تخطيط القلب الكهربائي (ECG): ماذا يكشف ومتى يكون ضروريًا؟
تخطيط القلب الكهربائي (ECG): ماذا يكشف ومتى يكون ضروريًا؟
د. جمال بن دعاس، استشاري أمراض وقسطرة القلب في المستشفى الأهلي / قطر

يُعد تخطيط القلب الكهربائي (ECG) واحدًا من أكثر الفحوصات شيوعًا في الطب الحديث وقد يُطلب ضمن الفحوصات الروتينية، أو قبل العمليات الجراحية، أو عند ظهور أعراض تشير إلى مشكلة في القلب. ومع ذلك، لا يزال كثيرون يتساءلون: ماذا يقيس هذا الفحص فعليًا؟ وما الذي يمكن أن يكشفه؟ ومتى يصبح ضروريًا؟ في هذا المقال الافتتاحي، نقدم لك دليلًا واضحًا وسهل الفهم حول تخطيط القلب: ما هو، ولماذا يهم، وكيف يُجرى، وما الفرق بينه وبين فحوصات القلب الأخرى؟
تخطيط القلب: فحص بسيط يكشف الكثير
القلب ليس مجرد عضلة تضخ الدم، بل هو أيضًا عضو “كهربائي”. فكل نبضة تبدأ بإشارة كهربائية تنتقل عبر مسارات دقيقة داخل القلب لتنظيم انقباض حجراته. وعندما يحدث خلل في هذا النظام، سواء كان اضطرابًا في الإيقاع، أو انسدادًا في التوصيل، أو علامات إجهاد قد تظهر أعراض واضحة، أو قد تُكتشف تغيرات “صامتة” مبكرًا قبل أن تتفاقم. وهنا تأتي أهمية تخطيط القلب الكهربائي.
ما هو تخطيط القلب (ECG)؟
تخطيط القلب الكهربائي (ECG)، ويُعرف أيضًا باسم (EKG)، هو فحص يقوم بتسجيل النشاط الكهربائي للقلب؛ إنه فحص غير جراحي، سريع، وآمن، ويُعد من أهم الخطوات الأولى عند تقييم آلام الصدر أو الإشتباه في وجود مشكلة قلبية. تظهر النتيجة على شكل رسم أو مخطط مكوّن من موجات وفواصل زمنية، وكل جزء من هذا المخطط يعكس مرحلة معيّنة من عمل القلب: كيف تبدأ الإشارة الكهربائية، وكيف تنتقل بين الأذينين والبطينين، وكيف يستعد القلب للنبضة التالية. من خلال قراءة شكل الموجات وتوقيتها، يستطيع الطبيب تقييم وظائف القلب ومراقبة أي تغيّرات مع مرور الوقت.
ماذا يكشف تخطيط القلب؟
رغم أن تخطيط القلب لا يُظهر شكل القلب مثل فحوصات التصوير، إلا أنه يقدم “دلائل كهربائية” مهمة تساعد في التشخيص والمتابعة. من أبرز ما يمكن أن يكشفه:
اضطرابات نظم القلب (اللّانظميات)
يمكن لتخطيط القلب أن يحدد ما إذا كان النبض:
- سريعًا جدًا (تسرّع القلب).
- بطيئًا جدًا (بطء القلب).
- غير منتظم مثل الرجفان الأذيني أو الخفقات الزائدة.
وقد تظهر هذه الاضطرابات على هيئة خفقان، دوخة، إغماء، تعب شديد، أو ضيق تنفس وأحيانًا يتم اكتشافها صدفة أثناء الفحوصات الدورية.
علامات الجلطة القلبية أو نقص التروية
في كثير من الحالات، يساعد التخطيط في الكشف عن أنماط تشير إلى:
- جلطة قلبية حالية.
- جلطة سابقة.
- ذبحة صدرية أو نقص وصول الدم لعضلة القلب (خصوصًا عند وجود أعراض).
تجدر الإشارة أن التخطيط قد يكون طبيعيًا أحيانًا رغم وجود مشكلة، خصوصًا إذا كانت الأعراض متقطعة، لذلك قد يوصي الطبيب بفحوصات إضافية.
اضطرابات التوصيل الكهربائي (البلوكات)
يسجّل التخطيط كيفية انتقال الإشارة داخل القلب. وإذا وُجد خلل أو بطء في المسار، قد يظهر مثل:
- حصار/ بلوك القلب (جزئي أو كامل).
- حصار الحزمة (Bundle branch block).
- وغيرها من اضطرابات التوصيل التي قد تتطلب متابعة أو علاجًا.
مؤشرات إجهاد القلب أو تضخّم الحجرات
قد تُظهر بعض أنماط التخطيط دلائل على:
- تضخّم عضلة القلب.
- اتساع بعض الحجرات.
- تأثيرات مرتبطة بارتفاع ضغط الدم المزمن أو مشكلات الصمامات.
لا يؤكد التخطيط وحده وجود مشكلة بنيوية، لكنه قد يشير بقوة إلى الحاجة لإجراء الإيكو (Echo).
دلائل داعمة في حالات قلبية أخرى
كما قد يساعد في التشخيص أو المتابعة في حالات مثل:
- فشل القلب.
- اعتلال عضلة القلب.
- أنماط إجهاد مرتبطة بالصمامات
- بعض العيوب القلبية الخَلقية.
لماذا يطلب الطبيب تخطيط القلب؟
غالبًا ما يكون تخطيط القلب أول فحص عند الاشتباه بمشكلة قلبية، لأنه سريع ومتوافر ويعطي معلومات فورية.
قد يُطلب التخطيط عند وجود الأعراض التالية:
- ألم أو ضغط في الصدر.
- خفقان أو نبض غير منتظم.
- ضيق في التنفس.
- دوخة أو إغماء.
- إرهاق غير معتاد خصوصًا مع مجهود بسيط.
- انخفاض القدرة على ممارسة الأنشطة اليومية.
هناك أسباب أخرى لإجراء التخطيط حتى بدون أعراض، حيث يمكن أن يطلبه الطبيب من أجل:
- متابعة حالة قلبية معروفة.
- التقييم بعد جلطة قلبية سابقة.
- قياس فعالية العلاج (أدوية أو منظم ضربات).
- التحقق من جاهزية القلب قبل الجراحة.
فحص الأشخاص الأكثر عرضة للخطر بسبب:
- تاريخ عائلي لأمراض القلب.
- السكري.
- ارتفاع ضغط الدم.
- التدخين.
- ارتفاع الكوليسترول أو عوامل خطر أخرى.
كيف يُجرى تخطيط القلب؟
من أفضل ميزاته أنه:
- سريع (غالبًا 5–10 دقائق).
- غير مؤلم.
- آمن ولا يتضمن إشعاعًا.
خطوات الفحص:
- الإستلقاء على الظهر بشكل مريح.
- وضع لواصق صغيرة تحتوي على حسّاسات (عادة 12 لاصقًا) على الصدر والذراعين والساقين.
- هذه الحساسات لا تُرسل كهرباء للجسم؛ بل تلتقط الإشارات الكهربائية للقلب فقط.
- يتم تسجيل النتائج وقراءتها من قبل الطبيب أو فني مختص.
أنواع تخطيط القلب: ليس نوعًا واحدًا فقط
قد يختار الطبيب النوع الأنسب بناءً على الأعراض:
تخطيط القلب أثناء الراحة
وهو الأكثر شيوعًا، ويتم في حالة استرخاء تام. مفيد لاكتشاف اضطرابات النظم الموجودة وقت الفحص وبعض العلامات الدالة على نقص التروية أو إصابة سابقة.
تخطيط القلب مع الجهد (Stress ECG)
بعض المشكلات لا تظهر إلا أثناء المجهود. هنا يتم تسجيل التخطيط أثناء المشي على جهاز السير أو أثناء نشاط بدني مُراقب لتقييم استجابة القلب للمجهود.
تخطيط 24 ساعة (هولتر)
إذا كانت الأعراض تأتي وتختفي (مثل خفقان متقطع أو دوخة مفاجئة)، قد لا يظهر شيء في تخطيط الراحة. لذلك يُستخدم جهاز صغير يتم وضعه مع المريض لتسجيل النبض طوال 24 ساعة وأحيانًا أكثر. وفي حال ظهر خلل في ضربات القلب، قد يطلب الطبيب فحوصات أخرى لمعرفة السبب بدقة.
متى يجب طلب رعاية طبية عاجلة؟
قد تكون بعض الأعراض خطيرة ولا تحتمل التأخير، خاصة إذا كانت جديدة أو شديدة. ينبغي إجراء تقييم شامل في حال وجود الأعراض التالية:
- ألم شديد أو مستمر في الصدر.
- ألم صدر مع تعرّق، غثيان، إغماء، أو ضيق في التنفس.
- ضعف مفاجئ أو خدر أو صعوبة تنفس مفاجئة.
- خفقان مصحوب بـ دوخة شديدة أو إغماء.
- أعراض بعد سقوط أو حادث.
سواء كنت تعاني من مرض قلبي معروف أو ظهرت لديك أعراض غير طبيعية، فإن التقييم المبكر قد يُحدث فرقًا كبيرًا.
في مستشفى الأهلي يمكن الحصول على التقييم عبر قسم الطوارئ أو المتابعة المتخصصة عبر وحدة/قسم رعاية القلب.
ما الفرق بين تخطيط القلب (ECG) والإيكو (Echo)؟
غالبًا ما يُذكر الفحصان معًا، لكن لكل واحد منهما وظيفة مختلفة:
تخطيط القلب (ECG) فحص كهربائي
- يقيس النظم والسرعة ومسارات التوصيل الكهربائي.
- يكشف اضطرابات النظم وعلامات قد تدل على نقص التروية أو إصابة قلبية.
- سريع ويُستخدم كخطوة أولى.
الإيكو (Echo) تصوير بالموجات فوق الصوتية
يعطي صورة متحركة للقلب باستخدام الـ “ألتراساوند”.
يقيّم:
- قوة ضخ القلب.
- حجم الحجرات.
- كفاءة الصمامات.
- اعتلال العضلة والتضخم (كبر حجم القلب).
- أدق في تشخيص المشكلات البنيوية والوظيفية.
في كثير من الحالات، يعطي تخطيط القلب “الإشارة الأولى”، بينما يؤكد الإيكو التفاصيل البنيوية ويقدّم تقييمًا أعمق.
الخلاصة
قد لا يستغرق تخطيط القلب سوى دقائق، لكنه يظل من أهم أدوات تقييم القلب. فهو يساعد على اكتشاف اضطرابات النظم، ويكشف مؤشرات مبكرة لنقص التروية، ويدعم متابعة الحالات القلبية المزمنة، ويُرشد الطبيب نحو الفحوصات الإضافية عند الحاجة.



