزن الزائد بعد البلوغ أو يتغير مؤشر كتلة الجسم لديهم، إلا أن هذا ليس قاعدة عامة. التغيرات الهرمونية التي تحدث خلال هذه الفترة قد تجعل بعض المراهقين أكثر عرضة لزيادة الوزن، ما يستدعي الانتباه إلى النظام الغذائي وممارسة الرياضة بانتظام للحفاظ على صحة جيدة. خلال فترة البلوغ، تحدث تغيرات هرمونية كبيرة تؤثر على العديد من وظائف الجسم، بما في ذلك عملية التمثيل الغذائي. هذه التغيرات قد تؤدي  إلى زيادة مقاومة الانسولين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم مستويات السكر في الدم, وبالتالي زيادة الشهية وزيادة الوزن. وفي بعض الحالات، يصبح من الصعب التخلص من الوزن الزائد الذي اكتسب خلال فترة البلوغ، خاصة إذا لم يتم اتباع نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة بانتظام.

ما هي أبرز المضاعفات الصحية الناتجة عن السمنة لدى الأطفال؟

تتسبب السمنة في العديد من المضاعفات الصحية والنفسية التي تؤثر على حياة الأطفال والمراهقين. المضاعفات الصحية تشمل:

أمراض القلب والأوعية الدموية
تزيد السمنة من خطر الإصابة بأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، وارتفاع مستويات الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية، بالإضافة إلى الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، الذي كان يُعتبر في السابق من أمراض البالغين.

مشاكل العظام والمفاصل
يُمكن أن يُسبب ضغطًا كبيرًا على المفاصل، خاصة في القدمين والركبتين، ما قد يُؤدي إلى تقوس وآلام القدمين، ويُعيق الطفل عن ممارسة الأنشطة البدنية والرياضة بشكل طبيعي. نلاحظ ايضا نقص اكبر بالفيتامين د لدى الأطفال الذين يعانون من الوزن الزائد، ما يُؤثر على نمو العظام.

مشاكل في التنفس
قد تُسبب السمنة صعوبة في التنفس، خاصة أثناء النوم، ما قد يؤدي إلى انقطاع النفس النومي.

أما المضاعفات النفسية، فتشمل:

التنمر وضعف الثقة بالنفس
يُعتبر الأطفال والمراهقون الذين يعانون من السمنة أكثر عرضة للتنمر بسبب مظهرهم المختلف، ما قد يُؤدي إلى ضعف الثقة بالنفس والشعور بالخجل والعزلة.

الاكتئاب والقلق
قد يُؤدي التنمر والعزلة إلى الإصابة بالاكتئاب والقلق، فيُؤثر سلبًا على الصحة النفسية للطفل.

اللجوء إلى الأكل كآلية للتعامل
قد يلجأ بعض الأطفال والمراهقين الذين يعانون من السمنة إلى الأكل كآلية للتعامل مع المشاعر السلبية الناتجة عن التنمر والعزلة، ما قد يُفاقم المشكلة ويزيد من الوزن.

أين تكمن أهمية الرضاعة الطبيعية في حماية الطفل من السمنة وغيرها من الامراض؟

الرضاعة الطبيعية لها فوائد جمّة للأطفال، فهي ليست مجرد غذاء، بل هي حماية وصحة. فالأطفال الذين يعتمدون على الرضاعة الطبيعية الخالصة في الأشهر الستة الأولى من حياتهم، يكونون أقل عرضة للسمنة في المستقبل.

لذا، يجب علينا أن نعتمد على الرضاعة الطبيعية كغذاء أساسي للطفل في الأشهر الأولى من حياته، وأن نتبع نظاماً غذائياً صحياً ومتوازناً بعد ذلك، وأن نراقب نمو الطفل بشكل دوري مع الطبيب المختص.

ما هي آلية العلاج المتبعة؟

علاج السمنة يتطلب اتّباع نهج شامل ومتكامل، يشمل التوعية والتثقيف، والنظام الغذائي الصحي، والرياضة المنتظمة، والعلاج الدوائي في بعض الحالات، والجراحة كخيار أخير.

في البداية، لابد من الإشارة إلى أن الطبيب بمفرده لا يمكن أن يحقق النتائج المرجوة، بل يجب أن يكون هناك تعاون وتكامل مع الأهل وأفراد الأسرة ككل إلى جانب أخصائي التغذية وربما أخصائي نفسي واجتماعي. يجب على الأهل أن يكونوا على دراية بأسباب السمنة ومضاعفاتها، وكيفية الوقاية منها وعلاجها. 

يُعتبر النظام الغذائي الصحي وممارسة الرياضة جزءًا أساسيًا من العلاج، حتى في حال اللجوء إلى العلاجات الأخرى. يجب أن يكون النظام الغذائي متوازنًا ويحتوي على جميع العناصر الغذائية الضرورية، مع التركيز على الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون. 

يجب ممارسة الرياضة بانتظام لمدة لا تقل عن 30 دقيقة معظم أيام الأسبوع.

في بعض الحالات النادرة، قد يتطلب الأمر علاجًا لبعض الأمراض الخلقية التي تساهم في السمنة.

بالنسبة للمراهقين، لقد بات جائزاً للطبيب اللجوء إلى بعض الأدوية التي تساعد على خسارة الوزن بعد سن الـ12، والتي أعطت إدارة الغذاء والدواء (FDA – food and drug administration) الموافقة لاستخدامها إذا كان مؤشر كتلة الجسم (BMI) أكثر من 30 kg/m2، أو أكثر من kg/m2   27 مع وجود مشاكل صحية مصاحبة, وذلك تحت إشراف الطبيب المختص. يجب أن ندرك أن البدانة مرض مزمن، وأي علاج  يجب أن يكون طويل الأمد ومستمر، وليس مجرد تناول دواء لفترة محدودة. 

الجراحة هي خيار أخير يتم اللجوء إليه بعد فشل جميع الحلول الأخرى، وبعد التأكد من اكتمال النمو.

الهدف من ذلك هو ضمان عدم تأثر النمو ونقص أي عناصر غذائية ضرورية. يتم اتخاذ قرار الجراحة بعد دراسة متأنية من قبل فريق طبي متكامل يشمل طبيب الأطفال، أخصائي الغدد، والجرّاح، لتقييم مدى ملاءمة الجراحة وفوائدها المحتملة مقارنة بالمخاطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى