مقابلات

الدكتور إيلي شمّاس

كيف ترفع السمنة خطر النوبة القلبية والسكتة الدماغية؟

الدكتور إيلي شمّاس، رئيس قسم أمراض القلب في مركز كليمنصو الطبي في بيروت

تُعد السمنة وزيادة الوزن من أخطر الأمراض المنتشرة عالميافي العصر الحديث، حيث تمثل عاملاً رئيسياً في زيادة احتمالية الإصابة بالأمراض المزمنة؛ هناك علاقة مباشرة بين تراكم الدهون في الجسم وارتفاع مخاطر الإصابة بـ أمراض القلب والأوعية الدموية. الدكتور إيلي شمّاس، رئيس قسم أمراض القلب في مركز كليمنصو الطبي في بيروت، يحدثنا عن السمنة وعلاقتها بزيادة خطر الاصابة بالسكتة الدماغية وأمراض القلب.

كيف تقيّمون انتشار السمنة في لبنان والمنطقة؟ وما العلاقة بين السمنة ونمط الحياة السريع الذي نعيشه اليوم؟

تُظهر البيانات الحالية انتشاراً كبيراً وارتفاعاً مقلقاً في معدلات الإصابة بالسمنة في لبنان والمنطقة العربية والعالم أجمع، حيث وصلت نسبة الإصابة إلى حوالى 30%  في بعض المناطق، ما دفع منظمة الصحة العالمية لإصدار إنذارات خطيرة للحكومات حول تداعيات هذه الظاهرة، خاصةً ارتباط السمنة الوثيق بزيادة مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية وأمراض القلب.

كيف ترفع السمنة احتمال الإصابة بالسكتة الدماغية (Stroke) بشكل مباشر وغير مباشر؟  وما دورها في زيادة خطر أمراض الشرايين التاجية؟

تُشكّل زيادة الوزن والسمنة خطراً صحياً متصاعداً، حيث ترتبط بشكل جذري ومباشر بزيادة احتمالية الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة والمهددة للحياة. تتركز هذه المخاطر بشكل خاص على النظام القلبي الوعائي، بدءاً من ارتفاع ضغط الدم (Hypertension) حيث توجد علاقة قوية جداً وثابتة طبياً بين زيادة كتلة الجسم وارتفاع قراءة ضغط الدم؛ فكلما ازداد الوزن، ارتفع الضغط، ما يُحمّل القلب والأوعية الدموية عبئاً إضافياً هائلاً.

إن هذا الارتفاع المزمن في ضغط الدم، الذي تُعد السمنة سبباً رئيسياً له، هو المحرّك الأساسي للسكتة الدماغية (الجلطة الدماغية)، والتي يمكن أن تؤدي إما إلى نزيف دماغي أو انسداد (جلطة) في أحد شرايين الدماغ الحيوية. والنتيجة المحتملة لمثل هذه الجلطات غالباً ما تكون عواقب وخيمة، مثل الشلل النصفي، أو فقدان القدرة على الكلام، أو غيرها من العوارض العصبية التي تترك أثراً مدمراً على جودة حياة المريض.

علاوة على ذلك، لا تقتصر تداعيات السمنة على الضغط وحده. تُعد السمنة سبباً جذرياً لاضطراب عمليات الأيض (Metabolism- الإستقلاب)، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الكوليسترول والدهون الثلاثية في الدم، وحدوث مقاومة للإنسولين وبالتالي ارتفاع مستويات السكر.

تُعتبر هذه العوامل الثلاثة (ارتفاع الضغط، ارتفاع الكوليسترول، والسكري) أساسية لتسريع عملية تصلب وانسداد الشرايين التاجية التي تغذي عضلة القلب. هذا التضيق والانسداد يضع المريض في خطر كبير للإصابة بـ الذبحة الصدرية (Angina Pectoris) أو حتى النوبة القلبية الحادة، ما يؤكد العلاقة المباشرة وغير القابلة للجدل بين السمنة وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين القاتلة.

بالإضافة إلى ما تقدم، تُعد زيادة الوزن والسمنة العامل المسبب الأقوى للشخير المزمن ومتلازمة انقطاع التنفس الانسدادي (Sleep Apnea) أثناء النوم بسبب تراكم الأنسجة الدهنية حول الرقبة والحلق، ما يؤدي إلى تضيق مجرى الهواء العلوي؛ عندما تسترخي العضلات أثناء النوم، ينسد هذا المجرى بشكل متكرر، مسبباً صوت الشخير العالي، أو انسداداً كاملاً ينتج عنه توقف التنفس لدقائق قصيرة. هذه الانقطاعات المتكررة للتنفس تسبب نقصاً حاداً ومفاجئاً في مستويات الأوكسجين بالدم في كل مرة. يستجيب الجسم لهذا النقص بآلية طوارئ تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، تصلب الشرايين، وزيادة خطر الجلطات.

هل هناك اختلاف بين السمنة عند الرجال والنساء من حيث التأثير على القلب والدماغ؟

إن تأثير السمنة ومضاعفاتها على صحة القلب والدماغ لا يختلف بين الرجال والنساء، حيث تكمن المشكلة الرئيسية في أن السمنة تؤدي إلى العواقب ذاتها بغض النظر عن الجنس. فلدى كلا الطرفين، تعمل زيادة الوزن على رفع عوامل الخطر الأساسية مثل ارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكوليسترول والسكري، وتصلب الشرايين، ما يجعل كلاً من الذكور والإناث عرضة بنفس القدر لخطر الإصابة بـ أمراض القلب التاجية (كالنوبات القلبية والذبحة الصدرية) والسكتات الدماغية (الجلطات ونزيف الدماغStroke-)؛ وبالتالي، يمكن اعتبار السمنة تهديداً صحياً شاملاً يؤثر على الجهاز القلبي الوعائي والدماغي بنفس الخطورة والتداعيات السريرية لكلا الجنسين.

ما أبرز الفحوصات التي تُجرى للمرضى الذين يعانون من السمنة لتقييم خطر إصابتهم بالسكتة أو الجلطة القلبية؟

يتم الاعتماد على مجموعة من الفحوصات السريرية والتشخيصية المتطورة. يبدأ التقييم عادةً في العيادة الطبية حيث تُستخدم طرق قياسية لمعرفة مدى زيادة الوزن وحساب مؤشر كتلة الجسم (BMI)، بالإضافة إلى قياس محيط الخصر لتحد يد السمنة الحشوية، التي تُعد مؤشراً خطيراً.

تنتقل عملية التقييم بعد ذلك إلى استخدام تقنيات التصوير المتطورة لتقديم رؤية دقيقة للدهون وتأثيرها:

التصوير الصوتي (Ultrasound) لتقدير نسبة السمنة في الجسم، خاصةً التركيز على منطقة البطن والكبد لتحديد وجود دهون حشوية ودهون على الكبد، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمتلازمة الأيض ومخاطر الجلطات.

التصوير المقطعي (CT Scan) لتقييم توزيع الدهون الداخلية وتحديد مدى خطر إصابة الفرد بالجلطة والسكتة الدماغية.

التصوير المقطعي للشرايين التاجية (Cardiac CT Scan) وهو من الأدوات القيّمة التي تُجرى لمرضى السمنة لتقييم شرايين القلب؛ يوفر هذا التصوير معلومات واضحة وسهلة حول ما إذا كانت شرايين القلب قد تأثرت سلباً نتيجة لزيادة الوزن، وغالباً ما يكشف عن تراكم الكالسيوم أو تضيقات مبكرة في الشرايين التاجية.

إن الهدف من هذه الفحوصات هو تحديد مستوى الخطر بدقة ووضع خطة علاجية وقائية مناسبة قبل وقوع المضاعفات الوخيمة.

هل يعتمد مركز كليمنصو الطبي برامج متكاملة تجمع بين تقييم التغذية، القلب، الغدد، والأوعية الدموية؟

يتبنى مركز كليمنصو الطبي في بيروت (CMC) برامج متكاملة وشاملة لمعالجة السمنة وزيادة الوزن، حيث يتم تخصيص قسم متكامل لهذه الغاية لضمان تقييم متعدد الأبعاد لحالة المريض. تبدأ رحلة المريض في قسم التغذية الذي يتولى إجراء تقييم دقيق يشمل تحديد نسبة الزيادة في الوزن ونسبة الشحوم في الجسم، وكشف المشاكل التغذوية والصحية المرتبطة بها.

بعد هذا التقييم الأولي، ينتقل المريض إلى الطبيب المختص لإجراء الفحوصات الطبية اللازمة لتحديد العلاج المناسب، ويتم إشراك فريق طبي متعدد التخصصات لضمان تغطية جميع الجوانب الصحية، يضم هذا الفريق طبيب القلب لتقييم المخاطر القلبية، وطبيب الغدد والسكري الذي يلعب دوراً محورياً لخبرته في التعامل مع حالات ارتفاع مستويات السكري والكوليسترول واضطرابات الغدد الصماء المرتبطة بالسمنة. وبناءً على نتائج هذا التقييم الشامل الذي يجمع بين التغذية والقلب والغدد والأوعية، يتم وضع وتحديد خطة علاجية فردية ومناسبة لحالة كل مريض.

ما أبرز الخيارات العلاجية والجراحية المتاحة؟

تتعدد الخيارات العلاجية المتاحة لمعالجة السمنة وتتدرج حسب شدة الحالة، بدءاً من التدخلات غير الجراحية وصولاً إلى الحلول الجراحية المتقدمة، مع التأكيد على أهمية الإشراف الطبي الدقيق في جميع المراحل.

تبدأ الخطوات العلاجية بمقاربات طبية صارمة، حيث يتم التركيز أولاً على التغييرات الجذرية في نمط الحياة، ويُنصح المريض بالالتزام بحمية غذائية مناسبة يحددها اختصاصي التغذية بدقة من حيث السعرات الحرارية والكميات، وذلك بالتوازي مع ممارسة النشاط البدني والرياضة بانتظام.

يمكن أيضاً استخدام الأدوية المساعدة على تخفيف الوزن، بما في ذلك إبر التنحيف الحديثة، ولكن يجب أن يتم هذا التدخل بشكل حصري وتحت الإشراف الطبي المباشر والدقيق.

يُعد التدخل الجراحي هو الخيار الأخير الذي يتم اللجوء إليه لعلاج السمنة المفرطة، خاصة عندما لا تحقق الطرق الطبية الأخرى النتائج المرجوة. يتم اتخاذ قرار الجراحة بعد استشارة دقيقة ومفصلة مع متخصصين في الجراحة العامة وجراحة المناظير الذين يقومون بتقييم شامل للملف الطبي للمريض وحالته الصحية العامة. وتُستخدم تقنيات المنظار الحديثة لإجراء هذه العمليات، ويتم تحديد نوع الإجراء الجراحي المناسب بناءً على وضع المريض وحجم زيادة الوزن لتحديد أفضل مسار علاجي يضمن الفعالية والأمان.

يتولى فريق الأطباء مهمة متابعة الحالة الصحية للمريض، والتي تشمل إجراء فحوصات دم دورية للتأكد من مستويات الفيتامينات والمعادن، والكشف عن أي نقص أو مضاعفات محتملة قد تظهر بعد فقدان الوزن. هذا الإشراف المتخصص يضمن استقرار الحالة الصحية للمريض والحفاظ على النتائج الإيجابية المحققة على المدى الطويل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى