الدكتور رافيندر مامتاني
نائب العميد لشؤون الصحة السكانية وطب نمط الحياة
أستاذ علوم الصحة السكانية
وأستاذ الطب في وايل كورنيل للطب – قطر
الدكتور رافيندر مامتاني
برنامج “شهادة في الصحة السكانية والعافية” يهدف الى تزويد المتحمسين للصحة بالمعرفة اللازمة
يشغل الدكتور رافيندر مامتاني منصب نائب العميد لشؤون الصحة السكانية وطب نمط الحياة وأستاذ علوم الصحة السكانية وأستاذ الطب (مركز الصحة العالمية) في وايل كورنيل للطب – قطر، ويُعتبر من المؤيدين الشغوفين للطب الوقائي. كما أنه يترأس قسم الصحة السكانية بالكلية، وهو القسم الذي أطلق برنامجاً جديداً لتزويد المهنيين العاملين في قطاع الرعاية الصحية بالمهارات العملية والمعارف العلمية الأساسية اللازمة للنهوض بالصحة العامة وتعزيز رفاه سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها على الصعد الجسدية والنفسية والاجتماعية. يتألف البرنامج الجديد “شهادة في الصحة السكانية والعافية” من 60 ساعة وينعقد بصفة تعاونية لإتاحة التدريب اللازم في مجالات الصحة السكانية، وتقديم الرعاية الصحية، وسياسات الصحة العامة، والنّهج القائمة على أدلة علمية للنهوض بالصحة، ومسبّبات الأمراض وسُبل الوقاية منها، والأمراض المعدية والأمراض غير المعدية، وطب نمط الحياة، وإدارة الأزمات، والوبائيات، والصحة الرقمية. يتضمن البرنامج جلسات حضورية وأخرى عبر الإنترنت، وهو مصمّم في الأساس ليكون تفاعلياً إلى أبعد حد ممكن من خلال محاضرات وحلقات عمل حضورية وجلسات نقاشية وجلسات أسئلة وأجوبة.
ما الذي جعلكم تطرحون برنامج “شهادة في الصحة السكانية والعافية”؟
في الحقيقة ارتأينا لأسباب وعوامل عدّة إعداد البرنامج الجديد وطرحه، ولعلّ العامل الأهم في هذا الصدد هو جائحة كوفيد- 19 التي كانت بمثابة جرس إنذار للبشرية جمعاء على هذا الكوكب. فقد أظهرت الجائحة أن العالم لم يكن مستعداً لمواجهة مثل هذه الجائحة، مثلما أظهرت لنا المصاعب الجمّة في تحقيق توافق في الآراء بشأن أفضل سبل التعامل مع حالة عالمية طارئة. لذا سينصبّ جلّ اهتمام البرنامج الجديد على المهارات العملية والمعارف العلمية التي تساعد الممارسين الصحيين على فهم أساسيات الصحة السكانية، والوبائيات، وأعباء الأمراض، بالإضافة إلى مهارات البحوث الكمية، ونماذج تقديم الرعاية الصحية، ونهج الرعاية القائمة على الأدلة، وإدارة الأزمات، والطب الوقائي. كما سيتعرف المشاركون على موضوعات معاصرة مثل الصحة الدقيقة وصحة الكوكب والاستدامة.
وفي ما عدا جائحة كوفيد- 19، تُظهر بيانات الأمراض المزمنة خلال 20 إلى 25 سنة الماضية أزمة صحية خطيرة في هذا المجال، والمقصود هنا هو جائحة الأمراض المزمنة. فنحن على دراية بانتشار الوفيات المبكرة الناجمة عن أمراض القلب، والسرطان، وعدد من الأمراض المزمنة، وهذا الأمر غير مقبول. لذا يهدف برنامج شهادة الاعتماد الجديد إلى تزويد المتحمسين للصحة – القادرين على الإسهام في النهوض برفاه سكان منطقة الشرق الأوسط وخارجها على الصّعد البدنية والعقلية والاجتماعية – بالمعرفة الأساسية عن هذه القضايا ليكونوا بمثابة “سفراء صحة” يروّجون للصحة الجيدة.
ما دور طب نمط الحياة في برنامج “شهادة في الصحة السكانية والعافية”؟
ثمة بيانات رصينة أتت بها بحوث علمية محكَمة تفيد بأن العديد من الأمراض المزمنة السائدة اليوم مردّها إلى أنماط حياة غير صحية. وعليه، ثمة فرصة عظيمة سانحة للحدّ من الوفيات المبكرة إذا ما اعتمدنا نهج طب نمط الحياة بجوانبه المختلفة، مثل الأنظمة الغذائية الصحية، والمواظبة على الأنشطة البدنية، وأنماط النوم الصحية وما إلى ذلك. ولعل الحافز الأكبر لنا في هذا الصدد أننا نعلم أن مناهج طب نمط الحياة فعّالة ومجدية بالفعل، ولدينا طرق عدة تساعد الإنسان على العيش لفترة أطول وعلى التنعّم بصحة أفضل مع تقدّمه في السن. لذا استشعرنا التزاماً أخلاقياً قوياً بالترويج لهذا النّهج وارتأينا في ذلك فرصة عظيمة للنهوض بصحة الكثيرين ورفاههم ونوعية حياتهم.
لماذا يتعامل هذا البرنامج مع الظروف الاجتماعية كأحد العوامل المحدّدة للصحة؟
بات واضحاً أن الأسباب الطبية أو الإكلينيكية ليست وحدها التي تحدد من يُصاب بمرض ما أو مشكلة صحية ما، فثمة عوامل اجتماعية تسهم في تحديد ذلك. لذا ارتأينا أنه من الجيد مناقشة المحدّدات الاجتماعية مثل عدم المساواة، والإلمام القاصر بالقراءة والكتابة، والافتقار إلى الرعاية الصحية الأساسية. والسؤال هنا: لماذا لا تكون الرعاية الصحية الأساسية متاحة للجميع بغض النظر عن أوضاعهم الاقتصادية أو الاجتماعية؟ وأتذكر هنا مقولة الرئيس الأميركي الراحل فرانكلين روزفلت: “خير دليل على إحرازنا تقدّم لا يتجسّد في تعزيز وفرة الذين لديهم الكثير بالفعل؛ بل في تزويد مَن لديهم أقلّ القليل بما يكفيهم”.
ما دور التعليم في صحة السكان ورفاههم؟
بالاستناد إلى بحوثنا في قسم الصحة السكانية في وايل كورنيل للطب – قطر وبعد أن استعرضنا المؤلَّفات المنشورة ذات الصلة، رأينا أن موضوعات الصحة العامة، مثل طب نمط الحياة والصحة البيئية والمحدّدات الاجتماعية للصحة وسياسات الصحة العامة، غير مطروحة كما يجب في مناهج كليات الطب حول العالم (وأما نحن في وايل كورنيل للطب – قطر فقد أدرجنا مختلف موضوعات الصحة السكانية والطب الوقائي في منهج الكلية). وهذا يعني أن أطباء وممارسين صحيين كثيرين ممن يعالجون مرضاهم حول العالم لم يتلقوا تعليماً وتدريباً نظاميّين كافيين في مختلف مكونات وموضوعات الصحة العامة/السكانية. ويهدف هذا البرنامج إلى رأب هذه الفجوة المعرفية.
ما المقصود من المصطلحين “الرفاهية” و“التمتع بالصحة” المستخدمين مراراً وتكراراً؟
وفقاً لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) بالولايات المتحدة فإن “الرفاه هو محصلة إيجابية لها مغزاها بالنسبة للسكان وللعديد من قطاعات المجتمع، لأنه يفيد بأن السكان يرون أن حياتهم تسير على ما يرام”. وعندما جاءتنا منظمة الصحة العالمية بتعريفها للصحة، تحدّثت المنظمة الدولية عن الصحة البدنية والعقلية والاجتماعية والروحانية، ولم يقتصر تعريفها للصحة على انعدام المرض أو العجز. وأنا لا أعتقد أن بإمكاننا أن نفصل الصحة الجسدية والاجتماعية عن الصحة النفسية على سبيل المثال. لذا، فإن الرفاه هو مفهوم شامل، وأما الصحة فذات جوانب متداخلة عدة وليس لنا أن نقسّم العناصر المختلفة للصحة وأن نتناول كل عنصر منها على حدة أو بشكل منفرد.
