البدانة من أخطر الآفات العالمية التي تهدد البشر
البدانة من أخطر الآفات العالمية التي تهدد البشر
نمط الحياة الصحي… وقاية وعلاج
عندما يكون مؤشر كتلة الجسم يساوي 30 او اكثر فإن هذا الشخص يعاني من البدانة المفرطة، أما إذا كان 25 فهو يعاني من الوزن الزائد؛ في كلتا الحالتين، فإن هذا الشخص هو عرضة للكثير من الامراض والمشاكل الصحية التي تهدد حياته. ولكن الامر الإيجابي هو أن الوقاية ممكنة وهي عبر اتباع نمط حياة صحي يسهم الى حد كبير في الحد من خطر التعرض للأمراض المرتبطة بالسمنة.
اليوم، باتت مسؤولية الجهات الناشطة في مجال التوعية من مخاطر السمنة أكبر بكثير لجهة حث الناس في سائر المجتمعات على اتباع نمط حياة صحي من أجل الحد من التأثيرات السلبية لهذا الخطر المحدق. إن خسارة الوزن الزائد تخطى كونه مسألة جمالية بل اتخذ منحى صحيا من الدرجة الاولى نظرا لارتباطه بقدرة الجسم على مواصلة وظائفه الحيوية بصورة سليمة. المسألة هنا ليست جمالية فقط بقدر ما هي علاجية، وهو ما ركزت عليه حملات التوعية التي كان لها الدور الأهم في تغيير مفهوم البدانة لدى الناس، حيث أن الكثير منهم اليوم باتوا على قناعة تامة أن السمنة مرتبطة بالكثير من الامراض لاسيما المزمنة منها إن ما تشكله البدانة المفرطة من تهديد مباشر على صحة الإنسان، حث منظمة الصحة العالمية على إعلانها ضمن قائمة أخطر الامراض الى حد وصفتها بـ”الوباء” ولكن يمكن الوقاية منه عبر العمل على خسارة الوزن الزائد وخفض معدل مؤشر كتلة الجسم بحسب ما يتناسب مع عمر المريض وطوله.
هذا التعريف كان كفيلا لِحث المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات وحتى بعض شركات الادوية بإقامة حملات توعية تسلط الضوء على ما يسببه الوزن الزائد والبدانة المفرطة من أمراض يمكن الوقاية منها عبر اتباع نمط غذائي صحي وممارسة النشاط البدني. ورغم أن البعض سرعان ما ينتابه الشعور باليأس في حال لم يتمكن من خسارة الوزن، إلا أن ذلك لا يجب أن يحبط من عزيمته في الاستمرار بما يقوم به من خطوات صحية لأنها سبيله نحو الوقاية من الأمراض المرتبطة بالسمنة في المستقبل. إحصاءات منظمة الصحة العالمية تشير إلى وجود حوالى 1.9 مليار بالغ يعانون من الوزن الزائد، من بينهم 650 مليون مصابون بالبدانة. هذه الفئة تواجه خطرا متزايدا للإصابة بداء السكري والأمراض القلبية الوعائية والسرطان. البدانة اليوم هي ضمن قائمة الأمراض المزمنة التي تستدعي العمل بجهد من أجل الحد من انتشارها والوقاية مما تسببه من أمراض.
وفي كل يوم، تصدر تقارير واحصاءات جديدة تضع السمنة المفرطة في مقدمة الآفات العالمية التي تهدد البشر، آخرها كان تقريرا صادرا عن علماء من جامعة أوكلاند (نيوزيلندا) وجورج واشنطن (الولايات المتحدة) ومنظمة “وورلد أوبيزيتي فيديرايشن” ونشر في مجلة “ذي لانست” الطبية البريطانية. التقرير وضع السمنة المفرطة وسوء التغذية والتغير المناخي ضمن أخطر ثلاث آفات تهدد البشر على الصعيد العالمي وينبغي العمل على مواجهتها للحد من مخاطرها.
تشخيص البدانة وأسبابها
من السهل معرفة ما إذا كان الشخص يعاني من وزن زائد لأن حجمه سيدل على ذلك؛ ولكن تعريف منظمة الصحة العالمي يميز بين الوزن الزائد وبين السمنة المفرطة، تشخيص الحالتين يكون من خلال معرفة مؤشر كتلة الجسم (BMI).
في حالة الوزن الزائد، فإن مؤشر كتلة الجسم يساوي 25 او اكثر، اما البدانة المفرطة فيكون مؤشر كتلة الجسم 30 وما فوق. إلا أن مؤشر كتلة الجسم يختلف من شخص لآخر، كلّ بحسب عمره وطوله، ويُحسب بتقسيم الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر. الأشخاص الذين تكون كتلة الجسم لديهم أقل من 18.5 يعانون من نقص في الوزن أو النحافة؛ إذا كان مؤشر كتلة الجسم بين 18.5 و25 فهو وزن مثالي؛ الأشخاص الذين لديهم مؤشر كتلة الجسم بين 25 و30 يتمّ تصنيفهم على أنّ لديهم زيادة الوزن، أما الأشخاص الذين لديهم مؤشر كتلة الجسم أكثر من 30 يعانون من السمنة المفرطة. أولى أسباب الإصابة بالسمنة هو حدوث اختلال في التوازن بين الطاقة والسعرات الحرارية التي يتناولها الإنسان ويحرقها، حيث تؤدي زيادة استهلاك الأغذية الغنية بالسعرات الحرارية، من دون القيام بأي نوع من أنواع النشاط البدني إلى زيادة الوزن بشكل غير صحي. كما يوجد بعض الأسباب الوراثية والهرمونية والبيئية والنفسية والاجتماعية التي تلعب دورا في الإصابة بالسمنة. للأسف، فإن النظام الغذائي في بعض المجتمعات تحول الى نظام استهلاكي يحتوي على نسب عالية من الدهون والسكاكر والطاقة مع انخفاض كبير في نسبة الفيتامينات والمعادن وغيرها من المغذيات الصحية ذات السعرات القليلة؛ فضلا عن قلة النشاط البدني.
إدارة الوزن… بداية العلاج
قد يكون التعبير حديثا بعض الشيء وغير واضح، إلا أنه الطريق الصحيح للتخلص من البدانة. فبعد أن تبين ما قد ينتج عن السمنة المفرطة من أمراض قد تكون مميتة لدى البعض، يركز الطب الحديث اليوم على عام الوقاية والحصول على الوزن المثالي كخطوة أولى نحو الحد من المخاطر المترتبة من جراء السمنة. على الشخص البدين في بداية الأمر أن يقتنع انه يعاني من مرض خطير يحتم عليه التوجه الى الطبيب للحصول على الاستشارة الطبية التي ستساعده على التخلص من تلك الكيلوغرامات الزائدة، ولكن قبل أي شيء إرادته في إحداث تغيير في نمط حياته هي اولى خطوات نجاحه في إدارة الوزن.
عند تحديد الوزن الذي يجب ان يخسره المريض من خلال احتساب مؤشر كتلة الجسم، ينتقل بعدها أخصائي التغذية أو الطبيب المختص في الغدد وامراض السكري الى مرحلة البحث عن الأسباب؛ ففي بعض الحالات قد يكون هناك سبب صحي يعيق عملية خسارة الوزن فيجعل المريض عاجزا عن التحكم بشهيته على تناول الطعام فيتم تحديد الخلل الحاصل الذي أسهم في حدوث زيادة الوزن وصعوبة خسارته للحفاظ على الوزن الصحي، بالإضافة الى سبب تباطؤ عملية الأيض وزيادة دهون الجسم.
بعد القيام بدراسة شاملة على حالة المريض العامة، يضع الطبيب خطة علاجية هي أشبه بخارطة طريق ينبغي على المريض اتّباعها ومتابعتها بدقة من خلال الزيارات الدورية للطبيب المعالج الى ان يصل الى الوزن المنشود؛ الإجراءات العلاجية قد تشمل اتّباع حمية خاصة مع تناول بعض الأدوية لعلاج الخلل الحاصل الذي أدى الى اكتساب هذا الوزن، او قد يلجأ الطبيب الى الإجراء الجراحي بحيث يتم تحديد نوع العملية وفق وزن المريض وحالته الصحية العامة. إن أهم ما في الأمر هو أن يكون الإجراء الطبي ملائما لحالة المريض من اجل ضمان أفضل النتائج والوصول الى الوزن المثالي، إذ إنه وكلما كانت الإجراءات دقيقة كلما زادت قدرة الجسم على التخلص من الوزن الزائد.
