أمراض وعلاجات

السكتة الدماغية حالة طبية طارئة… والساعة الأولى ذهبية للنجاة

السكتة الدماغية

حالة طبية طارئة… والساعة الأولى ذهبية للنجاة

مشكلة صحية عالمية تتسبب بحالة وفاة او عجز جزئي او كلي كل 30 دقيقة والتوقعات تتحدث عن زيادة في معدلات الإصابة في السنوات المقبلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. من هنا، السكتة الدماغية هي اليوم محور اهتمام الكثير من الأبحاث العلمية والدراسات الطبية وكذلك شركات الأدوية من اجل إيجاد علاجات حديثة ومتطورة للسكتة الدماغية؛ كما انها تأخذ على عاتقها جانب المسؤولية الاجتماعية بهدف نشر التوعية في المجتمعات سواء للمريض او محيطه للتوعية من مخاطر السكتة الدماغية ومضاعفاتها بالإضافة الى التدريب في سبيل الوصول لأفضل الممارسات الطبية وتزويد مقدمي الرعاية الصحية بالمعرفة اللازمة لتشخيص حالات السكتة الدماغية وعلاجها.

لقد تضاعف التركيز على مخاطر السكتة الدماغية في السنوات الأخيرة حول ضرورة التوعية وأهمية التوجه المبكر الى أقرب مستشفى لإجراء الإسعافات الأولية وإعطاء المريض العلاج اللازم لما لذلك من أهمية في الحد من أضرارها، حيث ان السرعة في اتخاذ التدابير العلاجية اللازمة تشكل أهم العوامل لإنقاذ المريض. تشير التقارير العالمية ان السكتة الدماغية تصيب 17 مليون شخص على مستوى العالم سنوياً، ويتوفى ثلثهم بينما يصاب الثلث الآخر بإعاقة دائمة. فهي السبب الأول لحدوث الإعاقة لدى البالغين والسبب الثالث للوفاة في العالم.

رغم ان بعض الحالات لم يتم التعرف على السبب لإصابتها، الا ان هناك بعض الأمراض التي يمكن ان تؤدي إلى الإصابة بالسكتة الدماغية مثل أمراض القلب والرجفان الاذيني، ومشاكل صمامات القلب، حيث ان للمخ علاقة وثيقة مع القلب؛ لذلك يجب على كل مرضى القلب الإلتزام بالنصائح والإرشادات التي تجنبهم الإصابة بالسكتة الدماغية، وأهمها المتابعة الدورية مع طبيب القلب، والانتظام في الحصول على الدواء بشكل مستمر وضرورة فحص الضغط باستمرار والمواظبة على تناول أدوية السيلان.

ارتفاع ضغط الدم هو عامل الخطر الأكثر شيوعاً، وكذلك الإصابة بداء السكري، الكوليسترول، التدخين، الممارسات الغذائية غير الصحية والبدانة، اضطرابات شحميات الدم، وانخفاض مستوى النشاط البدني، كلها عوامل وأمراض تزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وفي بعض الأحيان تؤدي العيوب الموجودة في جدران الأوعية الدموية في المخ منذ الولادة إلى جعل الأفراد أكثر قابلية للإصابة بأنواع معينة من السكتات الدماغية النزفية.

ليست فجائية

معظم الناس يعتقدون ان السكتة الدماغية تحدث بشكل فجائي، الا ان الدراسات والأبحاث الطبية توصلت الى وجود بعض المؤشرات التي تنذر بقرب حدوث السكتة الدماغية مثل مراقبة حركة الوجه واليدين بالإضافة الى النطق وطريقة كلام المريض؛ ملاحظة تلك المؤشرات تستدعي التوجه الفوري لأقرب مستشفى لأن إسعاف المريض في الساعات الأربع الأولى للإصابة تسهم في إنقاذه. تتراوح أعراض السكتة الدماغية ما بين الخدر المفاجئ وارتخاء في عضلات الوجه أو الذراعين أو الساقين في أحد جانبي الجسم، مع صعوبة النطق وضعف الرؤية وأحيانا فقدان الاتزان والصداع الحاد. ما إن تظهر واحدة او اثنين من هذه الأعراض فذلك يعتبر مؤشراً على إصابته بالسكتة، ويجب نقله إلى المستشفى فوراً لتلقي العلاج اللازم. لذلك، يتمحور الاهتمام في الوقت الراهن على ضرورة رفع مستوى الوعي وحث المريض للتوجه الفوري الى المستشفى للتدخل المبكر لأن كل ثانية تمر على المريض يفقد فيها 35 ألف خلية مخية، ذلك ان السكتة الدماغية تحدث إما بسبب نقص في تدفّق الدم او بسبب نزيف فجائي داخل الدماغ ليؤثر على أحد أجزاء الدماغ ويسبب موت الخلايا العصبية في ذلك الجزء فيتعطل الدماغ عن العمل.

فرص النجاة

تكمن فرص النجاة في سرعة علاج مريض السكتة الدماغية، حيث تسهم في تقليل أعداد الوفيات والإعاقات والمضاعفات الناتجة عن الإصابة؛ هذه الساعة الفاصلة هي طوق النجاة للمريض وتكون من لحظة وصول المريض إلى المستشفى حتى تلقيه الحقنة المذيبة للجلطة، وهي فترة يجب أن لا تتعدى ساعة واحدة. على صعيد متصل، فإن نجاح علاج المريض وإنقاذ حياته وتقليل احتمال إصابته بإعاقة بسبب السكتة الدماغية يعتمد على كفاءة الفريق الطبي وحرصه على تطبيق البروتوكولات المعتمدة بدقة كبيرة، الى جانب إلمامهم بالخطوات الواجب اتخاذها من لحظة وصول المريض إلى المستشفى وفحصه إكلينيكياً، وإجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من التشخيص الدقيق.

بروتوكولات العلاج

مهما كان نوع السكتة الدماغية، فان التعامل معها يتم على انها حالة طارئة تحتاج التدخل السريع وتلقي الإسعاف الطبي بشكل عاجل، على ان يتم لاحقا تحديد نوعها.  ان إعطاء المريض العلاج المناسب ينبغي تحديد نوع السكتة الدماغية وذلك طبعا خلال الساعة الاولى من وصوله؛ فهناك نوعين، الأولى هي السكتة الدماغية الإقفارية، التي تسببها جلطة دموية في الشريان الذي يزوّد الدم إلى الدماغ؛ تحدث عندما يصبح تزويد الدماغ بالدم من الأوعية الدموية مغلقاً، ويمثل هذا النوع من السكتة الدماغية ما يقارب 87 % من جميع حالات السكتة الدماغية. 

النوع الثاني هو السكتة الدماغية النزيفية وهي تنجم عن انفجار الأوعية الدموية، ما يؤدي إلى تجمع الدم وإحداث ضغط حول الدماغ ويحدث عندما يصبح تزويد الدماغ بالدم من الأوعية الدموية ضعيف وله تمزقات؛ عادة ما تحدث السكتة الدماغية النزيفية نتيجة لنوعين من الأوعية الدموية الضعيفة وهما تمدد الأوعية الدموية وتشوهات الشرايين والأوردة.  في حالات الجلطة الدماغية الانسدادية أو «الإقفارية»، يترتب على الأطباء استئناف تزويد الدماغ بالدم بأسرع وقت ممكن. فيتم علاج الطوارئ بواسطة الأدوية الوريدية في غضون الساعات الأولى منذ لحظة ظهور الأعراض الأولى.

يجب بدء العلاج بأدوية لإذابة الجلطات خلال 3 ساعات. وقد يوصي الطبيب في بعض الحالات بإجراء عملية جراحية لفتح الشريان المسدود، جزئياً أو كلياً، ويمكن أن تشمل عملية فتح الشريان أو تثبيت دعامة شبكية مرنة داخل التضيق الحاصل. أحيانًا يعالج الأطباء السكتات الدماغية الإقفارية بإجراءات يجب إتمامها في أسرع وقت استنادًا إلى مواصفات الجلطة الدموية، فيتم مثلا توجيه الأدوية للدماغ مباشرة عبر إجراء القسطرة لأحد الشرايين في الفخذ ونشرها إلى الدماغ، وقد يستخدم الأطباء القسطرة لمناورة جهاز صغير في الدماغ لفصل الجلطة أو انتزاعها وإزالتها.  كما يمكن ان يقوم الطبيب ببعض الاجراءات لتقليل خطر الإصابة بسكتة دماغية أخرى أو نوبة إقفارية عابرة، بحيث يمكن ان يقوم بإجراء لفتح شريان ضيق بفعل الترسبات الدهنية.

أما علاج الجلطة الدماغية النزفية، يركز علاج الطوارئ لهذه الحالة على السيطرة على النزيف وتقليل الضغط على الدماغ. يمكن ان يلجأ الطبيب الى الجراحة للمساعدة في تقليل خطر الإصابة في المستقبل، وهي مفيدة للغاية في معالجة السكتة الحالية ومنع حدوث أي سكتات دماغية مقبلة. بعد توقف النزيف في الدماغ، يتضمن العلاج رعاية طبية مدعمة عندما يمتص الجسم الدم. وتعد عملية التعافي مشابهة لما يحدث عند التعافي من كدمة. أما إذا كانت منطقة النزيف كبيرة، فقد يجري الطبيب جراحة لإزالة الدم وتخفيف الضغط في الدماغ. إن أهم ما في الامر هو الحصول على العلاج السريع لأنه يعزز فرص البقاء على قيد الحياة ويحد من شدة المضاعفات التي قد تنجم عن السكتة الدماغية.

ما بعد الإصابة

على مريض السكتة الدماغية ان يعي ان حياته ما بعد الإصابة لن تكون كما كانت عليه في السابق، على الأقل لفترة طويلة الى ان يستعيد جزء من عافيته بعد جلسات من العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل إذ ليس من السهل ترميم ما فقده الدماغ من خلايا. فالعلاجات المساعدة بعد الإصابة تهدف الى استعادة الوظائف قدر الإمكان والعودة إلى الاستقلالية.  بعد العلاج الطارئ للسكتة الدماغية، يركز الفريق الطبي على مساعدة المريض على الشفاء واستعادة أكبر قدر ممكن من وظائف الجسد لكي يتمكن من القيام بالعديد من الأنشطة بمفرده ومن دون مساعدة، ويعتمد تأثير السكتة الدماغية على المنطقة المصابة وعلى مقدار الأنسجة التالفة.

المريض بعد الإصابة يحتاج الى دعم من قبل العائلة بالدرجة الأولى للحصول على الدعم المعنوي والعاطفي، ومن ثم من قبل فريق طبي. كما يحتاج المريض الى نظام غذائي خاص  صحي ومتكامل خصوصا إذا كان المريض يعاني من زيادة في الوزن.

العلاج الطبيعي والفيزيائي مهم جدا لكي يتمكن المريض من استعادة حركته ولو ببطء، ولكن المهم ان يعود ليعتمد على نفسه في حياته اليومية؛ تدريجياً، يعود المريض لممارسة بعض النشاطات الرياضية وفق إرشادات الطبيب المعالج. ان أغلب الناجين من السكتة الدماغية يخضعون لبرنامج إعادة التأهيل. يترافق العلاج الطبيعي وإعادة التأهيل مع الإشراف الطبي من خلال مراقبة معدل ضغط الدم والتأكد من تناول الأدوية في مواعيدها، وفي حال كان المريض يعاني من احد أمراض القلب والأوعية الدموية ينبغي متابعتها مع الطبيب المختص. التوقف عن التدخين ضروري جدا أيضا. يعاني بعض مرضى السكتة الدماغية أيضا من صعوبة في التواصل بعد تأثر الجزء المسؤول عن الكلام في الدماغ؛ يتوافر اليوم معالجين متخصصين في النطق يساعدون المرضى في هذا المجال، كما ينبغي على المريض الاستمرار في المحاولة ولو لمرة واحدة يوميا حتى لو كانت الكلمات اقل؛ ولا مانع من الاعتماد على الإيماءات الى جانب نبرة الصوت.

من المهم لمرضى السكتة الدماغية ان يحافظوا على الثقة بالنفس وعلى العلاقة مع أفراد الأسرة والأصدقاء والمقربين والاهتمام بما يدور في العالم هي أمور مهمة للتعافي واستعادة الثقة بالنفس. ان أهم ما في الأمر هو تقبل الواقع وتقبّل فكرة ان التعافي يحتاج الى وقت وجهد. 

إن تحديد برنامج العلاج يعتمد على عمر المريض وحالته الصحية العامة ودرجة الإعاقة التي حصلت بعد السكتة الدماغية؛ من الممكن أن يبدأ برنامج إعادة التأهيل قبل مغادرة المستشفى على أن يتابعه المريض بعد ذلك في المنزل او في احد مراكز خدمات التمريض والعلاج الفيزيائي المتخصصة.

على المريض ان لا يقسو على نفسه، بل عليه أن يتقبل الأمر، ويعلم أن فترة التعافي الجسدي والعاطفي ستحتاج إلى بعض الوقت والكثير من العمل الجاد.

ما هو اختبار FAST

هو اختبار ينذر بقرب حدوث السكتة الدماغية، يلاحظه المريض او احد المحيطين به ما يستدعي التدخل الطبي السريع؛ فالاضطرابات البصرية والشلل المؤقت أو التلعثم في الكلام، هي علامات قد تكون بدايات سكتة دماغية. اختبار FAST هو اختبار بسيط يمكن لأي شخص لا علاقة له بالطب ان يجريه او يلاحظ تلك التغييرات التي تطرأ والتي تنذر ان خطرا ما يحدق بالمريض. هذا الإختبار هو اختصار لتعابير الوجه (F)، ومن ثم الذراع (A)، الكلام (S)، والوقت (T)؛ ولكن، ما هي الأمور التي ينبغي ملاحظتها من خلال هذا الإختبار؟

FACE هو اختبار لتعابير الوجه، بحيث يُطلب من الشخص ان يبتسم وفي حال كانت تلك الإبتسامة غير متناسقة فذلك يعني وجود شلل جزئي في عضلات الوجه.

ARMS يُطلب من المُصاب أن يمد ذراعيه إلى الأمام في وضع أفقي، بحيث تتجه اليدان لأعلى. في حال لم يتمكن من الحفاظ على ذراعيه في هذه الوضعية، فذلك قد يكون بداية أعراض السكتة الدماغية. 

SPEECH على المصاب ان يعيد تكرار بعض الجمل البسيطة بشكل واضح، وفي حال عدم تمكنه من ذلك يجب نقله فورا الى أقرب مستشفى.

TIME في حال التأكد من وجود كل تلك الأعراض، فإن ذلك يستدعي التوجه الى أقرب مستشفى او مركز طبي لإجراء التدخل الطبي السريع والحد مما قد تسببه السكتة الدماغية من ضرر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى