الثلاسيميا
الثلاسيميا… من أمراض الدم المزمنة غير المعدية
الرعاية الصحية الدائمة تحد من مضاعفات المرض الخطيرة
هو اضطراب موروث في الدم يؤدي إلى إنتاج كمية أقل بكثير من الهيموغلوبين ويؤدي إلى تدمير خلايا الدم الحمراء فيسبب فقر الدم الحاد. الثلاسيميا من أمراض الدم المزمنة غير المعدية التي تحتاج إلى رعاية صحية مستمرة منعا لحدوث مضاعفات قد تكون سببا لمشاكل صحية عدة؛ ويتمثل العلاج بنقل الدم بشكل مستمر ومتكرر.
يصاب الأطفال بالثلاسيميا في مراحل مبكرة من عمرهم وتكون من السنة الأولى من العمر بسبب تلقّيهم الجينات المصابة بالوراثة من الأب والآخر من الأم ما يعني أن المرض ينتقل من أحد الأبوين.
في الحالات الشديدة من الثلاسيميا، يعتمد المرضى بشكل دائم على التزوّد بالدم منذ طفولتهم المبكرة، ولا يمكنهم العيش بعافية أو البقاء على قيد الحياة من دون عمليات نقل دم منتظمة مدى العمر.
مريض الثلاسيميا لديه عدد قليل جدا من خلايا الدم الحمراء والهيموجلوبين، ما يجعل تأثير المرض يتراوح ما بين الخفيف والحاد والمهدد للحياة؛ النوع الخفيف لا يتطلب علاجا طبيا لكن الأشكال الأكثر حدة تستلزم علاجا مستمرا، كما أن المرضى المصابين بالثلاسيميا من نوع “بيتا” يحتاجون إلى عمليات نقل دم منتظمة.
خطورة المرض تكمن في أن إنخفاض مستويات الهيموجلوبين يسبب فقر الدم وعوارضه التعب والوهن الشديدين، وفي الحالات الشديدة يؤدي إلى أذية أعضاء أخرى من الجسم وقد تكون النتيجة الموت. هذا النقص أو الإنعدام في إنتاج مادة الهيموجلوبين الموجودة في خلايا الدم الحمراء والتي تسمح لها بنقل الأوكسجين إلى أنحاء الجسم كافة، يؤدي إلى إنخفاض مستوى الأوكسجين في كل خلية من خلايا الجسم.
تنقسم الثلاسيميا إلى نوعين رئيسيين، الأول يعرف بثلاسيميا ألفا تحدث بسبب خلل في جين أو أكثر في الـ«ألفا جلوبين»، أو بسبب حدوث طفرة جينية في هذا الجين. النوع الثاني هو ثلاسيميا بيتا ناتج عن خلل في جين أو أكثر في الـ«بيتا غلوبين»، أو حدوث طفرة جينية في هذا الجين أو الجينات المرتبطة به.
الثلاسيميا ألفا وبيتا ينقسمان بدورهما إلى نوعين، النوع الأول يعرف بالثلاسيميا الكبرى الناتج عن توريث جينات معطوبة من كلا الوالدين وقد يؤدي إلى وفاة الطفل أثناء الولادة أو في أواخر فترات الحمل. النوع الثاني يعرف بالثلاسيميا الصغرى الناتج عن توريث جين متضرر من أحد الوالدين فقط، مع العلم أن مصابي هذا النوع لا تحدث لديهم أي أعراض سوى أن كريات الدم الحمراء لديهم تكون أصغر من حجمها الطبيعي، كما تكون هناك احتمالية أكبر لديهم للإصابة بفقر الدم البسيط. يؤدي هذا المرض الوراثي إلى الإصابة بفقر الدم المزمن ما يجعل المريض بحاجة دائمة إلى نقل الدم بحسب درجة خطورة الحالة وعمر المريض ودرجة نقص الهيموجلوبين بالدم ولهذا فقد يموت المصاب بالمرض إذا لم تتم عملية نقل الدم بصورة مستمرة.
التغذية المناسبة
بما أن الثلاسيميا حالة صحية خاصة، يجب معرفة التغذية المناسبة لمرضى الثلاسيميا والتي يجب أن يراعى فيها عدة شروط لملائمة الوضع الصحي؛ وبالإضافة إلى أن مرضى الثلاسيميا بحاجة إلى نقل دم بشكل دوري ومستمر، فهذا بالتالي يسبب ترسّب الحديد بشكل كبير في الجسم، لذلك يجب إنقاص كمية الحديد التي يمتصها الجهاز الهضمي من الطعام.
كمية الحديد التي يمتصها جسم الإنسان من المواد الغذائية هي كمية ضئيلة وتزداد عملية الإمتصاص هذه بإنخفاض مستوى الهيموغلوبين في الدم. لذلك، على مرضى الثلاسيميا أن يلائمها النمط الغذائي الخاص بهم في الفترات ما بين عمليات نقل الدم والتي ينخفض فيها مستوى الهيموغلوبين عندهم بما يحد من امتصاص الحديد الموجود في الغذاء عبر الجهاز الهضمي.
يمكن تقسيم الحديد الموجود في المواد الغذائية إلى مجموعتين رئيسيتين؛ الحديد الموجود في اللحوم والحديد الموجود في باقي الأطعمة. الحديد الموجود في اللحوم يتركز في الأغذية الحيوانية مثل اللحوم الحمراء أي لحم العجل والبقر والضأن والجزء الأحمر من لحوم الطيور والسردين، وغيرها من الأطعمة البحرية كالروبيان.
أما الحديد الموجود في باقي الأطعمة فيوجد في أطعمة عديدة، أهمها الأغذية ذات الأوراق الخضراء مثل السبانخ، والبقدونس، والنعناع، والكزبرة، والزعتر، وورق العنب، والمكسرات مثل اللوز، والبندق، والفستق الحلبي، والصنوبر، والفول السوداني. كما يوجد الحديد في الحبوب مثل الحمص، والعدس، والفول الناشف، واللوبياء الناشفة، والأغذية المجففة مثل: البرقوق، والخوخ، والزبيب، والتين، والمشمش، والبهارات مثل: الكركم، والفلفل الأسود، والزعفران، والكمون.
إلّا أنَّ الإمتناع الكلي عن تناول الأطعمة بسبب احتوائها على عنصر الحديد أمر غير ممكن من الناحية العملية، لذلك ينصح باتباع الوسائل التي تخفف من امتصاص الحديد، وتجنب الأطعمة التي تزيده.
من أهم الأطعمة التي تقلل امتصاص الحديد مشتقات الحليب؛ لعنصر الكالسيوم الموجود بوفرة فيها، لذلك ينصح مرضى الثلاسيميا بتناول كوب من الحليب لدى أكلهم اللحوم الحمراء، واستعمال مشتقاته في إعداد الأطعمة التي تحتوي على اللحوم، إذ إن احتواء هذه الأغذية على عنصر الكالسيوم يخفض خطر الإصابة بمرض هشاشة العظام.
كما أنَّ الشاي والقهوة يحدان من إمتصاص الحديد؛ لذلك، فإن شرب مريض الثلاسيميا كميات كبيرة منهما يوميًّا، خاصة مع وجبات الطعام، يقلل من كميات الحديد الممتصة.
نقل الدم المتكرر
يعتمد علاج الثلاسيميا على نقل الدم للمصاب بشكل متكرر لتوفير الهيموغلوبين الذي يحتاجه الجسم؛ عمليات نقل الدم آمنة للغاية نظراً لطرق الفحص الدقيقة المستخدمة لفحص دم المتبرع. ومع ذلك فإن العيب الوحيد لعمليات نقل الدم المنتظمة هو أنها تترك الكثير من الحديد في الجسم. يُضاف هذا إلى الحديد الإضافي المأخوذ من الغذاء، ما يعني أن المصابين بالثلاسيميا بيتا الكبرى الذين يخضعون لعملية نقل الدم يجب أن يُعالجوا للتخلص من الحديد الزائد من الجسم.
زرع نقي العظم
عملية زرع نقي العظم هي بمثابة العلاج الشافي الوحيد لمرضى الثلاسيميا لكنها تتم لمرضى محددين فقط، حيث يمكن أخذ نخاع أو نقي العظم من متبرع قريب وهو عادة الأخ وتؤخذ الخلايا الجذعية من دم الحبل السري.
النخاع العظمي هو عبارة عن نسيج في داخل العظم يتواجد فيه ما تسمى بالخلايا الجذعية التي تقوم بتقسيم نفسها وتكوين خلايا الدم المهمة ومنها خلايا الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية. لكل منها دوره في الحفاظ على صحة الجسم. الخلايا البيضاء مهمة لمكافحة الإلتهابات ومناعة الجسم والصفائح الدموية تساعد في تخثر الدم والكريات الحمراء تمد الجسم بالأوكسجين.
إذن للتخلص من عمليات نقل الدم المتكررة، يمكن إجراء عملية زرع نقي العظم وهي عبارة عن إستبدال نقي العظم المتضرر بنقي عظم من شخص متبرع غير مُصاب بالثلاسيميا. يبدأ عندها نقي العظم الجديد بإنتاج خلايا الدم السليمة.
يستفيد من هذه العملية العديد من المرضى الذين يعانون من أمراض الدم ومرضى الثلاسيميا من نوع البيتا ثلاسيميا هم أكثر المستفيدين؛ يوجد نوعان من هذه العملية، الأول ذاتي بمعنى أن يؤخذ نقي العظم من المريض نفسه ولكن بعد أن يكون المرض في فترة من الركود يتضاءل فيها أو يختفي من الجسم فيتم حينها جمع الخلايا السليمة من المريض نفسه ومن ثم إعادتها له فيما بعد.
النوع الثاني هو زراعة نخاع العظم من أحد أقارب الدرجة الأولى لتكون الأنسجة مطابقة يتلقى منه المريض خلايا سليمة؛ ولكن يمكن أن يتلقى المريض الخلايا السليمة من متبرع غريب تم البحث عنه عن طريق سجل متبرعين نخاع العظم العالمي لإختيار النوع المناسب من زراعة النخاع.
إذن، هذه العملية تعتمد بالدرجة الأولى على وجود متبرع يفضل أن يكون من الدرجة الأولى أي أشقاء أو شقيقات المريض، حيث يجب إجراء الفحوصات التي تؤكد من وجود التطابق النسيجي والخلوي (100%) بين المتبرع والمريض، وتزداد فرص نجاح العملية للذين لا يعانون من ترسب الحديد أو تضخم الكبد والطحال. ولكن، رفض الأنسجة عادة ما يكون أقل نسبة لدى الأطفال عنها لدى الكبار وذلك لا يحدث مباشرة بعد العملية إنما قد يحتاج إلى 3-5 سنوات يبقى فيها خطر الرفض، فالمريض بحاجة إلى متابعة دقيقة للغاية.
يتم قبل زرع نخاع العظام التخلص من نخاع المريض عبر إعطائه أدوية تدمر خلايا النخاع وعلى مدى 6 أيام يشعر فيها بالوهن والضعف وتحت التعقيم التام. كما يتم شفط النخاع بواسطة حقنة خاصة وتحت التخدير العام. تستغرق هذه العملية حوالي نصف الساعة وتستكمل العملية بإعادة حقن نخاع العظام السليم إلى المريض في ما يشبه عملية نقل الدم فيجد النخاع الجديد تجويف نخاع المصاب.