سرطان القولون والمستقيم
سرطان القولون والمستقيم
يتسلّل ببطء لكن التشخيص يجعله قابلاً للشفاء
ثالث أخطر أنواع السرطانات في العالم ويمثل تهديداً لفئة الشباب نظراً لارتفاع عوامل الخطر وتغيّر أنماط الحياة وانخفاض مستوى الوعي، لكنه من الأمراض القابلة للشفاء في حال تم اكتشافه مبكراً.
هو مرض خبيث يتسلّل ببطء إلى الأمعاء والمستقيم بدون أعراض تُذكر، لكن ما يبعث الأمل هو أن معظم أنواع سرطان القولون والمستقيم تبدأ على شكل زوائد لحمية صغيرة ورمية غدّية أو قبل سرطانية؛ وعادةً ما تنمو هذه الزوائد ببُطء من دون ظهور أيّ أعراض إلى أن تُصبح كبيرة الحجم أو تتسرطن.
وعليه، يمكن الوقاية من سرطان القولون والمستقيم من خلال إزالة هذه الزوائد اللحمية الحميدة عبر منظار القولون الذي يعتبر من أهم سبل التشخيص المبكر، فضلًا عن إمكانية معالجة سرطان القولون والمستقيم في حال الكشف عنه في مراحله المبكرة.
كيف يحدث سرطان القولون؟
يبدأ سرطان القولون بتكتلات صغيرة غير سرطانية وهي عبارة عن أورام حميدة يُطلق عليها اسم Colon Polyps في بطانة القولون الداخلية، ومع مرور الوقت والسنوات تتحول إلى سرطانات. عند تطور الحالة وعدم الكشف عنها، قد ينتشر سرطان القولون إلى مناطق أخرى من الجسم.
البداية إذن حين تنمو الخلايا السليمة في بطانة القولون أو المستقيم وتخرج عن السيطرة فتتحول الكتلة إلى ورم الذي لا يكون سرطانياً في جميع الحالات. لكن نمو هذه الخلايا وتطورها يستغرق سنوات ويتأثر بعوامل عدة منها وراثية أو بيئية أو نمط حياة غير صحي.
غالبية أنواع سرطان القولون والمستقيم تبدأ على شكل زوائد لحمية تنمو ببطء قبل أن تتغيّر فتكبر وتتحول إلى سرطانية. هذه التغيرات تتأثر ببعض العوامل، بعضها يسهم الإنسان في حدوثها مثل العادات الغذائية السيئة والتدخين وعدم ممارسة الرياضة، والبعض الآخر يكون خارج إرادته، مثل العوامل الجينية والتاريخ المرضي والتقدم في العمر.
ما هي عوامل الخطورة؟
حدّد الأطباء بعض العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، ولكن ليس من الممكن تحديد سبب إصابة البعض بشكل دقيق.
من أبرز عوامل الخطورة:
- العامل الوراثي: ترتفع نسبة الإصابة بين أفراد الأسرة الواحدة لا سيما في حال تم التشخيص في سن مبكرة؛ في حال وجود أكثر من حالة ضمن الأسرة الواحدة فإن خطر الإصابة يزداد.
- العمر: بعد سن الخمسين، رجالاً ونساء، تزداد خطورة الإصابة بسرطان القولون حيث أن 90% من المرضى الذين يتم تشخيصهم بهذا المرض أكبر من 50 عاماً. معدل العمر عند التشخيص بهذا المرض هو 60 عاماً.
- الزوائد اللحمية في القولون: يمكن اكتشاف وجودها من خلال منظار القولون، حيث تنمو على الجدران الداخلية. غالبية الزوائد اللحمية حميدة ولا تتحول إلى سرطانات ويمكن استئصالها أثناء فحص المنظار، ولكن هناك بعض الأنواع من تلك الزوائد اللحمية التي قد تتحوّل إلى سرطان.
- التاريخ الشخصي لسرطان القولون: إذا تم تشخيص شخص بسرطان القولون في وقت سابق، وبدأ العلاج من هذا المرض. فاحتمالية عودة المرض تكون عالية. كما وتزيد خطورة الإصابة بسرطان القولون عند الأشخاص المصابين بسرطان المبيض، وغشاء الرحم، وسرطان الثدي.
- التهاب القولون التقرحي ومرض كرون: تزيد هذه الحالات الإلتهابية من خطر الإصابة بسرطان القولون إذا بقيت لسنوات عديدة خصوصاً إذا عجز المريض عن السيطرة عليها من خلال إحداث تغيير في نمط غذائه.
- التغييرات الجينية: تلك التي تحصل في بعض الجينات بحيث تزيد من خطورة الإصابة. متلازمة سرطان القولون غير البوليبية الوراثية (HNPCC) هي أكثر أنواع السرطان التي تنتقل وراثياً.
- داء السلائل القولوني الوَرَمي الغدي العائلي (FAP) : هي حالة نادرة بحيث يكون هناك عدد كبير من الزوائد اللحمية داخل قولون ومستقيم المرضى. تحدث بسبب تغيير في جين (مورث) خاص يعرف باسم APC فيؤدي إلى تشكل الزوائد اللحمية. داء السلائل القولوني يتحوّل إلى سرطان قبل سن الخمسين إذا لم يتم علاجه.
- نوعية الغذاء: أظهرت الدراسات ارتفاع نسبة خطر الإصابة بين الناس الذين يكثرون من تناول الأطعمة الغنية بالدهون والذين يتناولون كميات قليلة من الكالسيوم والألياف وحمض الفوليك. الدراسات أيضاً أظهرت انخفاض معدل خطر الإصابة لدى من يكثرون من تناول الخضار والفواكه.
- التدخين: يزيد التدخين من تشكيل الزوائد اللحمية في القولون وبالتالي خطورة الإصابة بسرطان القولون.
الأعراض
تختلف الأعراض باختلاف موقع السرطان في الأمعاء الغليظة. لذا قد يتواجد دم في البراز لا يمكن رؤيته بالعين المجرّدة، أو قد يعاني المريض من إسهال وإمساك او انتفاخ.
تشمل أعراض سرطان القولون:
– اضطرابات مستمرة في البطن بسبب وجود انسداد في القولون، الأمر الذي يؤدي إلى إعاقة تمرير الغازات، فيبدأ الشخص في الشعور بالإنتفاخ والتقلصات في البطن.
– إسهال أو إمساك: وجود أي كتلة سرطانية في القولون ينتج عنه تغيرات في عادات الأمعاء، ما يسبب الإسهال أو الإمساك أو الإثنين في بعض الحالات.
– دم غامق أو فاتح في البراز: النزيف الشرجي من أهم علامات سرطان القولون.
– الإحساس بالتعب: يعاني الشخص المصاب بسرطان القولون من إحساس مستمر بالتعب والإرهاق، السبب في ذلك هو استهلاك الخلايا السرطانية لطاقة الجسم أثناء تكاثرها.
– فقدان وزن غير مبرر: يحدث فقدان الوزن بسبب استهلاك جهاز المناعة للطاقة أثناء محاربة الخلايا السرطانية. كما يمكن أن يؤدي انسداد القولون لمنع امتصاص العناصر الغذائية المهمة.
– تغير شكل البراز وقوامه: يؤدي وجود كتلة في القولون إلى انسداد جزئي في الأمعاء، فيظهر البراز كشريط رفيع.
تجدر الإشارة إلى أن استمرار وجود هذه الأعراض لمدة تزيد عن أسبوعين يعني احتمالية إصابة المريض بسرطان القولون.
منظار القولون أهم سبل التشخيص
يعتبر منظار القولون من أفضل الفحوصات التشخيصية للكشف عن زوائد القولون اللحمية الحميدة والمُتسرطنة مع إمكانية إزالتها أثناء الفحص، حيث يتم استخدام أنبوباً طويلاً ومرناً ورفيعاً يتصل بكاميرا فيديو وشاشة لعرض القولون والمستقيم بأكملهما. إذا تم العثور على أي مناطق مشتبه في إصابتها بالمرض، يمكن للطبيب تمرير الأدوات الجراحية من خلال الأنبوب لأخذ عيّنات من الأنسجة (خزعات) لتحليلها أو إذا كانت اللحميات صغيرة الحجم فبإمكانه إزالتها.
أهمية منظار القولون هي أنه الفحص الوحيد الذي يمكن أن يمنع حدوث سرطان القولون وذلك باستئصال الزوائد اللحمية الحميدة قبل أن تتحول إلى سرطان، وبالتالي فإن المريض الذي يداوم على عمل هذا الفحص كل 5-10 سنوات حسب التوصيات الطبية العالمية بعد سن 50 سنة فإنه يمكن طمأنته أنه لن يحدث عنده سرطان القولون لأن الغالبية العظمى من سرطانات القولون تبدأ على شكل زوائد لحمية حميدة؛ وبالتالي فإن البحث عن هذه الزوائد وإزالتها بشكل دوري يمنع من تطور المرض إلى سرطان القولون.
