التوحد
التوحد
خلل في التواصل اللفظي ونمط متكرر من التصرفات
هو اضطراب عصبي سلوكي ناتج عن خلل في الجهاز العصبي يؤثر بالتالي في وظائف الدماغ، يؤثر في التواصل والتفاعل الاجتماعي مع وجود سلوكيات نمطية متكررة، حيث تظهر هذه الأعراض في مرحلة الطفولة المبكرة وتؤدي إلى قصور في أداء المهارات الوظيفية اليومية ما يؤثر في مختلف نواحي النمو فيؤدي إلى قصور في عمليات التواصل والتعلم والتفاعل الاجتماعي.
التدخل العلاجي والسلوكي المبكر أسهم فعالية كبيرة في التخفيف من أعراض المرض والحد من تطوره. مرض التوحد ينتشر بين الأطفال بنسبة 2% ويكثر عند الذكور أكثر بأربع مرَّات من الإناث، لكن أسبابه ما زالت مجهولة، ويرجح بأنَّ هناك جينات وراثيَّة نادرة تؤثر في الجنين ما يؤدي إلى إصابته بمرض التوحد.
مرضى التوحد عموما هم أكثر مودة عطفا ويشعرون بالحب ولديهم قدرات عقلية مميزة جدا ومعدلات ذكاء عالية، حيث بتنا نرى اليوم الكثير منهم لديهم مواهب في الرياضيات والرسم والموسيقى وغيرها. ولكن في المقابل، مريض التوحد لا يرغب بتكوين صداقات له لأنه لا يعرف كيفية التواصل مع الآخرين، كما أنه لا يجيد التعبير عمّا يختلجه من مشاعر وكذلك لا يفهم مشاعر الطرف الآخر.
ورغم أن الأسباب لا تزال مجهولة، إلا أن ما توصلت إليه الأبحاث العلمية والطبية تشير إلى أن مرض التوحد يحدث بسبب الظروف البيولوجية التي تؤثر على نمو الدماغ، وهو وضع يستمر مدى الحياة، ويرجع سبب انتشار “التوحد” إلى العديد من الأسباب منها وراثية وجينية، ومنها ناتج عن ترك الطفل ساعات طويلة يوميا أمام شاشات التلفاز وأجهزة الكمبيوتر والألعاب التي تحث الطفل على عدم التكلم مع من حوله على ان يكون للتدخل الطبي المبكر دورا أساسيا في تحسن الحالة وعدم تدهورها.
العزلة وتكرار السلوك أبرز الأعراض
أعراض مرض التوحد هي أعراض سلوكية تبدأ بالظهور منذ العام الأول ولكن يتم تشخيص الحالة بشكل أكيد في عمر الثلاث أو الأربع سنوات، يلاحظها الأهل من خلال اختلاف تصرفات الطفل عن أقرانه سواء من أخوته أو في المدرسة. ولكن في المقابل، فإن أعراض التوحّد تختلف من طفل إلى آخر وتختلف معها تصنيفات المرض ما بين طيف التوحد الشديد، حيث تظهر فيه جميع أعراض التوحّد ويوصف الطفل بأنه صاحب قدرات عقلية منخفضة، أو الخفيف حيث تظهر عليه بعض الأعراض ويشار إليه بأنه صاحب قدرات عقليه جيدة أو فوق الطبيعية.
ومن الأعراض التي يلحظها الأهل قلة التركيز أثناء الحديث معه وهي من الأعراض التي يصعب التعرف عليها في عمر مبكر، وفي هذه الحالة يبدو الطفل وكأنه ينظر نظرة خالية من أي مشاعر عند مخاطبته من والدته او والده. السلوك المتكرر من أكثر أعراض مرض التوحد انتشارا، حيث يتمسك الطفل بعادة معينة ويكررها. كما أن الابتعاد عن التفاعل مع الناس أيضا من أبرز الأعراض، وبالتالي لا يرغب الطفل بالاختلاط مع الناس بل يفضل أن يبقى منفردا ووحيدا لا يرغب في اللعب مع الآخرين فتجده منعزلا.
تظهر أعراض مرض التوحد أيضا من خلال الانفعالات العاطفية المبالغة، بحيث ان طفل التوحد يظهر ردود أفعال عاطفية غير متوازنة في الحالات العادية ولا يمكنهم السيطرة على عواطفهم فيظهرون في بعض الأحيان سلوكا عدائيا وهي أعراض تصيب الحالات المتقدمة من مرض التوحد.
التأخر في النطق والتطور اللغوي من أبرز أعراض مرض التوحد ومن أهم إشارات الإصابة بالمرض، إذ ينبغي هنا التوجه فورا لاستشارة أخصائي اللغة لمساعدته على النطق وتشخيص الحالة؛ فمن المعروف أن الطفل في عمر الأشهر يتجاوب مع الأهل ويبدأ بالمجمعة، وفي عمر السنتين أو الثلاث سنوات بإمكانه تكوين كلمات أو عبارات قصيرة. وفي هذه الحالة، وبما أن الطفل لا يجيد التواصل مع الآخرين، فإنه يعبّر عما في داخله بطرق أخرى مثل الرسم.
يمكن تحديد أعراض مرض التوحد على النحو الآتي:
- خلل بالتفاعل الاجتماعي.
- خلل بالتواصل.
- الأنشطة والتصرفات والاهتمامات محصورة.
- عدم الاستجابة لوسائل التعليم العادية.
- تصرفات عدوانية أو مؤذية للذات.
- زيادة ملحوظة في الفعالية والنشاط أو نقص ملحوظ.
- نوبات من الغضب.
- قصور في مدى الانتباه.
- النوم والأكل الغير طبيعيين فقد لا يأكل إلا أنواع معينة من الطعام.
- اللعب بطرق شاذة وغير معتادة.
- ارتباط غير طبيعي بالأشياء.
ما هي اختبارات مرض التوحد؟
في الواقع، حتى الآن لا يوجد نوع معين من الفحوصات التي تساعد الطبيب في تشخيص مرض التوحد ولا حتى أشعة تسهم في ذلك؛ بل إن تشخيص الحالة يعتمد أولا على تصرفات الطفل غير المألوفة والمختلفة عما يقوم به أقرانه، والوالدين هما أول من عليه أن يلاحظ تلك التصرفات مثل التأخر في الكلام وعدم القدرة على التواصل البصري.
ثم يأتي دور الطبيب هنا والذي يهتم بتمييز الحالات المشابهة مثل التأخر العقلي وأمراض التمثيل الغذائي والأمراض الوراثية أو الصمم وغيرها. ويلاحظ طبيب الأطفال تصرفات الطفل من عمر 18 شهر فصاعدا، ومن الممكن أن يستعين طبيب الأطفال بمتخصص في اضطرابات نمو الأطفال عندما يعتقد أن الحالة تحتاج إلى مزيد من التقييم أو طبيب أمراض عصبية أو نفسية كما يشارك في تقييم الحالة أخصائي علاج أمراض النطق والتواصل وأخصائي السمعيات وأخصائي العلاج الوظيفي والمهني وأخصائي اجتماعي.
تشخيص الحالة يحتاج كذلك إلى التعرف على التاريخ المرضي للعائلة ومعرفة ما إذا كان هناك حالات مشابهة في العائلة؛ ويحتاج الطبيب ايضا الى بعض الاختبارات الوراثية المتعلقة بالتمثيل الغذائي وصور أشعة الرنين المغناطيسي والرسم الكهربائي للمخ والكلام واللغة وتقييم التواصل وتقييم الإدراك والسلوكيات. يركز الطبيب بشكل أساسي على المهارات الاجتماعية والعلاقات ومشاكل التصرفات والتقييم الأكاديمي وأسلوب التعلم.
علاجات سلوكية
العلاج الشافي ليس متوفرا حتى الآن، إلا أن ما يتم العمل عليه اليوم في سائر أنحاء العالم وتحديدا في المراكز المتخصصة لحالات التوحد هو العمل على علاجات سلوكية لمرضى التوحد من خلال وضع برامج تعليمية جيدة التخطيط والتي تركز على تنمية مهارات التواصل والمهارات الاجتماعية، حيث توضع تلك البرامج بشكل مختلف بين الحالة والأخرى إذ انه لا يوجد معايير محددة لكل المرضى بل ان تقييم الحالة هو الذي يسهم في تحديد البرنامج العلاجي لكل حالة على حدة. من البرامج التي تهتم بها البرامج العلاجية لمرضى التوحد الاهتمام باللغة والكلام والتصرفات العلاج بالأدوية والعلاج التكميلي أو الطب البديل والدعم بالدراسات العلمية.
الأطفال المصابون بالتوحد يكون لديهم القدرة على استيعاب المعلومات التي يرونها عن التي يسمعونها ولذلك فإنهم يتعلمون بالمشاهدة، ويصعب على المصابين بالتوحد فهم الجمل والتعليمات المطولة. العلاج هنا يشمل العمل على تنمية قدرات الطفل على الاستيعاب والتعبير عن مشاعره كما يشمل أنشطة مهدئة مثل الموسيقى والأرجحة ومشاهدة التلفاز والفيديو وإعطاء الطفل فترات من الراحة من دون أن يقوم بأي نشاط.
كيف نتعامل مع طفل مصاب بالتوحد؟
التعامل مع مريض التوحد يحتاج الى دقة عالية لأن الطفل في هذه الحالة ليس كباقي الأطفال وهو يحتاج إلى عناية خاصة ومعرفة كيفية التعامل معه لأن في ذلك دور مهم في اتّباع البرامج التعليمية الخاصة بحالته وأي تصرف غير صحيح قد يؤدي إلى تراجع الحالة وتدهورها. لذلك، فإن البرامج التعليمية المتبعة في المراكز المتخصصة بالتوحد تعطي دروسا تعليمية للأهل ولكل من يتعامل مع الأطفال المصابين بالتوحد حول كيفية التعامل معهم. إن أول سبل النجاح في التعامل مع هذه الفئة هي تقدير حالته النفسية، فهو إنسان قبل كل شيء فهناك ما يفرحه وهناك ما يحزنه ويجعله مكتئبا، وقد يكون في أحيان أخرى في حالة نفسية وجسدية سيئة لذلك لا يتجاوب مع من يتعامل معه ويرفض التعاون معه.
كما ينبغي أيضا التركيز على التواصل مع الطفل والعمل على تنمية التواصل البصري واللفظي، فلا يكفي أن نعطي الطفل ما يريده بمجرد نجاحه في مهمة ما طلبت منه، بل يجب ألا نعطيه هذا الشيء إلا عندما ينظر في وجه من يتحدث معه. من أهم الأمور التي يجب القيام بها هي دمج الطفل مع أقرانه؛ الطفل المصاب بالتوحد يميل إلى التعامل مع الكبار والاتصال بهم حيث يجد في هذا الأمر سهولة أكثر من تعامله مع الأطفال الصغار نظرا لتفهم الكبار حالة الطفل .
في هذه الحالة يجب إشغالهم بأمور أخرى وعدم منعهم بالقوة، حيث ان إلهاء الطفل بأمور أخرى هو الحل لعدم تكرار التصرفات والأفعال النمطية التي يقوم بها عادة. من ضمن الأمور الواجب اتّباعها أثناء التعامل مع الطفل المصاب بالتوحد هي تنمية ثقته بنفسه وتعليمه الاستقلالية لأنه يعاني من انعدام ثقته في نفسه. وفي حال لم يفعل ما يُطلب منه، يجب عدم الصراخ في وجهه أو توبيخه بل حثه على تكرار الأمر إلى أن ينجح في المهمة الموكلة إليه .ومن أهم ما يجب تعليمه للطفل هو كيفية اللعب لأنه من الأمور المهمة لنموه من جهة ولتفريغ كل الانفعالات والاضطرابات التي بداخله.