ما هي الحجة الاقتصادية لتعزيز صحة السكان ورفاههم؟
أوجزت الدورية العلمية البريطانية The Journal of Epidemiology and Community Health ذلك ببلاغة رائعة ومن المهم جداً أن نذكر هنا ما أوردته هذه الدورية المتخصصة، فقد قالت إنّ عائد الاستثمار المتحقق من تدخلات الصحة العامة هو 14، أي مقابل كل دولار أو ريال أو جنيه أسترليني أو يورو تنفقه بلدان العالم يكون العائد 14 دولاراً أو ريالاً وهلمّ جرا. وعندما ننظر إلى هذا الأمر من مثل هذا المنظور فكيف لنا أن نتجاهل أو نغفل عن الأهمية البالغة للصحة العامة (أي الصحة السكانية) ورفاه السكان؟ فهذه ملاحظة لافتة للنظر ونعتقد حقاً أنه قد آن أوان الانتباه إلى مثل هذا الجانب من تكلفة الرعاية الصحية. والاستخدام الملائم للموارد المتاحة اليوم سوف يوفّر الأموال - في المستقبل – للاستفادة منها في مجالات أخرى من الرعاية الصحية والتنمية، وهو ما سيثمر عن محصلة صحية أفضل في المجمل في أي مجتمع كان.
ما هي بعض العقبات التي تحول دون اعتماد نهج الصحة السكانية وطب نمط الحياة على نطاق أوسع للتغلب على تحديات الصحة العالمية؟
الثقافة السائدة في مجتمعاتنا هي البحث عن سُبل إرضاء أنفسنا في التوّ واللحظة والأخذ بالحلول السريعة؛ فثمة تركيز كبير على تطوير أدوية والتوصل إلى علاجات جديدة يمكنها بسهولة حلّ مشكلاتنا الصحية من دون الحاجة إلى تغيير أنماط حياتنا اليومية أو التفكير في الأمور من منظور الأجل الطويل. وليس المقصود هنا أننا نستخف بأهمية العلاجات التقليدية أو عملية تطوير أدوية جديدة، فلكلّ ذلك دور بالغ الأهمية في الرعاية الصحية، ولكن المقصود أن مثل هذه العقلية باتت شائعة ومهيمنة إلى حدّ أن ثمة نزعة نحو تجاهل الخيارات البديلة الفعّالة التي ربما تستغرق وقتاً أطول بقليل لتحقيق الفوائد الصحية المرجوّة.
وبطبيعة الحال، تستغرق التغييرات الإيجابية في أنماط حياتنا اليومية وقتاً أطول بقليل لتحسين صحتنا بشكل ملموس، لكن النتائج طويلة الأجل في معظم الحالات تكون أفضل بكثير. وعلاوة على ذلك، لسنا بالضرورة أمام سيناريو الخيارين، إمّا هذا أو ذاك؛ وعلى سبيل المثال، المصابون بأمراض القلب أو داء السكري من النوع الثاني سيستفيدون من تناول الأدوية الموصوفة لهم مثلما سيستفيدون أيضاً من إدخال تغييرات في أنماط حياتهم اليومية مثل تحسين الأنظمة الغذائية، أو الإقلاع عن التبغ، أو البدء بمزاولة أنشطة بدنية منتظمة. وبتعبير آخر، تجاهل أنماط الحياة الصحية ليست خياراً مطروحاً.
وأنا أعتقد أن المهنيين الصحيين بشكل عام لا يتلقون الكثير من التعليم أو التدريب في مجال الصحة العامة أو أنماط الحياة الصحية. وإذا ما تجاهلنا ذلك في مناهج كليات الطب، فكيف لنا أن نتوقع من المهنيين الصحيين مواكبة مسائل الصحة العامة وطب نمط الحياة أو الترويج لمثل هذه النّهج والدفاع عنها؟
من يمكنه المشاركة في البرنامج الجديد؟
نرحّب بمشاركة جميع الممارسين أو المهنيين الصحيين في البرنامج الجديد، لأننا نعتقد أن هؤلاء جميعاً يستحقون أن يكونوا على الدراية اللازمة بالصحة السكانية وطب نمط الحياة وأن يمتلكوا المهارات الضرورية ذات الصلة. ونحن واثقون أن جميع المهنيين الصحيين – سواء كانوا ممرضين أو أطباء أو محاضرين أو باحثين أو مديرين لمؤسسات طبية وما إلى ذلك – سيستفيدون من البرنامج ومن ثم سيسهمون في تحسين الصحة العامة والنهوض بها. ونحن ماضون في توسيع نطاق جهودنا في هذا الصدد ليستفيد أكبر عدد ممكن من المهنيين الصحيين المعنيّين، كذلك نحن واثقون أن برنامج “شهادة في الصحة السكانية والرفاه” سيحقق الفائدة المرجوّة منه ومستعدون دائماً للأخذ بزمام المبادرة في هذا الصدد.
ما المواد التي ستُدرّس في إطار هذا البرنامج وكيف سيتمّ تقديمها؟
أحد أهمّ أهدافنا أن نجعل البرنامج تفاعلياً إلى أبعد حدّ ممكن. لذا يشمل البرنامج مناقشات حول مواضيع محددة وندوات، ويتيح للمشاركين فرصة طرح أسئلتهم والتحدث عن تجاربهم وخبراتهم الشخصية ذات الصلة. من المهم أن يقوم الخبراء بتعريف المشاركين بخبراتهم ومعرفتهم العلمية ولكن من المهم أيضاً أن يسهم المشاركون أنفسهم في إثراء البرنامج، فمنهم من يملك خبرة واسعة وبالغة الأهمية بحُكم عمله في الخطوط الأمامية لتقديم الرعاية الصحية وأيضاً من واقع خبرته العملية اليومية. وإذا لم نفعل ذلك فإننا نحرم أنفسنا من معرفة علمية نافعة وبالغة الأهمية تتعلق بمحاور البرنامج. لذا ستكون هناك حلقات نقاشية تشمل مشاركة فعّالة للخبراء وإجابتهم عن أسئلة المشاركين. وإلى جانب ذلك، يشمل البرنامج عنصراً عبر الإنترنت يتضمن مواد إضافية تكميلية مثل المحاضرات المسجّلة وأوراق العمل والاختبارات القصيرة التي ستكون متاحة للمشاركين. والجمع بين هذين العنصرين سيجعل برنامجنا فعّالاً إلى أبعد حدّ ممكن.
ويتألف البرنامج من وحدات عدة، تتناول أولها المفاهيم الأساسية في الصحة والمرض، والصحة السكانية، والطب الوقائي، فيما تتألف ثانيها من مواد دراسية عن البحوث الكمية والنّهج القائم على الأدلة العلمية في الطب والصحة. وتتناول الوحدة الثالثة أساسيات تقديم خدمات الرعاية الصحية. فقد رأينا مؤخراً كيف أن جائحة كوفيد- 19 عطّلت تماماً توفير الرعاية الصحية وأيضاً كيف تعطّلت منظومة الرعاية الصحية القائمة. لذا من المهم أن يكون المهنيون الصحيون على دراية وفهم كافيين بمختلف نماذج تقديم الرعاية الصحية، خصوصاً في خضم أزمة ما. وأما الوحدة الرابعة فتتناول أعباء الأمراض القائمة (الأمراض المعدية وغير المعدية) والتحديات ذات الصلة الماثلة أمامنا، والوحدة الأخيرة من البرنامج تتناول سُبل تحقيق المستوى الأمثل من الصحة والرفاه من خلال منظور يستشرف المستقبل، لذا ستشمل هذه الوحدة نقاشاً عن موضوعات مثل تغيّر المناخ، والاستدامة، وإنسانية الرعاية الصحية، والصحة الرقمية، والدور المحتمل للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، والاتصال في مجال الرعاية الصحية.
لماذا اعتمدتم مثل هذا النهج الشامل في هذا البرنامج؟
نموذجا الصحة والمرض تحكمهما عوامل عدة. ويوفر برنامجنا منصة لتبادل الأفكار والمعلومات في ما بين المهنيين من تخصصات واهتمامات مختلفة. نريد الإصغاء إلى العاملين في قطاع الرعاية الصحية والمؤسسات ذات الصلة والاستفادة من تجاربهم وخبراتهم الشخصية. وكما قلنا سابقاً، المشاركة في البرنامج الجديد مفتوحة أمام جميع العاملين في قطاع الرعاية الصحية، ويشمل ذلك على سبيل المثال لا الحصر اختصاصيّي التغذية والأطباء والممرضين والباحثين ومديري المؤسسات الطبية والصحية واختصاصيّي العلاج الطبيعي وغيرهم.
وأقول لهؤلاء جميعاً نحن نتطلع إلى مشاركتكم والإصغاء إليكم وأنتم تتحدثون عن اهتماماتكم في مجال الصحة السكانية وأفكاركم عن القضايا المطروحة. لذا ندعوكم جميعاً للتسجيل للالتحاق بالبرنامج. والأمر نفسه ينطبق على اختصاصيّي الإرشاد والصحة النفسية وعلماء النفس وغيرهم من المهنيين الصحيين. ندعوكم جميعاً للالتحاق بالبرنامج الجديد والإسهام في النهوض بصحة سكان المنطقة وسكان مختلف مناطق العالم.