يعتقد العلماء أن عمل فحص منظار القولون ابتداءً من سن 50 سنة كل 10 سنوات يعتبر كافياً حيث أن معدل نمو الزوائد اللحمية بطيء وتقدّر المدة اللازمة من بدء ظهور الزائدة اللحمية إلى أن تتحول إلى سرطان بحوالى 12-14 سنة.
فحص البراز المناعي الكيميائي (FIT)
هو نوع من أنواع الفحوصات الدورية الواجب اعتمادها سنوياً بعد عمر الخمسين نظراً لدوره في الكشف المبكر عن سرطان القولون، حيث يكشف وجود أي دم خفي في البراز الذي يعتبر من أبرز عوارض سرطان القولون.
ينبغي إجراء هذا الفحص لجميع الاصحاء بعد عمر الخمسين من أجل الكشف على العلامات المبكرة لسرطان القولون. في معظم حالات سرطان القولون في المراحل المبكرة يصاب جدار القولون بالجروح ما يسبب إفراز كمية صغيرة من الدم مع البراز لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة بل تظهر بواسطة المواد الكيميائية.
يكون الإستعداد للفحص بالدرجة الأولى بتجنب بعض الفواكه أو الخضراوات المعينة منها القرنبيط واللفت، اللحوم الحمراء، الفجل الحار؛ بالإضافة إلى تلك الأطعمة، يتوجب على المريض التوقف عن تناول المكملات الغذائية التي تحتوي على فيتامين “سي”، ومسكّنات الألم.
قد تكون النتيجة سلبية حيث لم يتم العثور على دم في البراز؛ في هذه الحال، وفي حال لم يكن هناك تاريخ عائلي بالمرض أو أي أعراض أخرى، يطلب الطبيب إجراء الفحص بعد عامين. أما إذا كانت النتيجة إيجابية وثبت وجود دم خفي في البراز، ينتقل الطبيب إلى المزيد من الفحوصات التشخيصية ومنها بشكل أساسي منظار القولون لتحديد السبب والإسراع في إعطاء العلاج المناسب.
العلاج
العلاج المناسب يتطلّب تحديد نوع المرض ومرحلته ونسبة انتشاره، بالإضافة إلى عمر المريض وصحته العامة.
تشمل طرق العلاج الجراحة والعلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي، الهدف منها هو إزالة السرطان ومنع انتشاره.
يمكن إجراء جراحة في مراحل المرض المبكرة، حيث يتم استئصال السليلة لإزالة الورم السرطاني، إذا كان السرطان موجودًا فقط في الورم الحميد. أما في مراحل أخرى قد يحتاج الطبيب إلى إزالة جزء من القولون الذي يحتوي على السرطان أو القولون بأكمله (استئصال القولون).
يقوم الجرّاح بعد إزالة جزء من القولون إما بإعادة توصيل الجزء السليم أو بإنشاء فغرة (فتحة جراحية في جدار البطن، من خلالها تمر الفضلات في كيس)، اعتمادًا على مدى استئصال القولون.
لقد أصبحت جراحات القولون متطورة ونسب الشفاء فيها عالية جدًا والتدخل الجراحي تتبعه خطة علاج كيميائي وإشعاعي، وذلك اعتماداً على حجم الورم ومدى انتشاره ومدى صحة المريض وتحمله للأشعة.
أما العلاج الكيميائي، فيستهدف الخلايا سريعة الإنقسام، عن طريق تعطيل البروتينات أو الحمض النووي. تنتقل الأدوية عبر الجسم بأكمله، ويتم العلاج في دورات، حيث يكون للجسم وقتًا للشفاء بين الجرعات.
يوصي أخصائي الأورام بالعلاج الكيميائي لعلاج سرطان القولون قبل الجراحة بهدف تقليص الورم وتسهيل إزالته، وبعد الجراحة لقتل الخلايا السرطانية المتبقية.
العلاج الإشعاعي بدوره يعتمد على قتل الخلايا السرطانية من خلال تركيز أشعة جاما عالية الطاقة عليها. يمكن أن يكون العلاج الإشعاعي علاجاً مستقلا لتقليص الورم، كما يمكنه أن يكون فعالًا جنبًا إلى جنب مع علاجات السرطان الأخرى. وفي سرطان القولون، لا يتم إعطاء العلاجات الاشعاعية حتى يصل المرض إلى مراحله المتأخرة.