باركنسون
باركنسون
عشرة ملايين مصاب حول العالم…
باركنسون أو الشلل الرعاش أحد أمراض الدماغ العصبية التنكسية المزمنة التي تصيب الجهاز العصبي الحركي وتؤثر على جميع وظائف الدماغ تقريبًا بسبب فقدان الخلايا العصبية تدريجيًا. يعد هذا المرض ثاني إضطراب تنكسي عصبي مرتبط بالعمر بعد داء الزهايمر، حيث يقدّر عدد المصابين حول العالم حوالى 10 ملايين شخص.
مع بدء ظهور أعراض مرض باركنسون، تتأثر حياة المريض واستقلاليته فيعجز عن القيام بمهامه اليومية نتيجة إضطرابات الحركة الناجم عن خلل في عمل الدماغ ينتج عنه حركات لاإرادية تتراوح بين الخفيفة والشديدة بحسب تأثر الخلايا العصبية.
يؤدي داء باركنسون إلى تلف جزء معين في النواة القاعدية للدماغ تسمى المادة السوداء التي تفرز مادة الدوبامين المسؤولة عن التوازن الحركي لدى الإنسان. يتحكم الجسم بكل حركة من حركاته عن طريق الإتصال الحاصل بين الدماغ والحبل الشوكي والعضلات وأي خلل في هذه الصلة ينجم عنه إضطرابات في الحركة تعيق قدرة المريض على القيام بأعماله الروتينية اليومية؛ البداية تكون باضطراب خفيف في الحركة على أن يزداد تدريجيا مع مرور الوقت وربما يحتاج الأمر لسنوات إلى أن تتفاقم الأعراض.
تتمثل الأعراض على النحو التالي:
- الإرتعاش أبرز أعراض داء باركنسون والأكثر إنتشارًا وغالبًا ما تبدأ باليدين.
- فقدان الحركة اللاإرادية مثل تحريك اليدين أثناء المشي أو عدم القدرة على الترميش إلى حد يمكن أن يكون بعض المرضى ذوي نظرة متجمدة.
- التلعثم في الكلام وتغيرات يمكن ملاحظتها بشكل واضح، فقد يصبح كلام المريض أكثر ليونة أو بوتيرة ونبرة واحدة؛ كما يمكن أن يبتلع جزءًا من الكلمات أو يكرّرها.
- بطء شديد في الحركة وعدم القدرة على القيام بالأعمال والحركات الإراديّة، فتصبح الأعمال اليومية أكثر صعوبة وربما تحتاج إلى وقت أطول.
- ضمور العضلات، خاصة في الأطراف ومؤخرة الرقبة، وقد يكون شديدًا جدًا إلى حدّ أنه يقيّد الحركة ويكون مصحوبا بآلام شديدة.
- يمكن أن يفقد مرضى باركنسون صفائه الذهني فيعانون من الخَرَف في مراحل المرض المتقدّمة ومن مشاكل في الذاكرة.
من أعراض داء باركنسون كذلك تيبس العضلات فتصبح حركة المريض أكثر صعوبة مع مرور الوقت لاسيما عند محاولة الطبيب ثني الذراع للخلف أو تمديدها. مع مرور الوقت، تزداد نسبة التيبس في العضلات فتضعف وتصاب بالضمور وتصبح حركات المريض بطيئة؛ كما يصعب عليه المحافظة على التوازن فينحني وفي بعض الحالات يميل للسقوط إلى الأمام أو الخلف في وقت يعجز عن تحريك يديه لتفادي السقوط. المشي يتحول إلى أمر غاية في الصعوبة في حالات المرض المتقدمة لاسيما عند البدء بالخطوة الأولى، وربما يتوقف المريض عن المشي فجأة لأنه يشعر وكأن قدميه تلتصقان في الأرض وربما يقوم المريض بالمشي بسرعة من دون قصد ثم يتلكأ تفاديا للسقوط.
تيبس العضلات وقلة الحركة يؤثران بشكل كبير على الكثير من الحركات التي يقوم بها المريض خلال حياته اليومية منها مثلا التقلب في السرير وركوب السيارة والنزول منها، كما تستغرق المهام اليومية وقتًا أطول كارتداء الملابس أو تمشيط الشعر أو غسل اليدين بعد الأكل. تتأثر عضلات الوجه فتقل تعابير المريض في حالات الفرح، فيشيع الإكتئاب لدى مرضى باركنسون؛ مع تقدم الحالة المرضية يعطي الوجه تعبير “الحملقة الفارغة” مع فمٍ مفتوح وقد لا ترمش العينين. كما يصبح البلع صعبا نتيجة تيبس عضلات الوجه والحلق وقد يسيل لعاب المريض أو يختنق بسبب ذلك، كما يجد المريض صعوبة في نطق الكلمات.
تتطور هذه الأعراض على مدى سنوات ويقسم الأطباء حالة المريض إلى مراحل عدة هي:
- المرحلة الأولى تدوم حوالي ثلاث سنوات.
- المرحلة الثانية تدوم حوالي ست سنوات وينتشر المرض في هذه المرحلة ليشمل كامل الجسم.
- المرحلة الثالثة تدوم حوالى سبع سنوات وتظهر أعراض فقدان التوازن وإختلال الوقفة نتيجة الإنعكاسات العصبية.
- المرحلة الرابعة تستمر حوالى تسع سنوات يحتاج خلالها المريض إلى المساعدة حتى يقوم بنشاطاته اليومية مثل المشي والطعام والإستحمام وغيرها.
- المرحلة الخامسة تدوم حوالى 14 سنة فيصبح المريض مقعداً بشكل كامل ولا يستطيع الحركة إلا بالكرسي المتحرك.
تحدث بعض الحالات بسبب العامل الوراثي، ولكن بشكل عام غالبية الحالات تحدث بشكل عشوائي. كما تعرّف العلماء كذلك على بعض الطفرات الجينية التي قد تكون سببًا في حدوث داء باركنسون، وهناك تغيرات جينية محددة يمكن أن تكون من عوامل خطر الإصابة؛ في حالات أخرى يمكن لبعض العوامل أو المثيرات البيئية أن تسبب الإصابة مثل التعرض لمواد سامة مُحدَّدة أو عوامل بيئية ولكن الخطر يكون قليلاً نسبيًا.
مضاعفات المرض
داء باركنسون هو سبب لمضاعفات ربما تكون أشد وطأة على المريض من المرض بحد ذاته؛ لكن هذه المضاعفات يمكن السيطرة عليها والحد من تفاقمها في حال الكشف المبكر والمتابعة الدورية مع الطبيب المعالج.
من أبرز المضاعفات التي يمكن أن يعاني منها المريض:
- صعوبة في التفكير وهي من المضاعفات المتأخرة لداء باركنسون.
- تغيرات عاطفية ونفسية والشعور بالكآبة والقلق والخوف.
- إضطرابات في النوم كالإستيقاظ بشكل متكرر خلال الليل أو النوم أثناء النهار؛ وقد يعاني بعض المرضى من إضطراب في حركة العين.
- مشاكل في المثانة وعدم القدرة على التحكم في عملية التبول.
- صعوبة في البلع ومضغ الطعام نتيجة تأثر عضلات الفم.
- إنخفاض مفاجئ في ضغط الدم فيعاني المريض من دوار عند الوقوف.
علاجات دوائية
داء باركنسون من الأمراض المزمنة التي تتطلب علاجًا طويل الأمد إلى جانب الدعم النفسي وتثقيف المريض وعائلته وإعداد خطة علاج شاملة بما فيها العلاج الدوائي والتغذية والرياضة وغيرها من أجل الحفاظ على صحة المريض والحد من الأثر السلبي للمضاعفات. العلاج الدوائي ضروري لمريض باركنسون كونه يسهم في الحد من تطور الحالة ويخفف من الأعراض.
غذاء مريض باركنسون يدخل ضمن خطة العلاج المعتمدة، حيث ينبغي أن يعتمد غذاء مريض شلل الرعاش على الحبوب الكاملة والأطعمة الغنية بالكالسيوم إلى جانب حصص صغيرة من الأطعمة عالية البروتين، بالإضافة إلى المساعدة على التحكم في سكر الدم وإرتفاع ضغط الدم والكولسترول وأمراض القلب. يجب الإكثار من الخضراوات والفاكهة لأنها توفر مضادات الأكسدة والمعادن والفيتامينات التي تغذي وتدعم العضلات والأعصاب وباقي أعضاء الجسم. كما أن الكالسيوم مهم بصفة خاصة للمحافظة على صلابة العظام ومنع الكسور أما البروتين فيحمي العضلات ويقويها.
دور الرياضة في الحد من تطور الحالة
إلى جانب العلاج الدوائي، أثبتت الدراسات دور بعض أنواع التمارين الرياضية في الحد من تطور الحالة المرضية والأعراض المصاحبة، حيث تؤكد الأدلة العلمية دور النشاط الجسدي في تحسين الأعراض الحركية. لكن من المهم تحديد نوع التمرين المناسب بحسب مرحلة المرض والأعراض التي تظهر على المريض وذلك من قبل أخصائي علاج طبيعيّ يضع برنامج رياضي يُمكن للمريض القيام به. بشكل عام، يساعد التمرين الجسدي على تحسين حركة المريض وتوازن جسمه، فضلاً عن الأثر النفسي على صحة المريض النفسيّة، ومن الأمثلة على الرياضات التي يمكن أن تساعد مريض الباركنسون المشي والسباحة والعمل بالحديقة. من الطرق العلاجية المعتمدة العلاج بالتدليك لأنه يخفّف من التوتر والشد العضلي خصوصًا لمن يعاني من التيبس. هناك نوع من الرياضة الصينية القديمة تسمى “تاي تشي” (Tai Chi) التي تناسب مرضى باركنسون وهي عبارة عن حركات جسمانيّة بطيئة تحسّن مستوى المرونة والإتّزان. رياضة اليوغا تعتبر كذلك من الرياضات الضرورية لمرضى باركنسون لما لها من دور في تحسين ليونة العضلات والمحافظة على الإتزان.