أمراض القلب لدى المرأة
أمراض القلب لدى المرأة
ما بين الرجال والنساء…. إختلافات في الأعراض والأسباب
أثبت العلم الحديث وجود إختلافات بين قلب المرأة وقلب الرجل، فقلب المرأة أصغر وأخف وزناً وكمية الدم التي يضخّها في كل نبضة أقل بحوالي 10% من قلب الرجل. كما أن الشرايين التاجية لدى المرأة أصغر ما يعني إمكانية إصابتها بالتصلب والإنسداد أسهل.
لعل ذلك ما يبرر أن مرض القلب التاجي هو السبب الأكثر إنتشارا بين النساء بعد عمر الخمسين وغياب هرمون الإستروجين الذي كان يحميها من أمراض القلب، حيث تتأخر إصابة المرأة عادة بأمراض القلب مقارنة بالرجل، إذ تُصيب النوبات القلبية النساء في سنّ الـ 70، أما الرجال فيُصابون بها في سنّ الـ 66 سنة.
الإختلافات القائمة بين قلب المرأة والرجل تجعل الأعراض مختلفة أيضا، ورغم وجود الكثير من العوامل المشتركة إلا أن هناك أعراض غير نمطية أي أنها ليست واضحة تماما ولا تدل على وجود مشاكل صحية في القلب ولكنها تؤثر على عمل القلب الطبيعي. ثم أن هناك بعض الحالات المرضية مثل بطانة الرحم المهاجرة، ومتلازمة تكيس المبايض وسكري الحمل أو المضاعفات ذات الصلة مثل تسمّم الحمل، تسهم في زيادة خطر الإصابة بمرض القلب التاجي.
المشكلة تكمن في أن تشخيص مرض القلب التاجي لدى النساء يعتبر أكثر صعوبة منه لدى الرجال لأنه عادة ما يُصيب الشرايين الصغيرة. وعلى الرغم من أن إختبار تصوير الأوعية الدموية يُظهر الإنسدادات والتضيق في شرايين القلب إلا أنه قد لا يُظهر الأوعية الدموية الأصغر بوضوح في كل الحالات. قياس تركيز الكالسيوم في الشرايين يعتبر من فحوصات الكشف المبكر لتصلب الشرايين. غياب الكالسيوم المترسب على شرايين القلب يؤكد على سلبية الاختبار، في حين أن وجود الكالسيوم يعطي هو بمثابة الإشارة لوجود إنسداد في الشرايين وأن المريضة معرضة للإصابة بأمراض القلب في المستقبل. وعليه، فإن وجود صور سليمة لشرايين قلب المرأة لا يعني أنها سليمة من أمراض شرايين القلب بالمطلق، خاصة تلك الشرايين الصغيرة التي لا تبدو عادة واضحة ما يتطلب ضرورة إجراء فحص لقياس مستوى التكلس فيها لتجنب الإصابة بامراض القلب في المستقبل.
متى يزيد الخطر؟
قد يتساءل البعض هل جميع النساء عرضة لخطر الإصابة بأمراض القلب؟ وهل من فئات أكثر أو أقل خطورة؟ وهل من فارق في عوامل الخطر بين الرجال والنساء؟ إن الخطر المحدق بالنساء يزداد بمجرد إنقطاع الدورة الشهرية وغياب هرمون الإستروجين ولكنه ليس هو السبب الوحيد، بحيث يمكن للمرأة أن تعيش بمنأى عن الأزمات والنوبات القلبية فيما لو كانت تتبع نمط حياة صحي من حيث الغذاء والنشاط البدني. هذه الخطوات كفيلة في الحد من خطر التعرض لأمراض القلب. إضافة الى ذلك، هناك بعض المخاطر الأساسية الخاصة بالمرأة والتي تجعلها أكثر عرضة من الرجل.
يزداد الخطر عند تعرض المرأة لضغط نفسي كبير لتصاب بحالة تسمى “متلازمة القلب المكسور” والتي تُترجم بفشل في عضلة القلب؛ ومع إنقطاع الدورة الشهرية ودخول المرأة في مرحلة سن اليأس فإن الخطر المحدق بها جراء تعرضها لنوبة من العصبية الزائدة أو الضغط النفسي يضاعف هذا الخطر. كما تعاني النساء المصابات بداء السكري وإرتفاع ضغط الدم من خطر الإصابة بأمراض القلب بشكل أكبر من الرجال المصابين بداء السكري. مضاعفات الحمل مثل ضغط الدم المرتفع أو داء السكري خلال فترة الحمل يجعلان المرأة في دائرة خطر الإصابة على المدى الطويل بإرتفاع ضغط الدم وداء السكري وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب لدى الأمهات. ولا يُخفى ما للتدخين من أثر كبير على صحة القلب لدى الجنسين، وبما أن الأوعية الدموية لدى المرأة أصغر حجما من تلك الموجودة لدى الرجل فإن مضاعفات التدخين على قلب المرأة تكون أكبر وإمكانية إنسدادها تتم بشكل أسرع.
أبرز الأسباب
مع إنقطاع الدورة الشهرية بعد سن الخمسين ومع زيادة خطر تعرض المرأة لنوبات قلبية، فإن عدم اتباعها نمطا غذائيا سليما يجعلها في خطر أكبر لاسيما مع قلة النشاط البدني؛ فقد تصاب بأمراض القلب والأوعية الدموية وإنسداد الشرايين.
من الأسباب أيضا تعرضها لنوبات من التوتر والإكتئاب والقلق الحاد وهو ما يؤثر على شرايين قلب المرأة أكثر من الرجال، بالإضافة إلى تعرضها للكثير من الضغوطات العصبية والقيود النفسية المزمنة في ظل تغير نمط الحياة ودخول المرأة ميدان العمل في شتى المجالات ما يجعلها أكثر عرضة للعصبية والتوتر. السمنة المفرطة والوزن الزائد يزيدان من خطر إرتفاع نسبة الكوليسترول الضار في الدم وكذلك الدهون الثلاثية وهي كلها من العوامل والأسباب الرئيسية لأمراض القلب.
فالبدانة هي السبب الذي يقف وراء الإصابة بأمراض القلب والضغط والسكري وغيرها الكثير إلى حد وصفته منظمة الصحة العالمية بالوباء. وفي ربط بينها وبين أمراض القلب لدى النساء، فإن تراكم الدهون في البطن تعتبر أكثر نشاطا من غيرها، حيث تفرز مواد تسهم في تكلس الشرايين، بينما لا تؤثر الدهون المتراكمة في الأرداف على القلب والشرايين.
إختلاف الأعراض
الإختلافات البيولوجية بين جسم المرأة والرجل والإختلافات على مستوى الأسباب وغيرها من الأمور تجعل الأعراض مختلفة بعض الشيء. المرأة عموما تعاني من الأعراض ذاتها التي يُعاني منها الرجل عند الإصابة بنوبة قلبية مثل الشعور بألم في الصدر، لكن قد تظهر على المرأة أعراض أخرى مختلفة أقل وضوحا. تشعر المرأة بالألم في الكتف والذراعين وخاصة الذراع الأيمن، بالإضافة إلى الإلتهاب الذي يصيب عضلات الكتف والذراع بسبب عدم تدفق الدم إليهما وذلك نتيجة إنسداد صمامات القلب وتصلب الشريان التاجي. ضيق في التنفس من أهم الأعراض الشائعة التي تنذر بخطر الإصابة بأمراض القلب الخطيرة مثل الذبحة الصدرية أو النوبة القلبية أو إنسداد الشرايين؛ يحدث ذلك بسبب ضعف عضلة القلب والتي تتسبب في إنسداد الشريان التاجي الذي يقوم بتوصيل الدم إلى باقي أجزاء الجسم. تشعر المرأة أيضا بألم حاد في الصدر ووخز في الثدي مثل الإبرة أو السكين في الصدر.
كما تشعر المرأة المصابة بالنوبة القلبية أو مشاكل في صمام القلب بدوار بشكل كبير مع الإحساس بالغثيان والقيء، وقد يصل الأمر إلى الإغماء وفقدان للوعي بالإضافة إلى الشعور بالإنتفاخ في البطن وامتلاء المعدة نتيجة الخلل الذي يحدث في ضخ الدم من القلب إلى المعدة والجهاز الهضمي والأمعاء.
من أعراض أمراض القلب لدى المرأة كذلك الشعور بالألم في منطقة أسفل الظهر تمتد إلى الفخذين والمؤخرة مع تورم وإنتفاخ اليدين والقدمين وذلك بسبب ترسب الأملاح الزائدة وتراكم السموم في الجسم نتيجة إرتفاع نسبة الكوليسترول الضار في الدم. كما تشعر المرأة بالألم المزمن في البطن نتيجة لتقلصات عضلات البطن وعضلات الأمعاء، نتيجة الإصابة بإعتلال القلب وتمدد عضلة القلب وإنخفاض تدفق الدم إلى القلب ونتيجة إلتهاب الشغاف الداخلي للقلب وإلتهاب صمامات القلب. هذه الأمراض القلبية المزمنة جميعها قد تؤثر سلبا على عضلات البطن وفقرات العمود الفقري في أسفل الظهر. الزيادة الكبيرة في الوزن من دون تناول الطعام بشراهة هو نذير خطر ودلالة على وجود مشاكل في صمامات القلب وضيق في الأوردة الدموية بسبب حدوث خلل وتغيرات في معدلات الكوليسترول الضار في الدم. كما تشعر المرأة بالضعف والهزل الشديد في عضلات الجسم والإحساس بالتعب والإرهاق لمجرد القيام بأي عمل شاق.
دور الوقاية
حملات التوعية في السنوات الأخيرة بدأت تؤتي ثمارها لجهة نشر الوعي بين النساء حول أهمية الوقاية من خطر التعرض لأمراض القلب؛ إنها خطوات بسيطة ولكنها كفيلة في جعل المرأة بمنأى عن الخطر ليست فقط من أمراض القلب بل الكثير من الأمراض والمشاكل الصحية الأخرى. إتباع نمط حياة صحي مع ممارسة أي نوع من أنواع التمارين الرياضية هو الخيار الأسلم للحد من مخاطر أمراض القلب. بالإضافة الى ذلك، على المرأة أن تحاول قدر الإمكان السيطرة على مشاعرها وعدم التأثر بالصدمات الكبيرة ؛ورغم صعوبة الأمر إلا أن ذلك قد يتطلب بعض الوقت لكي تعتاد على الأمر، نظرا لخطر الضغط المفاجئ وتأثيره على قلب المرأة مقارنة بالرجل.
ثم أن هناك بعض الفحوصات للكشف المبكر، وتكون البداية بفحوصات دم مخبرية وفحص سريري. فإذا تبيّن أن المرأة تعاني من إرتفاع في نسبة الكوليسترول أو ضغط الدم أو السكري، فعليها أن تخضع لفحوصات أكثر مثل قياس معدّل الكالسيوم في الشريان التاجي وهو الفحص الذي يشير إلى نسبة التكلّس في الشرايين حيث يتم عمل أشعة تركيز الكالسيوم في الشرايين لفحص ترسبات الكالسيوم الموجودة على شرايين القلب والتي تكون طبقة تسبب ضيق شرايين القلب.