حماية صحة المرأة… الدور المحوري للتطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)
حماية صحة المرأة… الدور المحوري للتطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري (HPV)
الدكتور أحمد الله، IVF إستشاري ورئيس قسم طب النساء والتوليد – واستشاري الصحة الإنجابية في المستشفى الأهلي / قطر
يشكّل التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) ثورة في مجال الطب الوقائي وصحة المرأة. ورغم فعاليته المثبتة عالميًا في الحد من معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم، إلا أن استخدامه لا يزال أقل من المستوى المطلوب. في قطر، يتصدر الدكتور أحمد خلف الله، استشاري أمراض النساء في المستشفى الأهلي، جهود التوعية بهذا اللقاح، حاملاً رسالة واضحة مفادها إنّ التطعيم قادر على حماية الأجيال القادمة من أحد أخطر أنواع السرطان وأكثرها شيوعًا بين النساء.
فيروس HPV عدوى شائعة بمضاعفات خطيرة
يُعد فيروس الورم الحليمي البشري أكثر الأمراض المنقولة جنسيًا انتشارًا على مستوى العالم. وتُظهر الدراسات أن معظم الأفراد النشطين جنسيًا سيتعرّضون للفيروس في مرحلة ما من حياتهم. ورغم أن بعض أنواعه تزول تلقائيًا، فإن الأنماط عالية الخطورة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بسرطان عنق الرحم، بالإضافة إلى سرطانات أخرى تشمل المنطقة التناسلية والبلعوم. ويُحذر الدكتور خلف الله من خطورة هذا الفيروس، قائلاً: “إنه الفيروس صامت، لا يُظهر أعراضًا في الغالب إلا بعد أن يكون المرض قد تطور. وهنا تتجلى أهمية التطعيم كوسيلة استباقية للوقاية.”
التطعيم: أداة فعالة وآمنة للوقاية
أثبتت الدراسات العلمية أن لقاح HPV آمن وفعّال، وقادر على إنقاذ الأرواح. ويؤكد الدكتور خلف الله: “الأمر لا يقتصر على الحماية من فيروس، بل يمتد ليشمل حماية مستقبل المرأة وخصوبتها وطمأنينتها.” توصي المنظمات الصحية العالمية بإعطاء اللقاح في سن مبكرة، ما بين 9 و14 عامًا، لضمان أعلى درجات الفعالية. كما يمكن إعطاؤه لاحقًا ضمن برامج التطعيم التعويضي حتى سن 26 عامًا، وفي بعض الحالات حتى سن متقدم، وفق تقييم الطبيب المعالج.
تحديات تقبّل اللقاح
رغم وضوح فوائده، ما زالت بعض المفاهيم المغلوطة والوصمات الاجتماعية تعيق الانتشار الواسع للقاح إذ يربطه البعض بشكل خاطئ بالسلوكيات الشخصية.
ويؤكد الدكتور خلف الله بلهجة حاسمة: “هذا اللقاح ليس مرتبطًا بنمط حياة معيّن، بل هو لقاح وقائي ضد السرطان، شأنه شأن لقاح شلل الأطفال أو التهاب الكبد. علينا أن نُبقي النقاش في إطاره الصحي والطبي فقط.”
كما يشير إلى أن الرجال ليسوا بمعزل عن الإصابة، إذ يمكنهم نقل الفيروس والإصابة بأورام مرتبطة به، ما يعزز أهمية التطعيم الشامل لكلا الجنسين.
قطر نموذج إقليمي واعد
خطت قطر خطوات مهمة بدمج لقاح HPV ضمن برامج الرعاية الوقائية، إلا أن الحاجة ما زالت قائمة لتعزيز حملات التوعية، ودور الأطباء، وتثقيف أولياء الأمور. ويقول الدكتور خلف الله: “مسؤوليتنا كأطباء لا تقتصر على العلاج فقط، بل تشمل الوقاية والتثقيف المستمر.” ويشير إلى أن نقص الوعي لا يزال ملموسًا حتى بين الشرائح المتعلمة، ما يستدعي المزيد من الحملات التوعوية المجتمعية، والمبادرات المدرسية، وبرامج الفحص المبكر.
الفحص المبكر ضرورة موازية
لا يلغي التطعيم أهمية الفحص المبكر، إذ تبقى مسحة عنق الرحم واختبارات HPV أدوات أساسية، خصوصًا للنساء بعد سن الثلاثين. ويؤكد الدكتور خلف الله: “التطعيم والفحص يشكلان معًا درعًا وقائيًا متكاملًا، ولا يمكن الاستغناء عن أحدهما.”
التثقيف وتمكين المرأة
يرى الدكتور خلف الله أن التمكين يبدأ بالمعرفة، داعيًا النساء إلى طرح الأسئلة والبحث عن المعلومات الموثوقة. ويضيف: “المرأة الواعية أكثر قدرة على اتخاذ قرارات صحية صحيحة تحمي مستقبلها.”
وفي المستشفى الأهلي، يتم التركيز على التثقيف الموجه للمرأة عبر الاستشارات الطبية، والبرامج المجتمعية، والمواد التوعوية، بما يساهم في نشر الوعي وكسر الحواجز المرتبطة بمناقشة صحة المرأة.
التزام المستشفى الأهلي بالوقاية
يلتزم المستشفى الأهلي بتعزيز برامج الصحة الوقائية، حيث يُوفر لقاح HPV ضمن الرعاية الروتينية، ويعمل على تدريب الكوادر الطبية لنقل المعلومات الدقيقة إلى المراجعين. كما أن كونه مركزًا معتمدًا للتعليم الطبي المستمر (CPD) يضمن مواكبة أحدث الإرشادات الدولية الخاصة بالتطعيم والفحص المبكر.
نحو جيل خالٍ من سرطان عنق الرحم
تتبنى منظمة الصحة العالمية استراتيجية للقضاء على سرطان عنق الرحم، تستهدف تطعيم 90% من الفتيات قبل سن 15 عامًا. ويرى الدكتور خلف الله أن قطر تمتلك الإمكانات والبنية التحتية لتكون رائدة إقليميًا في تحقيق هذا الهدف.
ويختتم بقوله: “لدينا المعرفة والموارد، وما نحتاجه هو الاستمرار في التعاون بين الأطباء، والأسر، والمعلمين، وصناع القرار.”
في الختام، تتجسد رسالة الدكتور أحمد خلف الله في ثلاثية متكاملة: العلم، الرحمة، والأمل. فالتطعيم ضد فيروس HPV ليس مجرد خطوة وقائية، بل هو استثمار في مستقبل المرأة وصحتها وجودة حياتها. إن حماية فتاة صغيرة اليوم تعني جيلًا أكثر أمانًا وصحة غدًا.