الدكتور عبد الرحمن صبرا
الدكتور عبد الرحمن صبرا
المدير العام لشركة روش في السعودية

”الشراكة مع المريض هي ركيزة تحوّل القطاع الصحي في رؤية السعودية 2030“
في إطار تسليط الضوء على أبرز المبادرات التي تدعم رؤية المملكة 2030 في قطاع الرعاية الصحية، التقت مجلة “المستشفى العربي” الدكتور عبد الرحمن صبرا، المدير العام لشركة روش في السعودية ليتحدث حول كيفية دمج الفلسفة العالمية لـ “روش” المتمثلة في “الشراكة مع المريض” ضمن البيئة الصحية السعودية، وتحويلها إلى ركيزة أساسية لبرنامج تحول القطاع الصحي الوطني.
الدكتور صبرا ناقش المحاور الأساسية لهذا التحول، بما في ذلك الانتقال إلى الرعاية الاستباقية، ودور مجتمعات المرضى في توجيه القرارات الصحية، وأهمية تبني البيانات والأدلة الواقعية (RWE) والذكاء الاصطناعي (AI) لبناء نظام صحي عالمي المستوى، مستعرضاً أبرز الشراكات الناجحة التي تقودها “روش” لتحقيق التمكين الحقيقي للمريض.
في ما يلي نص الحوار.
روش ملتزمة عالميًا بمبدأ “الشراكة مع المريض”. كيف تم تكييف هذه الفلسفة وتطبيقها بما يتماشى مع البيئة الصحية الفريدة في المملكة العربية السعودية؟
يرتكز نهجنا العالمي على المبدأ الجوهري الذي ينص على أن “كل ما نقدمه للمرضى، يتم بالشراكة معهم”. هذا المبدأ هو أحد الركائز الأساسية لممارساتنا المؤسسية، حيث نلتزم بدمج وجهات النظر والرؤى من كافة أطراف منظومة الرعاية الصحية، بما في ذلك مقدمو الرعاية الصحية والمرضى، الرعاية الصحية في جميع مراحل مسيرة المريض العلاجية.
في المملكة العربية السعودية، يتجلى هذا المبدأ في تكامل وثيق مع أهداف برنامج تحول القطاع الصحي ضمن رؤية المملكة 2030. يركّز البرنامج على بناء نظام صحي متمحور حول المريض ومدعوم بالتحول الرقمي، وهو التوجه الذي ندعمه بشكل كامل. هذا التناغم يمكّننا من أن نكون شريكًا فاعلاً في هذا التحول الطموح، حيث نتجاوز دورنا كمقدّم الحلول العلاجية لنرتقي إلى مساهمين حقيقيين في تشكيل منظومة رعاية صحية متكاملة.
ولتحقيق هذا التعاون على أرض الواقع، نركّز على قيادة التحول الثقافي المطلوب، بالانتقال من الرعاية التفاعلية إلى الرعاية الاستباقية. إننا نقود هذا التغيير على مستوى المنظومة من خلال المشاركة المؤثرة في صياغة الحوار الوطني الصحي. فعلى سبيل المثال، قمنا، بالشراكة مع “مؤتمر تجربة المريض” وبتنظيم سلسلة من الجلسات الحوارية الاستراتيجية في الرياض وجدة، بجمع قادة القطاع الصحي لمناقشة الحلول التعاونية التي تستبق احتياجات المرضى وتطلعاتهم.
بالتوازي مع ذلك، نعمل على صعيد القاعدة والقمة، من خلال بناء شراكات مباشرة مع مجتمعات المرضى المحلية، بهدف تطوير مبادرات ترسّخ وضع المريض في صميم الاهتمام والرعاية.
إضافة إلى ذلك، نعمل على إثراء تجربة العلاج من خلال تصميم برامج دعم المرضى (PSPs) المصممة خصيصًا لمواجهة التحديات المحلية، بما في ذلك تجزئة الرعاية الصحية. ومن خلال الاستفادة من مستوى الوعي الرقمي العالي في المملكة ودعم التحول الصحي الرقمي الذي تمثّله منصات وطنية مثل “صحتي”، نقوم بتطوير أدوات رقمية تهدف إلى تمكين المرضى من إدارة علاجهم وصحتهم بأنفسهم، مما يسهم في النهاية في تحسين النتائج الصحية.
يشكّل ضمان اتخاذ القرارات الصحية استنادًا إلى البيانات المحلية جزءًا أساسيًا من استراتيجيتنا. ومن خلال التعاون في دراسات “الأدلة الواقعية” (RWE)، نساهم في توليد رؤى عميقة حول فعالية العلاجات وجودة الحياة لدى المرضى في المملكة، مما يدعم جهود بناء نظام صحي قادر على التعلّم من كل مريض.
تتضافر كل هذه الجهود في إطار رؤيتنا الطويلة الأمد بأن نصبح شريكًا أساسيًا في منظوم الرعاية الصحية ومع مؤسساتها المختلفة، بهدف بناء نظام يشعر فيه كل مريض في المملكة بأنه مرئي، مسموع، وممكَّن. إن التزامنا يتخطى مجرد توفير الوصول إلى الأدوية المبتكرة؛ بل يشمل ضمان أن يمتلك المرضى المعرفة، والأدوات، والدعم المجتمعي الذي يمكّنهم من عيش حياة أكثر اكتمالاً وعافية، تماشيًا مع استراتيجية المملكة الطموحة وبرنامج تحول القطاع الصحي.
تؤكد رؤية السعودية 2030 على بناء نظام رعاية صحية مستدام ومتمحور حول المريض. من وجهة نظركم، كيف يسهم مبدأ الشراكة مع مجتمعات المرضى بشكل مباشر في تحقيق هذه الأهداف الوطنية؟
تتميز رؤية المملكة 2030 بالطموح الذي يركّز بعمق على الإنسان. فالهدف هو بناء نظام رعاية صحية عالمي المستوى ومستدام، يتمركز حول المريض. ولتحقيق ذلك، لا ينبغي أن يكون المرضى مجرد متلقين سلبيين للرعاية، بل يجب أن يكونوا شركاء فاعلين في تشكيل هذا النظام.
من هنا تتجلى أهمية دور مجتمعات المرضى؛ إذ تقدّم منظورًا شاملًا يُغفله الكثيرون، وهو: التجربة الكاملة التي يعيشها الفرد مع حالته الصحية. تساعدنا هذه المجتمعات على فهم الخيارات الصعبة التي يتخذها الناس في حياتهم اليومية، وأهدافهم الشخصية، وتفاعلاتهم الواقعية مع النظام الصحي. وتعد هذه الرؤى أساسية لتصميم رعاية فعّالة وملائمة.
كما تساهم مجتمعات المرضى في حماية الحقوق الفردية، وتقديم التوجيه الحيوي لجميع أصحاب المصلحة: الحكومة، الجهات الممولة، مقدمو الرعاية، والصناعة، حول أفضل السبل لتقديم الدعم. يمكنهم تسليط الضوء على الثغرات التشخيصية، ولفت الانتباه إلى الأثر النفسي للمرض، أو المساعدة في تصميم برامج دعم تعزز الالتزام بالعلاج، موجهين النظام نحو قرارات أكثر ذكاءً وإنسانية.
يساهم هذا النهج التعاوني مباشرةً في تسريع تحقيق أهداف رؤية 2030. فعندما تتضافر جهود جميع أطراف المنظومة مع مجتمعات المرضى، يصبح النظام أكثر فعالية، وتغدو برامج التوعية أكثر ملاءمة، والأدوات الرقمية أكثر فائدة، والبحث العلمي أكثر شمولية. وخير مثال على ذلك هو مذكرة التفاهم التي وقعناها في نوفمبر 2024 مع منظمة “وسم” لمرضى التصلب المتعدد، حيث عملنا معًا لتعزيز التوعية والتعليم والدعم لهم. يؤكد هذا التعاون أننا نعمل جنبًا إلى جنب مع مجموعات المرضى، لضمان أن يكون صوتهم هو الموجه لأعمالنا.
وفي روش، تبنّينا هذه الفلسفة بشكل منهجي عبر جميع مراحل عملنا؛ بدءًا من تحديد أولويات البحث وتصميم التجارب السريرية، وصولًا إلى المناقشات التنظيمية واستراتيجيات الوصول. ويأتي أثر ذلك مزدوجًا: فهو يجعل الرعاية الصحية أكثر كفاءة عبر تركيز الموارد على ما يهم المرضى بشكل أكبر، ويعزز الثقة اللازمة لتحقيق التحول المستدام. إن هذه الشراكة تربط في النهاية بين الطموح والواقع، مما يضمن أن تتحول استثمارات المملكة في الرعاية الصحية إلى تحسينات ملموسة في حياة الناس وإرساء نظام صحي قوي للمستقبل.
ما أبرز التحديات والفرص التي واجهتموها عند تغيير عقلية أصحاب المصلحة في الرعاية الصحية، من الهيئات التنظيمية إلى الأطباء، لرؤية المرضى كشركاء فاعلين بدلًا من متلقين سلبيين للرعاية؟
إنّ تغيير العقليات يُعدّ التحدي الأبرز في مسار التحول نحو شراكة حقيقية مع المرضى. فنظرًا لأن أنظمة الرعاية الصحية بُنيت تاريخيًا على نموذج هرمي من الأعلى إلى الأسفل، بات تغيير ذلك يتطلب من جميع أصحاب المصلحة إعادة التفكير بشكل جذري في أدوارهم.
لقد خلقت رؤية 2030 زخمًا لا يمكن إنكاره لإحداث التغيير، فجعلت تمكين المرضى أولوية وطنية. هذا الدعم على أعلى مستوى يوفر الإطار اللازم للتحول. كما أننا نرى صعود جيل جديد من قادة الرعاية الصحية والأطباء الذين أصبحوا أكثر تقبّلًا لنماذج الرعاية التعاونية، إدراكًا منهم بأنها تحسّن النتائج. والأهم من ذلك، أن تنامي الرعاية الصحية الرقمية يوفر الأدوات اللازمة لالتقاط وجهة نظر المرضى بشكل منهجي وشفاف لم يسبق له مثيل.
نعتبر دورنا في “روش” مُيسّرًا لهذا التغيير. على سبيل المثال، خلال “مؤتمر تجربة المريض” في كل من الرياض وجدة، سلّطنا الضوء على هذه القضايا بشكل مباشر. وقد استمعنا من القادة إلى الحاجة الملحة لبناء الثقة وأهمية التعليم المتبادل لكل من المرضى ومقدمي الرعاية. لذا، سنقوم بتجميع هذه الرؤى وإعداد “ورقة بيضاء” لتكون أداة عملية تساعد في توحيد فهم أصحاب المصلحة لما تعنيه شراكة المرضى على أرض الواقع. من خلال خلق هذه المنصات للحوار، نسهم في نقل التغيير العقلي من مرحلة النظرية إلى الواقع، بما يضمن أن تُبنى أهداف رؤية 2030 على أساس من الشراكة الحقيقية.
غالبًا ما تتحدثون عن “بناء مسارات الرعاية بالتعاون مع السلطات الصحية”. هل يمكنكم مشاركة مثال ملموس لشراكة ناجحة حيث عملت روش جنبًا إلى جنب مع السلطات الصحية لتصميم مسار رعاية جديد؟ وما النتائج التي تحققت نتيجة ذلك؟
في رؤيتنا، يُعدّ التعاون مع السلطات الصحية في إنشاء مسارات الرعاية أمرًا أساسيًا لجعل الابتكار ذا مغزى. إن مسار الرعاية يشمل الرحلة الكاملة للمريض، بدءًا من التوعية والكشف المبكر، مرورًا بالتشخيص والعلاج، وحتى الدعم طويل الأمد. وفي المملكة العربية السعودية، لا يمكن تعزيز هذه الرحلة إلا من خلال تعاون عميق مع شركائنا في القطاع الصحي، وهو ما يتوافق تمامًا مع روح رؤية 2030 التي تدعو لعمل القطاعين العام والخاص جنبًا إلى جنب.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، عملنا مع الشؤون الصحية بوزارة الحرس الوطني ، لبناء الأسس للرعاية الصحية القائمة على القيمة. تتجاوز هذه الشراكة الاستراتيجية حدود توفير الدواء، وتركز على إنشاء بنية تحتية رقمية مستدامة لتتبع النتائج واستخدام هذه البيانات لتحسين الرعاية بشكل مستمر. كما أن تعاوننا مع مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث يمثل رؤية مشتركة لتعزيز المنظومة بأكملها من خلال تطوير التجارب السريرية، وتنفيذ الرعاية الصحية القائمة على القيمة، وتوسيع نطاق التشخيصات المتقدمة.
تؤثر هذه الشراكات مباشرة على الوصول إلى الرعاية وجودتها. فمثلاً، كان اتفاقنا مع وزارة الصحة بشأن “الدخول للعلاج” لمرض ضمور العضلات الشوكي (SMA) خطوة هامة لضمان حصول المرضى على علاج يغير حياتهم. النتائج المترتبة على هذه الشراكات ملموسة: يحصل المرضى على وصول مبكر للعلاجات، وتصبح مسارات الرعاية أكثر تكاملاً، ونبني أدلة محلية قوية لتوجيه اتخاذ القرار على المستوى الوطني. والأهم من ذلك، أن هذه الشراكات تبني الثقة اللازمة لتطوير نظام صحي جاهز لتحقيق طموحات رؤية 2030.
عند النظر إلى عام 2030 وما بعده، كيف تتصورون النظام الصحي المثالي المتمحور حول المريض في المملكة العربية السعودية؟ وما الدور الذي تتوقعون أن تلعبه روش في تحقيق هذه الرؤية؟
عندما أفكر في مستقبل النظام الصحي في المملكة العربية السعودية خلال عام 2030 وما بعده، لا أتصور شيئًا جديدًا تمامًا، لأن الأساس يتم بناؤه بالفعل اليوم. المملكة تحقق تقدمًا هائلًا ضمن رؤية 2030، من خلال الاستثمار في الصحة الرقمية، وإعادة التفكير في مفهوم القيمة، وبناء نماذج رعاية تضع المريض في مركز الاهتمام. التحدي اليوم هو ربط كل هذه الجهود ضمن منظومة متكاملة يشعر معها كل مريض بالسهولة والخصوصية في كل خطوة من رحلته العلاجية.
يتميز النظام الصحي المستقبلي بثلاث سمات أساسية:
أولًا، قوة البيانات والذكاء الاصطناعي والأدلة الواقعية. سيكون النظام المثالي قائمًا على القرارات المستندة إلى رؤى نابعة ليس فقط من التجارب السريرية، بل من تجارب المرضى اليومية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في الكشف المبكر عن الأمراض، والتنبؤ بمن هم الأكثر عرضة للخطر، وتوجيه الأطباء نحو التدخلات الصحيحة بشكل أسرع. أما الأدلة الواقعية (RWE)، فتضمن أن تُصمم العلاجات بما يتناسب مع واقع المرضى السعوديين وكيفية استجابتهم في الحياة اليومية وليس فقط في البيئات التجريبية. بالجمع بين الذكاء الاصطناعي والأدلة الواقعية، يتم إنشاء حلقة تغذية راجعة تمكّن النظام من التعلم المستمر والتحسّن الذاتي.
ثانيًا، دور المرضى كشركاء فاعلين. النظام المستدام والمتمحور حول المريض هو الذي لا يُنظر فيه إلى المرضى كمجرد متلقين للرعاية، بل كأطراف مشاركة، واعية، وممكّنة في تشكيل الرعاية التي يحصلون عليها. يمكن لمجتمعات المرضى أن تسلط الضوء على العوائق، وتوجّه حملات التوعية، وتحدد أولويات البحث. كما يمكنها ضمان أن تُبنى مسارات الرعاية حول ما يهم في الحياة اليومية، مثل تحسين جودة الحياة، والاستقلالية، والكرامة، وليس فقط لإطالة البقاء على قيد الحياة. بهذه الطريقة، يساعد المرضى النظام على أن يبقى إنسانيًا وملائمًا.
ثالثاً: الأهمية المحورية للشراكة. فالابتكار لا يحقق قيمته الحقيقية إلا عندما يُترجم من خلال شراكات قوية. في روش، نرى دورنا لا يقتصر على تقديم العلاجات والتشخيصات والأدوات الرقمية الجديدة، بل في ضمان دمجها داخل منظومة الرعاية الصحية في المملكة بطريقة تخدم المرضى فعليًا. وهذا يعني العمل جنبًا إلى جنب مع السلطات الصحية لتطوير نماذج قائمة على النتائج، والتعاون مع المستشفيات ومراكز الأبحاث لتعزيز البحث السريري وتوليد الأدلة الواقعية، والشراكة مع مجتمعات المرضى لضمان أن أصواتهم توجه كل خطوة في الرحلة العلاجية.
بحلول عام 2030، أؤمن أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تكون رائدة إقليميًا وعالميًا في مجال الابتكار المتمحور حول المريض. وشركة روش ملتزمة بالسير في هذه الرحلة كشريك صحي طويل الأمد، لضمان أن تترجم كل استثمارات المملكة في الابتكار إلى ما يهم حقًا: نتائج أفضل وتجارب أكثر إنسانية لمجتمعات المرضى.
كيف تقيس روش نجاح مبادراتها الخاصة بشراكة المرضى؟ ما هي مؤشرات الأداء الرئيسية أو المقاييس التي تعتمدونها لتتبع التقدم في هذا المجال؟
قياس نجاح شراكات المرضى يتطلب نهجًا متطورًا يتجاوز المقاييس التقليدية. لذلك، يتم قياس النجاح من خلال إطار عمل شامل يمزج بين الملاحظات النوعية والمقاييس الكمية عبر ثلاثة مجالات رئيسية:
أولًا، قياس مدى دمج صوت المريض في عملياتنا الداخلية. يُعدّ هذا مؤشرًا جوهريًا في الأداء. نقيس عدد التجارب السريرية التي صُممت بمشاركة المرضى، ومدى إدراج مؤشرات النتائج التي يبلّغ عنها المرضى (PROMs) بشكل منهجي في دراستنا، وكيف تُترجم الملاحظات الواردة من جلساتنا الحوارية ومجالسنا الاستشارية إلى خطط استراتيجية فعلية. النجاح هنا يعني أن صوت المريض أصبح جزءًا أساسيًا لا يمكن الاستغناء عنه من نموذج عملنا، وليس مجرد إضافة لاحقة.
ثانيًا، تقييم قوة وجودة الشراكات. يتعلق هذا بجودة العلاقة نفسها. نقوم بجمع تغذية راجعة منتظمة ومباشرة من شركائنا، مثل منظمات المرضى، لضمان أن التعاون مبني على الثقة والاحترام المتبادل. كما نقيس النجاح من خلال المخرجات الملموسة لهذه الشراكات، مثل مدى تبنّي أصحاب المصلحة في القطاع الصحي للورقة البيضاء الصادرة عن “مؤتمر تجربة المريض” واستخدامها لتوجيه السياسات والممارسات.
وأخيرًا، قياس النتائج على مستوى المريض والنظام الصحي، وهنا يظهر الأثر الحقيقي. ننظر إلى مؤشرات مثل معدلات رضا المرضى، ونسب الالتزام بالعلاج ضمن برامج دعم المرضى، والمدة الزمنية للوصول إلى العلاجات الجديدة ضمن الاتفاقيات مع وزارة الصحة. النجاح يعني تحقيق تحسن ملموس في رحلة المريض، سواء من خلال تسريع الوصول إلى الرعاية، أو تقليل الأعباء على النظام، أو تحسين النتائج الصحية. في نهاية المطاف، هدفنا هو الانتقال من مؤشرات الأداء التي تتمحور حول النظام إلى تلك التي تعكس ما يهم المرضى فعلًا.
أخيرًا، ما النصيحة الأهم التي تودّون تقديمها للمؤسسات الصحية في المملكة التي تسعى إلى جعل شراكة المرضى ركيزة حقيقية في استراتيجياتها؟
لو كان عليّ أن أقدم نصيحة واحدة، فستكون: لا تكتفوا بأن تكونوا “متمحورين حول المريض”، بل اسعوا لأن تكونوا “شامِلين للمرضى”. فبينما تركّز الرعاية المتمحورة حول المريض على تلبية احتياجاته، تأخذ الشمولية خطوة إضافية من خلال إشراك المرضى ومجتمعاتهم بصفتهم شركاء متساوين في تصميم النظام الصحي. إن هذا التحول، من التمركز إلى الشمول، هو النقطة التي يبدأ عندها التمكين الحقيقي.
تُعدّ هذه الخطوة ضرورية لأن الشمولية تضمن أن يعكس النظام واقع الحياة اليومية. يمكن للمرضى أن يخبرونا ليس فقط عن كيفية عمل العلاج، بل كذلك عن تأثيره على عائلاتهم وروتينهم وآمالهم، وبذلك يكشفون عن عوائق لا يمكن للبيانات وحدها رصدها. وفي “روش”، تعلمنا أن هذا المبدأ يجب أن يكون جزءًا من ثقافتنا المؤسسية. لذلك، فكل موظف، بغض النظر عن دوره، يتحمّل مسؤولية إيصال صوت المريض إلى صميم عمله، ليجعل من الشراكة واقعًا ملموسًا.
إن تحول المملكة الصحي طموح وجريء، لكن نجاحه في النهاية سيُقاس بمقدار تحسينه لحياة الناس. تضمن الشمولية أن يُترجم هذا التحول إلى كرامة وثقة وأمل. وهذه ليست مسؤولية مؤسسية فحسب، بل مسؤولية فردية أيضًا. لذا، نصيحتي هي أن تجعلوا شراكة المريض مسألة شخصية. فعندما يتبنّى الأفراد هذا المبدأ، لن تحقق المملكة أهداف رؤية 2030 فحسب، بل ستغدو مثالًا عالميًا يُقتدى به في بناء نظام صحي صُمم حقًا مع المرضى، ولأجلهم.



