ستيفيا… هل هي المُحلّي الأنسب؟
ستيفيا… هل هي المُحلّي الأنسب؟
د. فتحي عبد القادر، استشاري الطب الباطني في المستشفى الأهلي / قطر

أصبحت ستيفيا من أكثر المُحلّيات الطبيعية انتشارًا في العالم خلال السنوات الأخيرة، نظرًا لكونها خالية من السعرات الحرارية ومصدرها نباتي بحت. تُستخلص هذه المادة من أوراق نبات Stevia rebaudiana، وتُعد خيارًا مفضّلًا لدى العديد من الأشخاص الذين يسعون لتقليل استهلاك السكر أو السيطرة على الوزن ومستويات سكر الدم والدهون.
لماذا نبحث عن بديل للسكر؟
يرتبط الطعم الحلو عادةً بمشاعر السعادة والنشاط، ما يجعل الحلويات جزءًا من لحظات الفرح في حياة الإنسان. ومع ذلك، فإن الارتفاع العالمي في معدلات السمنة، ومرض السكري، وارتفاع الدهون في الدم، دفع الكثيرين إلى البحث عن بدائل آمنة توفر المذاق الحلو من دون الأضرار الصحية المرتبطة بالسكر. ومن بين هذه البدائل، تبرز ستيفيا كخيار طبيعي وآمن أثبت فعاليته وشعبيته حول العالم.
ما الذي يجعل ستيفيا طعمها حلو؟
تُعزى حلاوة ستيفيا إلى مركّبات طبيعية تُعرف باسم الستيفيول غليكوسيدات (Steviol Glycosides)، وهي مواد تُستخلص من أوراق النبات وتتميّز بخواص فريدة تجعلها مناسبة للاستخدام في مختلف الظروف. ومن أبرز خصائصها:
- مستقرة عند التعرض للحرارة، ما يجعلها مناسبة للطهي والخبز.
- غير قابلة للتخمير ولا تُستقلب داخل الجسم.
- تدوم حلاوتها لفترة أطول من السكر العادي.
- قد تترك طعمًا مرًّا خفيفًا بعد الاستخدام لدى بعض الأشخاص.
لمحة تاريخية
يُعد نبات ستيفيا من النباتات الأصلية في أميركا الجنوبية، حيث استخدمه السكان الأصليون كمُحلٍ طبيعي منذ قرون. في عام 1899، قام عالم نبات سويسري بوصف النبتة علميًا لأول مرة.
في عام 1931، تمكن كيميائيون فرنسيون من عزل المركّبات المسؤولة عن طعمها الحلو.
بدأت اليابان باستخدامها منذ عقود كبديل آمن للسكر.
في التسعينات، لم توافق أوروبا على استخدامها لأسباب تتعلق بالسلامة، قبل أن تُجيزها رسميًا في عام 2011.
أما الولايات المتحدة الأميركية، فقد منحت إدارة الغذاء والدواء (FDA) موافقتها على استخدام منتجات ستيفيا عالية النقاء في عام 2017.
طرق التحضير
- في الاستخدام المنزلي مستخلص الأوراق: تُقطف الأوراق وتُسحق ثم تُغلى بلُطف لمدة 40 دقيقة تقريبًا، وبعد التبريد يُحفظ المستخلص ويُستخدم لمدة لا تتجاوز أسبوعين.
- المسحوق الجاف: تُغسل الأوراق وتُجفف حتى تصبح قاسية، ثم تُطحن وتُصفّى للحصول على مسحوق ناعم يُخزّن في مكان جاف للاستخدام لاحقًا.
في الصناعة
تُتبع خطوات مشابهة ولكن بطريقة أكثر دقة، حيث تُمرر الأوراق المطحونة عبر ماء ساخن أو كحول غذائي نقي، ثم تُرشّح وتُبلور للحصول على منتج نقي جاهز للتعبئة في أشكال مختلفة (مسحوق، أقراص، أو سائل).
آلية عمل ستيفيا في الجسم
تتكوّن الستيفيول غليكوسيدات من جزيئات غلوكوز مرتبطة بمركّب غير سكري يُعرف باسم أغليكون. عند تناولها، تُحفّز هذه المركّبات مستقبلات الطعم الحلو في اللسان لتُحدث إحساسًا بالسكّر، لكنها قد تُنشّط أيضًا مستقبلات الطعم المر، وهو ما يفسّر المذاق المرّ البسيط الذي قد يظهر لدى البعض. داخل الجسم، لا تُستقلب هذه المركّبات في الدم، بل تُحلّل بواسطة البكتيريا المعوية وتُطرح نواتجها عن طريق الكليتين، دون أن تُضيف أي سعرات حرارية.
السلامة والجرعة الموصى بها
أظهرت الدراسات العلمية أن ستيفيا آمنة للاستهلاك البشري عند استخدامها ضمن الحدود المسموح بها. ورغم وجود تجارب مخبرية على الحيوانات أشارت إلى احتمال تأثيرات جينية، إلا أن الدراسات السريرية على الإنسان لم تُثبت أي خطر يذكر. تُحدد الجرعة اليومية المقبولة (ADI) بمقدار 4 ملغ لكل كيلوغرام من وزن الجسم. وبما أن الكيس الواحد يحتوي على ما بين 1.6 و2.5 غرامًا، يُنصح بعدم تجاوز كيسين أو ملعقة صغيرة واحدة يوميًا.
الخلاصة
تُعد ستيفيا خيارًا ذكيًا وآمنًا لمن يرغبون في تقليل استهلاك السكر والحفاظ على نمط حياة صحي من دون التخلي عن المذاق الحلو. فهي تُوفر بديلاً طبيعيًا خاليًا من السعرات، يدعم التحكم في الوزن ومستويات السكر في الدم. لكن، وكما هو الحال مع كل البدائل الغذائية، يبقى الاعتدال في الاستهلاك هو المفتاح للحفاظ على التوازن الغذائي والصحة العامة.




