مقابلات

الدكتورة هبة الحاج

ترميم الثدي ضرورة نفسية وجسدية، وليس مجرد تجميل

الدكتورة هبة الحاج، الأخصائية في جراحة التجميل والجراحة الترميمية في مركز كليمنصو الطبي في بيروت

الدكتورة هبة الحاج، الأخصائية في جراحة التجميل والجراحة الترميمية في مركز كليمنصو الطبي، تتحدث عن الدور المحوري لجراحة الترميم في إعادة بناء الثدي، وأهمية العمل الجماعي للفريق الطبي، واستعراض أحدث وأفضل التقنيات المتاحة.

ما هو الدور الذي تلعبه جراحة التجميل والترميم في خطة علاج سرطان الثدي من منظور طبي ونفسي للمريضة؟ وهل يمكن اعتبارها جزءًا أساسيًا من العلاج وليس مجرد خيار تكميلي؟

تحتل جراحة التجميل والترميم مكانة بالغة الأهمية في مسار علاج سرطان الثدي، حيث يتجاوز دورها مجرّد التجميل ليشمل الدعم النفسي والاجتماعي. فعمليات الترميم ليست ضرورية فقط في حالات الاستئصال الكلي للثدي (Mastectomy)، بل هي مهمة أيضًا في حالات الاستئصال الجزئي (Lumpectomy) التي تحتاج إلى إعادة تشكيل للثدي. يكمن الهدف الأساسي من هذه العمليات في منح المريضة أفضل نتيجة جمالية ممكنة للحفاظ على صورة الجسم.

من منظور نفسي، يشكل فقدان جزء من الثدي أو الثدي بأكمله تحديًا عاطفيًا عميقًا وتأثيرًا مباشرًا على الثقة بالنفس. صحيح أن الهدف الطبي والأساسي للأطباء والمريضات على حد سواء هو الاستئصال الكامل والناجح للورم، لكن هدفنا اليوم يتوسع ليشمل إعادة بناء الثدي بأحدث وأفضل الوسائل المتاحة.

هذا الترميم يهدف إلى مساعدة المرأة على استعادة الجزء المفقود من جسدها لتعيش حياتها براحة أكبر. فالدراسات والأبحاث العلمية أكدت هذا الأثر، إذ تُظهر أن جودة الحياة والراحة النفسية والاجتماعية لدى النساء اللواتي يخضعن لعمليات ترميم الثدي أفضل بكثير من النساء اللواتي يمتنعن عن هذه العملية. هذا التباين يؤكد أن الأهمية الحقيقية لهذه الجراحة تمتد إلى ما هو أبعد من مجرد الرعاية الجسدية لتشمل صحة المريضة العقلية واندماجها الاجتماعي.

كيف تصفين آلية التعاون بينك وبين أخصائيي جراحة الأورام والأخصائيين في أمراض الدم والعلاج الشعاعي؟ وما أهمية هذا الفريق المتكامل لنجاح عملية الترميم الشاملة؟

إن الوصول إلى النجاح الأمثل في عملية ترميم الثدي وتحقيق أفضل النتائج الجمالية والوظيفية يتطلب نهجاً شاملاً يعتمد على التنسيق الدقيق والتعاون المستمر بين مجموعة من المتخصصين. فالترميم ليس إجراءً فردياً، بل هو نتاج جهد فريق طبي متكامل يعمل كوحدة متكاملة. هذا الفريق متعدد التخصصات يضم بشكل أساسي:

  • الجرّاح وهو المسؤول عن إزالة الورم بشكل كامل مع التخطيط المسبق لمرحلة الترميم.
  • جرّاح الترميم الذي يتولى إعادة بناء الثدي لتحقيق أفضل شكل ممكن.
  • طبيب الأورام لضمان المتابعة الدقيقة للحالة المرضية وإدارة أي علاج مطلوب.
  • طبيب العلاج الشعاعي الذي يتدخل عند الضرورة لتقديم العلاج اللازم، مع الأخذ بعين الاعتبار تأثيره على عملية الترميم.
  • الأخصائي النفسي لتوفير الدعم المعنوي والمهني للمريضة منذ لحظة التشخيص وخلال رحلة العلاج، نظراً للأثر العاطفي العميق للجراحة.
  • أخصائي العلاج الفيزيائي: الذي يتابع المريضة بعد الجراحة لضمان استعادة الحركة الكاملة للذراع والكتف وتحسين التعافي الجسدي.

هذا التعاون الشامل هو الضمانة الحقيقية لتحقيق أعلى معدلات النجاح وتزويد المريضة بأفضل نتيجة ممكنة تتناسب مع احتياجاتها وتوقعاتها، بالإضافة إلى توفير المواكبة والدعم المتواصل طوال فترة العلاج وما يليها.

هناك خياران رئيسيان: الترميم الفوري (أثناء عملية استئصال الورم) والترميم المؤجل. ما هي العوامل التي تحدد التوقيت الأفضل لكل مريضة؟

في 85% من الحالات، يمكن إجراء عملية الترميم الفوري للثدي. يجب أن تعلم كل مريضة مصابة بورم في الثدي وتستدعي حالتها الاستئصال أنه، بعد التقييم والموافقة من الفريق الطبي المتخصص، يكون الترميم الفوري خياراً متاحاً ومناسباً باستثناء عدد قليل جداً من الموانع الطبية.

تُعد عملية الترميم الفوري هي المرحلة الأولى من مراحل إعادة بناء الثدي، وإجراؤها بالتزامن مع عملية الاستئصال يُسهّل كثيراً من مراحل الترميم اللاحقة.

ومن المهم جداً التنويه إلى أن خيار الترميم متاح دائماً للمريضة؛ فإذا اختارت عدم إجراء الترميم الفوري، يمكنها دائماً إجراؤه لاحقاً (Delayed Breast Reconstruction) من دون أي قيود، لكن الترميم الفوري يبقى هو الخيار المفضل لتسهيل العملية الشاملة.

ما هي أبرز التقنيات المتوفرة في مركز كليمنصو الطبي لترميم الثدي ؟ وما هي المعايير التي تساعدك في اختيار الطريقة الأنسب لكل مريضة؟

هناك وسائل متنوعة لترميم الثدي بعد الاستئصال:

الموسّع المؤقت (Tissue Expander)

تُعد هذه الوسيلة هي الخطوة الأولى في الترميم المكوّن من مرحلتين. يتم خلالها زرع بالون قابل للنفخ بشكل مؤقت في منطقة الاستئصال. يتم نفخ هذا الموسّع تدريجياً ببطء، عادةً بعد أسبوعين أو ثلاثة من الجراحة. الهدف الأساسي هو توسيع الجلد والأنسجة تدريجياً لتهيئة المكان لاستقبال الحشوة الدائمة، خاصة عندما يكون الجلد رقيقاً جداً أو عندما يكون هناك نقص كبير في الغطاء الجلدي نتيجة الاستئصال، حيث لا يمكن وضع حشوة سيليكون دائمة مباشرة.

الحشوة الدائمة (Direct-to-Implant)

في حال كانت حالة الجلد والأنسجة المحيطة صحية وكافية، يمكن تطبيق تقنية الترميم بمرحلة واحدة. يتم في هذه الطريقة وضع حشوة السيليكون النهائية بشكل مباشر خلال عملية الاستئصال ذاتها من دون الحاجة للمرور بمرحلة التوسيع المسبقة.

هذا الخيار يعوّض الحجم المفقود على الفور، ويكون مفضلاً في حال كانت المريضة لم تتعرض للعلاج الشعاعي ولديهـا جلد صحي يوفر غطاءً كافياً للحشوة.

استخدام الأنسجة الذاتية (Autologous Tissue Flaps)

تعتمد هذه التقنية على استخدام أنسجة المريضة الخاصة (الجلد والدهون، وقد تشمل العضلات أحياناً) لإعادة بناء الثدي، ما يمنح الثدي المرمم مظهراً وملمساً أكثر طبيعية. هناك طريقتان شائعتان: الأولى هي الترميم باستخدام أنسجة الظهر (Latissimus Dorsi Flap)، والثانية هي تقنية الـ DIEP Flap التي تستخدم أنسجة دهنية من منطقة البطن. تُعد هذه الوسيلة خياراً مثالياً وضرورياً للمريضات اللواتي تعرّضن للعلاج الإشعاعي، حيث إن الأنسجة الذاتية تتحمل الإشعاع بشكل أفضل من الحشوات الاصطناعية.

حقن الدهون  (Fat Grafting)

تُستخدم هذه الطريقة عبر شفط الدهون من مناطق أخرى من جسم المريضة وحقنها في الثدي المرمم. يمكن استخدامها كطريقة ترميم كلية في حالات الثدي ذي الحجم الصغير، بشرط توفر دهون كافية للمريضة. وفي حالات أخرى، يتم استخدامها كعامل مكمل لتحسين جودة الجلد والأنسجة المتضررة، أو لتصحيح التباين البسيط في الشكل  (Contour Correction)، وزيادة سماكة الغطاء الجلدي فوق الحشوات أو الأنسجة الذاتية.

إن اختيار وسيلة الترميم يعتمد على تقييم شامل يأخذ في الاعتبار الدواعي الطبية بالدرجة الأولى ورأي الطبيب وكذلك رغبة المريضة. يعتبر التعرض السابق للعلاج الإشعاعي عاملاً حاسماً، حيث يوجه الفريق الطبي في كثير من الأحيان نحو استخدام الأنسجة الذاتية بدلاً من الحشوات المباشرة، لضمان نجاح الترميم على المدى الطويل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى