نمط الحياة الصحي… السبيل نحو مكافحة السمنة
نمط الحياة الصحي… السبيل نحو مكافحة السمنة
النشاط البدني والغذاء المتوازن يسيران جنبا الى جنب في مكافحة السمنة التي غالبا ما تحدث نتيجة سلوكيات خاطئة وأنماط غذائية غير صحية. التوجه العالمي اليوم هو نحو القضاء على مرض السمنة لارتباطها بالكثير من الأمراض كالسكري والقلب والسرطان ومشاكل العظام والمفاصل وغيرها الكثير. للوصول الى الهدف المنشود، تقوم الجهات المعنية من وزارات صحة والمنظمات العالمية بالتعاون مع شركات طبية ذائعة الصيت بالتركيز على إطلاق حملات توعية تحث أفراد المجتمع على اختلاف أعمارهم بضرورة ممارسة النشاط البدني مهما كان نوعه لما له من أهمية في مكافحة السمنة أولا والوقاية من الكثير من الأمراض والحد من فرص الإصابة بها. وبما أن الغذاء هو العامل المساعد، فلا بد من التركيز على أنماط الغذاء الصحية التي وإن ترافقت مع الرياضة فسوف تكون النتائج مذهلة.
بداية، ما هي السمنة؟ وما هي أسبابها؟
تعرف السمنة، بحسب منظمة الصحة العالمية، بأنها تراكم الدهون بشكل مفرط يمكن ان يؤدي الى أمراض أخرى مع مرور الوقت؛ ويتم قياسها بحسب مؤشر كتلة الجسم (Body Mass Index- BMI) وهي أداة لتقييم الوزن الطبيعي أو زيادة الوزن من خلال العلاقة بين طول الجسم ووزنه عن طريق قسمة الوزن بالكيلوجرامات على مربع الطول (kg/m2). يتراوح مؤشر كتلة الجسم المثالي لدى البالغين من 18.5 الى 24.9 والجدول التالي يوضح تصنيف النتائج بعد قسمة الوزن على الطول.
لكل من يريد ان يعرف مستوى زيادة الوزن لديه، يجب ان يعرف معدل الـBMI:
- هناك العديد من الأسباب التي يمكن ان تؤدي الى الإصابة بالسمنة وزيادة الوزن، بحيث يحدث عدم توازن بين السعرات الحرارية التي يتم استهلاكها وتلك التي يتم اختزانها في الجسم وذلك أحد الأسباب.
- من أهم أسباب السمنة هو العادات السيئة في تناول الطعام وبالأخص الوجبات السريعة والمشروبات الغازية لاسيما ان ترافقت مع قلة الحركة والخمول.
- الوراثة في السمنة تعتبر كذلك من أكثر الأسباب شيوعا وخصوصا في حالات السمنة لدى الأطفال حيث أثبتت الدراسات أن حوالي 80% من الأطفال المصابين بالسمنة كان الأبواء أيضا يعانيان منها.
- وجود كسل في الغدة الدرقية هو أيضا من أسباب الإصابة بالسمنة، وينتج عن ذلك بطء في حرق الدهون في الجسم نتيجة نقص هرمون الثيروكسين.
- الحالة النفسية قد تكون سببا أيضا، حيث نسمع عن الكثير من الناس الذين يرغبون في تناول الطعام عند الشعور بالحزن الشديد.
النشاط البدني ومكافحة السمنة
النشاط البدني هو السلاح الأمثل للقضاء على السمنة ومضاعفاتها؛ فالحركة الدائمة وخصوصا ممارسة التمارين الرياضية ورياضة المشي تحديدا تلعب دورا فاعلا في تخفيف الوزن وتقليل المخاطر الصحية. تأثير الرياضة في التخلص من الوزن الزائد يتم من خلال ما يحتاجه الفرد من توليد للطاقة والحرارة واستهلاك جزء كبير من السعرات الحرارية خلال التمارين، وينبغي أن تكون ممارسة هذه الأنشطة الحركية مقرونة أيضا بإتباع نظام غذائي يساعد في خفض الوزن. التمارين الدوريّة والمنتظمة تساعد على حرق الدهون التي يختزنها الجسم، ما يعتبر من الحلول المثالية لعلاج السمنة والتخلص من الدهون مقابل بناء عضلات والتمتع بصحة جيدة. كما أن النشاط البدني اليومي يساعد على تسريع عملية التمثيل الغذائي، ما يعزز الفرص في الوصول الى وزن طبيعي. الرياضة إذن تزيد من فرص خسارة الوزن على المدى الطويل نظرا لدورها في تسريع عملية التمثيل الغذائي وبناء كتلة عضلية والقضاء على الدهون المتراكمة خصوصا اذا ما ترافقت مع حمية غذائية منخفضة السعرات الحرارية. وكانت منظمة الصحة العالمية قد نصحت بممارسة أي نوع من الرياضة يوميا لمدة ساعة على الأقل، أو القيام بأي نشاط بدني في الهواء الطلق وذلك ضمن خطة عملها بشأن النشاط البدني والصحة 2018-2030 تحت شعار تعزيز نشاط الأشخاص من أجل عالم أوفر صحة، وحثّت على ضرورة الحد من السلوك الخامل بغرض تعزيز الصحة واللياقة البدنية لدى الجميع. ممارسة النشاط البدني بانتظام تعتبر أحد عوامل الوقاية من الكثير من الأمراض وعلاجها، منها على سبيل المثال أمراض القلب والسكتة الدماغية وداء السكري وسرطان الثدي والقولون. وتُعد الأمراض غير السارية مسؤولة عن 71 بالمئة من جميع الوفيات في العالم. يجمع الخبراء في هذا المجال ان الهدف ليس ممارسة الرياضة فحسب، بل وعلى الرغم من اهميتها الا ان الهدف هو التخلص من الخمول وقد يكتفي المرء بصعود الدرج او ركن السيارة بعيدا والمشي لبضع دقائق وربما يتنقل من مكان لآخر سيرا على الأقدام؛ المهم هو التخلص من الخمول ومع الوقت يزداد الأمر لا يمارس أي نوع من أنواع الرياضة ويواظب عليه.
الغذاء المتوازن
الغذاء المتوازن هو النصف الثاني للحياة الصحية، والمقصود هنا نمط الحياة بشكل عام وليس حمية غذائية عابرة. ينبغي الاشارة هنا الى ان من يعاني من الوزن الزائد او السمنة المفرطة عليه اتباع نظام غذائي محدد وفق حالته الصحية العامة الى ان يصل الى الوزن المطلوب والمناسب لعمره وطوله وحالته الصحية العامة. عند الوصول الى الوزن المطلوب، تبدأ حياة المرء الصحية من حيث الحفاظ على ما وصل اليه وذلك يكون عبر اتباع نمط الحياة الصحي المؤلف من الغذاء والرياضة. تغيير العادات الغذائية السيئة وممارسة النشاط البدني هي المرحلة الاولى،بعدها يأتي دور الشخص في الموازنة بين الطاقة التي يحصل عليها من الطعام وتلك التي يبذلها في الرياضة او النشاط البدني اليومي وهو أمر ضروري في عملية ادارة الوزن؛ ويكون ذلك باتّباع نظام غذائي صحي يتناسب مع جنس المريض وعمره ووزنه ونوعية النشاط الذي يقوم به، واتباع برنامج منظم للنشاط والتمارين الرياضية على الأقل ثلاث مرات أسبوعياً، بعد استشارة الطبيب المعالج.
ينبغي تناول الأطعمة الغنية بالألياف إلى النظام الغذائي لأنها تساعد على خفض كمية السعرات الحرارية المستهلكة، والتحكم في الشعور بالجوع. كما يوصى بتناول الحبوب الكاملة والفواكه والخضروات والأغذية الغنية بالبروتينات مثل البقول والأسماك وإضافتها إلى النظام الغذائي لأنها تساعد على التحكم في الشهية.
من الضروري كذلك تناول وجبة فطور صحية ومتوازنة لأنها تساعد على الحد من اضطراب نهم الطعام، ويعود ذلك إلى قدرة بعض الأغذية على تعزيز مستوى الطاقة في الجسم طوال اليوم.
من النصائح الواجب اعتمادها خلال اتباع حمية غذائية صحية شرب المزيد من الماء على مدار اليوم وتناول الوجبات مجزئة على مدار اليوم على أن يتم تناول كميات معقولة من الطعام وعدم المبالغة في تناول الدهون والنشويات حيث أنها تزيد الوزن والدهون سريعا في الجسم. ينصح خبراء التغذية بتناول كميات صغيرة من الطعام على فترات منتظمة بحيث يحصل الجسم على حاجته من الطاقة من جهة، ومن جهة اخرى تسهم هذه الطريقة بتنشيط عملية التمثيل الغذائي.
أمراض تسببها السمنة وتعالجها الرياضة
مع وجود زيادة في الوزن بشكل كبير من دون التحكم في الأمر ومحاولة فقدان الوزن مع الوقت سوف تبدأ المشاكل الصحية في الظهور. فالسمنة تزيد من مشاكل الجهاز التنفسي بحيث يعجز الشخص البدين عن التنفس بشكل طبيعي لاسيما خلال النوم، ولا يتمكن من التحرك بسهولة؛ كما تزداد مخاطر التعرض لهشاشة العظام بالاضافة الى أمراض القلب والسكر والضغط ومشاكل تناسلية وصعوبة في الإنجاب.
لا ينحصر الأمر عند الامراض العضوية، بل يمكن ان تسبب السمنة عدم الثقة في النفس والشعور بالاكتئاب الشديد بسبب صعوبة في التعايش مع السمنة. تساعد الرياضة في تقليل معدل الدهون بالدم، فينخفض بالتالي معدل الإصابة بتصلب الشرايين . وتسهم في تقوية العضلات، ومن ثم تحافظ على قوة العظام، ما يساعد في الوقاية من هشاشة العظام.
كما تزيد الرياضة من حساسية أنسجة الجسم المختلفة لهرمون الأنسولين فينخفض معدل الجلوكوز وبالتالي يزول خطر الاصابة بمرض السكري؛ وفي شرح للعلاقة بين الوزن الزائد ومرض السكري، فإنه يتواجد على خلية في جسم الإنسان موادا لاستقبال الأنسولين الذي يمنحنا الطاقة نتيجة حرق الجلوكوز تسمى مستقبلات الأنسولين؛ في حال لم توجد هذه المستقبلات أو في حال كان عددها قليلا، فإن الأنسولين لن يعمل على هذه الخلية وبالتالي لن يستفيد الجسم من الجلوكوز فترتفع نسبته في الدم.
قلة الحركة تعد أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بالسكري من النوع الثاني، لذا تسهم ممارسة الرياضة في الوقاية من هذا النوع؛ فالعلاقة بين داء السكري والبدانة وثيقة، وخسارة الوزن هي بداية العلاج الأمثل لمرضى السكر من النوع الثاني.
من ضمن الخطوات الواجب اعتمادها ممارسة الرياضة بشرط أن لا تكون رياضات عنيفة؛ ولا مانع هنا من ممارسة رياضة المشي بانتظام أو غيرها من الرياضات الخفيفة التي تسهم مع الوقت في حرق الدهون والتخلص من السعرات الحرارية الزائدة، فضلا عن أنها تساعد على تمثيل السكر بشكل طبيعي في الجسم. على مريض السكري أن يدرك أن تأثير الرياضة والنظام الغذائي على جسمه يوازي تأثير الدواء ما يعني أنها خطوات متكاملة في ما بينها. ثم إن الأمر له فوائد أبعد بكثير من الحفاظ على معدل السكر فحسب، بل ان ذلك يجعل المريض في مأمن من الإصابة بارتفاع ضغط الدم او الكوليسترول؛ فضلا عما لذلك من اهمية في اكتساب المزيد من الطاقة والتمتع بمزاج أفضل. على صعيد متصل الرياضة المنتظمة تخفض ضغط الدم وتمنع الأزمات القلبية وتسهم كذلك في الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية حيث انها تساعد القلب على ضخ الدم بشكل جيد وتحافظ على كفاءة الأوعية الدموية.
تتسبب البدانة بارتفاع في معدل الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية، وما ينتج عنها بالتالي من أمراض تؤثر على صحة القلب؛ تتمثل تلك المخاطر بسبب ما تفعله بالشرايين، حيث تسهم في زيادة نسب الدهون التي تختزن على جدار الشرايين ومن ثم يصاب الشخص البدين بأخطر أمراض القلب بالإضافة إلى زيادة خطر التعرض لجلطات القلب المدمرة والمفاجئة. إلا أن مخاطر السمنة وتأثيرها على القلب لا تقتصر عند هذا الحد، بل يمتد تأثيرها الى إمكانية إصابة من يعاني منها بالموت الفجائي، حيث تؤثر في تضخم عضلة البطين الأيسر للقلب، نظرا لأن السمنة تؤدي إلى زيادة حجم الدم وزيادة عدد الشعيرات الدموية.
السمنة هي كذلك عامل مسبب لأمراض الكلى، والسبب هو أن هذا الوزن الزائد يرفع من معدل السكر في الدم وكذلك الضغط؛ مع مرور الوقت يؤثر ذلك على مصافي الكلى ويعطلها، فيضعفُ نشاط الكلى وتتوقف عن العمل ويصبح المريض بحاجة إلى غسيل للكلى مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، وصولاً إلى الحاجة للخضوع لعملية زرع.
من هنا، فإن الحفاظ على الوزن المثالي أو على الأقل تجنب البدانة المفرطة هو السبيل للوقاية من أمراض الكلى المزمنة بعد سنوات من مرافقة الوزن.
وعليه، فإن سنوات من مرافقة الوزن الزائد قد تقود في النهاية الى الإصابة بأمراض الكلى المزمنة التي أضيفت الى لائحة الأمراض المسؤولة عنها البدانة المفرطة. فالحفاظ على الوزن المثالي وتجنب البدانة مع اتّباع نمط حياة صحي يقودنا في نهاية المطاف الى إبعاد شبح أمراض الكلى المزمنة في المستقبل.