علاج هذه الحالة يكون بداية عبر اتّباع نظام غذائي خاص يعمل على تكسير الدهون المتمركزة؛ إضافة الى اتّباع بعض التمارين الرياضية الخاصة والتي تتم تحت إشراف مدرب خاص يحدد التمارين المناسبة لإذابة الدهون. ثم إن قلة الحركة تؤدي الى زيادة الوزن خصوصا إذا ما ترافقت مع تناول كميات كبيرة من الاطعمة الغنية بالسعرات الحرارية؛ وهنا يبرز دور الرياضة في تخفيض نسبة الدهون وجلوكوز الدم كما أن لها دورا في نشاط الأنسولين واستقبال أنسجة الجسم له. التحكم بالبدانة هو الطريق نحو التخلص منها والعيش حياة طبيعية خالية من الأمراض الناتجة عنها والخطوة الأهم في هذا الإطار هي الارادة؛ ثم على الشخص البدين ان يضع هدفا مقبولا يمكن تحقيقه إذ ليس من الضروري ان يصل الى الوزن المثالي بل يكفي الوصول الى مستوى طبيعي ليحافظ عليه كمرحلة اولى، فعليه ان يدرك جيدا ان عملية إنقاص الوزن ليست بالأمر السهل بل هي عملية بطيئة ومملة وتتطلب الصبر والمتابعة المستمرة وعدم اليأس.
تغيير العادات الغذائية السيئة وممارسة النشاط البدني كمرحلة أولى، على أن يوازن الإنسان بين الطاقة المتناولة والمبذولة امر ضروري في عملية ادارة الوزن؛ ويكون ذلك باتّباع نظام غذائي صحي يتناسب مع جنس المريض وعمره ووزنه ونوعية النشاط الذي يقوم به، واتباع برنامج منظم للنشاط والتمارين الرياضية على الأقل ثلاث مرات أسبوعياً، بعد استشارة الطبيب المعالج. البداية إذن يجب أن تكون دوما باتباع نمط غذائي صحي يرافقه برنامج رياضي يساهمان معا في الحد من زيادة الوزن؛ إن أهم ما في ذلك هو الاستمرارية وعدم اليأس، فالشخص المصاب بالسمنة قد يفقد الأمل في خسارة الوزن. لكن، ما يجب أن يدركه الشخص في هذه الحالة أن ما يقوم به من خطوات هي سبيله نحو الوقاية من الامراض لاسيما المزمنة منها وفي مقدمتها مرض السكري، حيث أثبتت بعض الدراسات أن نمط الحياة الصحي كفيل في إبعاد شبح الأمراض المزمنة حتى في ظل وجود العامل الوراثي. ولعل هذا ما يؤكد أن نمط الحياة الصحي هو بالدرجة الأولى عامل وقاية.
البدانة وصحة الكلى…
جاءت الدراسات الحديثة لتلقي الضوء على ما تسببه البدانة من تدهور وظائف الكلى، حيث تبين أن من يعاني السمنة المفرطة من البالغين يزيد خطر إصابته بضعف في وظائف الكلى بنحو ضعفين عن الشخص الذي لا يعاني من هذه الآفة. ولكن، كيف يمكن أن يحدث هذا التأثير؟ وما هي العلاقة بين الوزن الزائد وصحة الكلى؟ في حالات السمنة المفرطة، فإن الكليتان بحاجة الى جهد أكبر لتنقية الدم، ما يؤثر سلبا على وظيفتها على المدى البعيد ويزيد من احتمالية الإصابة ببعض الأمراض المتعلقة بالكلى. هذه الكيلوغرامات الزائدة، لاسيما تلك التي تتمركز حول منطقة البطن، لديها تأثيرات سلبية على عملية التمثيل الغذائي بحيث تؤدي الى زيادة نشاط الجهاز السمبثاوي او الجهاز العصبي الودي، الذي يفرز الهرمونات، التي يمكن أن تزيد من احتباس الصوديوم ورفع ضغط الدم ما ينعكس سلبا على صحة الكلى.
كما أن الأشخاص الذين يعانون من البدانة المفرطة والوزن الزائد هم أكثر عرضة للإصابة بحصى الكلى؛ هذه العلاقة هي خير دليل على دور الوزن الزائد في ترسب حمض اليوريك أو في الكلى وتشكل الحصى فيها، وهي حالة تصيب خمسة في المائة من الناس و30 في المائة من مرضى السكري. الدراسات الحديثة اليوم بدأت تربط بين أمراض الكلى والبدانة التي تعتبر بمثابة إنذار بالإصابة بأمراض الكلى المزمنة تماما كالسكري وارتفاع ضغط الدم. وفي شرح لهذه العلاقة الطردية، فإن السمنة تؤثر مباشرةً على السكري فتؤدي إلى ارتفاعه وتؤدي أيضاً إلى ارتفاع في الضغط؛ ومع مرور الوقت تؤثر على مصافي الكلى وتعطلها، فيضعفُ نشاط الكلى وتتوقف عن العمل ويصبح المريض بحاجة إلى غسيل للكلى مرتين أو ثلاث مرات في الأسبوع، وصولاً إلى الحاجة للخضوع لعملية زرع”.
من هنا، فإن الحفاظ على الوزن المثالي أو على الأقل تجنب البدانة المفرطة هو السبيل للوقاية من أمراض الكلى المزمنة بعد سنوات من مرافقة الوزن وعليه، فإن سنوات من مرافقة الوزن الزائد قد تقود في النهاية الى الإصابة بأمراض الكلى المزمنة التي أضيفت الى لائحة الأمراض المسؤولة عنها البدانة المفرطة. الحفاظ على الوزن المثالي وتجنب البدانة مع اتّباع نمط حياة صحي يقودنا في نهاية المطاف الى إبعاد شبح أمراض الكلى المزمنة في المستقبل.
أمراض القلب…
تدخل أمراض القلب ضمن دائرة الأمراض التي تسببها السمنة، وذلك لما تسببه من ارتفاع في معدل الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية وما ينتج عنها بالتالي من أمراض تؤثر على صحة القلب؛ تتمثل تلك المخاطر بسبب ما تفعله بالشرايين، حيث تسهم في زيادة نسب الدهون التي تختزن على جدار الشرايين ومن ثم يصاب الشخص البدين بأخطر أمراض القلب بالإضافة إلى زيادة خطر التعرض لجلطات القلب المدمرة والمفاجئة.
إلا أن مخاطر السمنة وتأثيرها على القلب لا تقتصر عند هذا الحد، بل يمتد تأثيرها الى إمكانية إصابة من يعاني منها بالموت الفجائي، حيث تؤثر في تضخم عضلة البطين الأيسر للقلب، نظرا لأن السمنة تؤدي إلى زيادة حجم الدم وزيادة عدد الشعيرات الدموية.
كما ان السمنة تعتبر من أهم الأسباب التي تسبب عدم انتظام ضغط الدم، ما يؤدي إلى تضخم عضلة القلب وحدوث قصور في الشريان التاجي وتمدد الشريان الأورطي المسؤول عن إمداد الجسم بالدم من القلب إلى باقي الأنسجة وأعضاء الجسم، كما يؤدي انشطاره إلى الموت المفاجئ نتيجة انفجار الشريان الأورطي.
وفي الإطار نفسه، تشير بعض الدراسات أن استمرار السمنة الشديدة يزيد الحمل على البطين الأيمن أيضا ما يؤدي بعد ذلك الى ضعف في عضلة القلب تمنعه من القيام بوظائفه الحيوية بطريقة طبيعية وبالتالي يسبب للشخص البدين الكثير من المشاكل الصحية والتي قد يدفع حياته ثمنًا لها. ومن أعراض تأثير السمنة على صحة القلب أيضا الشعور بضيق في التنفس من أقل مجهود مع ظهور تورم في الساقين، ومع تطور الحالة يصاب المريض بتضخم الكبد نتيجة احتقانه مع احتقان أوردة الرقبة واحتقان الدورة الدموية المخية وفقد الشهية وعسر الهضم وآلام منطقة أعلى البطن وتناقص كمية البول والميل للنوم واختلال الذاكرة والتمييز.
إن زيادة نسبة الدهون في الدم تسبب ترسبها في الشرايين، ما يؤدي إلى الإصابة بتصلب الشرايين وفقدان مرونتها وإلى حدوث قصور في الشرايين التاجية . وللأسف، فإن زيادة الوزن تحد من قدرة الإنسان على ممارسة الرياضة والنتيجة تكون إجهاد القلب. أما مرض السكري الذي قد يحدث بسبب السمنة المفرطة، فمن شأنه أيضا أن يؤثر على عضلة القلب والشرايين.