مقالات طبية

السكري الحملي: هل نحن على المسار الصحيح؟

السكري الحملي: هل نحن على المسار الصحيح؟

د. أسماء عبد السلام، استشارية أمراض النساء والتوليد في المستشفى الأهلي / قطر

الداء السكري الحملي هو حالة تتميز بارتفاع مستويات السكر في الدم عن المستويات الطبيعية ولأول مرة أثناء الحمل وعلى الرغم من التقدم العلمي وانتشار برامج الفحص والعلاج على نطاق واسع على المستوى العالمي؛ إلا أن معدل الإصابة لا يزال في تزايد مستمر وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.

تتناول هذه المراجعة أسباب هذا الإرتفاع وتستعرض الأساليب الحالية للتشخيص والعلاج كما تؤكد على أهمية تعديل نمط الحياة وزيادة الوعي الصحي والرعاية المتكاملة للوقاية من داء السكري الحملي ومضاعفاته على المدى القصير والطويل.

المقدمة

يُعرف الداء السكري الحملي بأنه عدم تحمل الجلوكوز الذي يتم اكتشافه وتشخيصه لأول مرة أثناء الحمل ولم يكن موجودًا قبل ذلك وغالبا ما ينتج عن التغيرات الهرمونية أثناء الحمل التي تؤدي إلى مقاومة الانسولين. ويختلف هذا المرض عن داء السكري من النوعين الأول والثاني حيث تكون فيه مستويات الجلوكوز مرتفعة قبل الحمل. لقد ارتفعت معدلات الإصابة بداء السكري الحملي بشكل كبير على مستوى العالم خلال العقود الأخيرة، ما يجعل فهم أسبابه ووضع استراتيجيات فعالة للوقاية منه أمراً ضرورياً لحماية صحة الأم والجنين.

لماذا يزداد انتشار الداء السكري الحملي؟

هناك عوامل عدة تساهم في الارتفاع العالمي لمعدلات الإصابة بداء السكري الحملي ومنها:

  • التحول في الأنماط الغذائية والسمنة مثل زيادة استهلاك الأطعمة المصنعة الغنية بالكربوهيدرات المكررة والدهون بالإضافة إلى أنماط الحياة الخاملة أدّت إلى ارتفاع معدلات السمنة ومقاومة الإنسولين بين النساء في سن الإنجاب.
  • تأخرسنالزواجوالإنجابحيثيتزايدعددالنساءاللواتييخترنالحملبعدسنالخامسةوالثلاثينوهيفئةعمريةأكثرعرضة
  • للإصابة بمقاومة الإنسولين واضطرابات التمثيل الغذائي.
  • تحسّن وانتشار برامج الكشف والفحص: أدى تحسين برامج الصحية لرعاية الحوامل وتوافر أدوات التشخيص الدقيقة وكونها في متناول اليد إلى زيادة معدلات اكتشاف الحالات التي لم تكن تشخص سابقاً.

ولكن، وعلى الرغم من هذه الخدمات وتحسّنها، يبدو أن استراتيجيات الوقاية مازالت غير فعّالة بالشكل الكافي للحد من انتشار هذا الوباء.

من المعروف أن نمط الحياة الصحي من نشاط رياضي ولياقة بدنية وأسلوب تغذية سليم هو الخط الأول والأكثر فعالية في مقاومة السكري الحملي ومنع حصوله وكذلك علاجه، الى جانب التخلص من البدانة. ومع ذلك لم يتم تحقيق الكثير في هذا المضمار. لعل من أهم أسباب تعثر الجهود الرامية لتعزيز الصحة والتغذية السليمة  هو الصناعات الغذائية ذاتها. فقد تأسست الصناعات الغذائية بإشراف الأمم المتحدة ومنظمة الغذاء والزراعة في القرن العشرين لتعزيز الأمن الغذائي ومجابهة المجاعات على مستوى العالم. في الوقت الراهن، فإن الصناعات الغذائية هي من أكثر الصناعات ربحيةً على مستوى العالم وبقدر ماهي مفيدة إلا أنها عزّزت أنماط الغذاء الرخيص غير الصحي المحفوظ والمعلب في عبوات بلاستيكية مع الكثير من المواد الحافظة  والمحتوية على الكثير من المنكهات الشهية، ما يزيد من الإقبال عليها وتناولها بكثرة بدون الوعي لمضارها الصحية. وما يزيد من الأمر سوءًا هو التسويق لمثل هذه الأغذية عن طريق شخصيات محبوبة للجمهور من دون التنويه لمضارها؛ وفي الوقت نفسه يتلقى الجمهور هذه الرسائل وخاصة الشباب والأطفال على أنها مصدر للسعادة والرضا والتعويض عن الضغط النفسي. كما تأتي سهولة توزيع الأغذية عن طريق شبكات متعددة لتوصيل الطعام للمنازل في أي وقت من اليوم، بينما يجلس المستهلك في منزله غارق بتتبّع مواقع التواصل الاجتماعي  كعائق آخر لجهود تعزيز الصحة واللياقة البدنية

التشخيص

يعد فحص الجلوكوز في الدم على الريق في الثلث الأول من الحمل أمرًا ضروريًا وخاصة للنساء عاليات الخطر للداء السكري الحملي مثل وجود تاريخ عائلي للسكري أو سوابق سكري حمل في الحمول السابقة و/ أو إنجاب جنين عرطل ( كبير الحجم) في ولادة سابقة. ينبغي أن يكون سكر الدم على الريق أقل من 92 ملغم / ديسيليتر. عندها يُجرى اختبار حمل السكر الفموي باستخدام محلول يحتوي على 75 جرام من جلوكوز  في الفترة بين 24 – 28 أسبوع من الحمل، وتكون النتائئج الطبيعية كما يلي:

  • الصائم: أقل من 92 ملغم /ديسيليتر.
  • بعد ساعة:  أقل من 180 ملغم /ديسيليتر.
  • بعد ساعتين: أقل من 153 ملغم /ديسيليتر.

أما السكر التراكمي HBA1C فله قيمة محدودة في التشخيص، ولكنه مفيد لمتابعة السيطرة على مستويات السكر على المدى الطويل.

مخاطر داء السكري الحملي    

يشكل داء السكري الحملي خطرًا كبيرًا على الأم والجنين إذا لم يتم التحكم فيه بشكل مناسب؛ فارتفاع الجلوكوز في دم الأم قد يؤدي إلى زيادة حجم الجنين، ما يزيد احتمالية الولادة العسيرة واللجوء إلى العمليات القيصرية وحدوث تأذي الجنين  مع انعضال الكتفين أثناء الولادة. بالنسبة للرضيع، فقد يحتاج لدخول العناية المشدّدة بسبب انخفاض شديد في سكر الدم ومتلازمة ضيق التنفس بالإضافة لزيادة خطر الإصابة بالسمنة والاصابة بداء السكري من النوع الثاني مستقبلًا. كما تزداد لدى الأم احتمالية الإصابة بالإنسمام الحملي والسكري المزمن ومضاعفات الولادة مثل تمزّقات شديدة في الجهاز التناسلي ونزوف الخلاص.

العلاج والوقاية

يعتمد علاج السكري الحملي على نهج متعدد التخصصات، يشمل طاقم من أطباء النساء والتوليد وأخصائيي الغدد الصماء والسكري وخبراء التغذية، بالإضافة إلى تقديم الدعم والتثقيف الصحي للسيدة الحامل عن مرضها وهو ما يُعتبر من أساسيات المعالجة.

تعديل نمط الحياة

يعد تعديل نمط الحياة الركيزة الأساسية في الوقاية والعلاج وذلك من خلال اتباع نظام غذائي صحي متوازن من خلال استبدال السكريات والكربوهيدرات البسيطة بالكربوهيدرات المعقّدة والحبوب الكاملة والخضراوات. كما يُنصح بتناول البروتينات الخفيفة والدهون الصحية بكميات معتدلة مع متابعة الوزن تحت إشراف أخصائي تغذية ويجب ممارسة النشاط البدني المعتدل بما لا يقل عن 150 دقيقة أسبوعيًا مثل المشي والسباحة.

المراقبة الذاتية لمستويات السكر في الدم: يمكن مراقبة مستويات الجلوكوز في الدم في المنزل، والمحافظة على المستويات التالية قدر الإمكان للتحقق من ضبط السكر.

  • الصائم: أقل من 95 ملغم /ديسيليتر.
  • بعد الأكل بساعة:  أقل من 140 ملغم /ديسيليتر.
  • بعد الأكل بساعتين: أقل من 120 ملغم /ديسيليتر.

العلاج الدوائي

في حال فشلت الطرق المحافِظة في ضبط مستويات السكر، نلجأ للأدوية  مثل الميتفورمين وهو أكثرها أمانًا واستخدامًا حتى وإن كان يعبر الحاجز المشيمي وإذا لم يتحقق التحكم المطلوب نلجأ لحقن الانسولين بجرعات مخصصة لكل حالة على حدة.

متابعة نمو الجنين

ينبغي متابعة نمو الجنين ومراقبته بالموجات فوق الصوتية بدءًا من الأسبوع 28-32 من الحمل للكشف عن زيادة غير طبيعية في حجم الجنين فوق المعدلات الطبيعية بالنسبة لعمره ومتابعة علامات الإستسقاء (زيادة) السائل الأمنيوسي.

توقيت وطريقة الولادة

يسمح بالولادة الطبيعية حتى الأسبوع 40 + 6 أيام  إذا كانت مستويات السكر تحت السيطرة ولم يكن هناك مضاعفات؛ أما اذا كانت مستويات السكر غير مسيطر عليها  مع مُنحنى نمو غير طبيعي للجنين، فيوصى بتحريض المخاض عند الأسبوع 37. لا يتم إجراء الولادة القيصرية إلا لأسباب توليدية أو إذا كان تقدير وزن الجنين بموجات فوق الصوت 4500 جرامًا أو أكثر، ويوصى كذلك بإيقاف الميتفورمين والانسولين صباح يوم الولادة مع المراقبة الحثيثة لمستويات السكر في الدم أثناء المخاض.

الرعاية بعد الولادة

ينبغي مراقبة مستوى سكر الدم لدى الوليد بعد الولادة مباشرة لتجنّب انخفاضه وغيرها من شوارد الدم. بالنسبة للأم، يُنصح بإجراء اختبار تحمل السكر بعد 4-12 أسبوع من الولادة وبعد ذلك فحص السكر سنويًا وإجراء HBA1C حيث يزداد خطر تكرار السكري الحملي في الحمول القادمة  بنسبة 35 -50% ويزداد كذلك احتمال الإصابة  بالسكري من النوع الثاني على المدى البعيد. الرضاعة الطبيعية أكثر من ضرورية لما لها من فوائد في تحسين التمثيل الغذائي و ضبط السكر للأم والطفل. يبقى الاحترام والمحافظة على خصوصية المريضة ومشاركتها اتخاذ القرار والتأكيد على استمرارية المتابعة كقواعد راسخة  للعمل المهني الناجح.

الخلاصة

يبقى داء السكري الحملي تحديًا صحيًا عالميًا رغم التقدم الطبي في مجالات التشخيص والعلاج. إن الكشف المبكر والإدارة السليمة يسهمان في التقليل من المضاعفات والتبعات على الاقتصاد الصحي. وتبقى الوقاية هي الأساس للحد من انتشاره وتلافي الاختلاطات ويتحقق ذلك من خلال تعزيز التغذية الصحية وتشجيع النشاط البدني  وزيادة الوعي المجتمعي ونشر التثقيف الصحي وتوفير بيئة داعمة لنمط حياة صحية قبل الحمل وأثنائه بمعنى إحداث تغييرًا سلوكيًا وثقافيًا واجتماعيًا حقيقيًا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى