مقالات طبية

تعزيز الصحة

تعزيز الصحة

نظرًا للخلل البنيوي والهيكلي والوظيفي الذي تعاني منه معظم الأنظمة الصحية ومنها إهمال أو تجاهل أو عدم الاهتمام بأهم أعمدة النظام الصحي السليم وهو تعزيز الصحة الذي يمكّن الناس من زيادة السيطرة على صحتهم ومحدّداتها وتحسينها. 

هذا التعريف الأحدث لتعزيز الصحة والذي تطور في العقود الثلاثة الاخيرة من ميثاق أوتاوا عام 1986، وميثاق بانكوك 2005 مرورًا بإصدارات منظمة الصحة العالمية في نيروبي 2009 ثم مؤتمر شنغهاي 2016 حول تعزيز الصحة في أهداف التنمية المستدامة 2030. 

وكذلك تطورت نماذج تعزيز الصحة، فما قبل السبعينات كان:

 النموذج الطبي

 يركز على السلوكيات المحفوفة بالمخاطر وأنماط الحياة، ويؤكد على التوعية والتثقيف الصحي والمعرفة والمواقف والمهارات والمسؤولية الفردية ويعامل الناس بمعزل عن بيئاتهم.

النموذج الاجتماعي

يركز على المحدّدات الأشمل للصحة والتعاون بين القطاعات والعمل على الحد من عدم المساواة الاجتماعية ويمكن الافراد والمجتمعات من الوصول للرعاية الصحية، وهو من بعد السبعينات. 

النموذج البيئي

وهو الاعتراف بالعلاقة المتبادلة بين السلوكيات المتعلقة بالصحة والبيئات التي ينشأ ويعيش ويتعلم فيها الناس.

ترتبط العافية بتعزيز الصحة والوقاية من الأمراض، وتوصف بأنها المواقف والقرارات والأنشطة التي يتخذها الفرد والتي تساهم في السلوكيات والنتائج الصحية الإيجابية.

 غالباً ما تتناول برامج تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض المحدّدات الاجتماعية للصحة، والتي تؤثر على السلوكيات المحفوفة بالمخاطر القابلة للتعديل؛ تُعرف المحدّدات الاجتماعية للصحة على أنها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية التي يولد فيها الناس ويعيشون ويتعلمون وينمون بما يؤثر على الحالة الصحية. 

لذا وجب الاهتمام بتعزيز الصحة لحماية المجتمع من الأمراض، وخصوصًا تلك التي يمكن تجنبها والتي تشكل النسبة الأكبر من الأمراض التي تعاني منها المجتمعات والشعوب والأكثر كلفة في العلاج ومهددة لحياة الناس وجودة المعيشة والمرهقة للميزانيات العامة والخاصة لما تحتاجه من بنى تحتية صحية وكوادر طبية وأدوية ومستلزمات ومعدات وغيرها، ما يستحوذ على ميزانيات كبيرة وكوادر بأعداد كثيرة وأعباء اقتصادية وإجتماعية تفوق القدرات. 

لذلك، تُبنى النظم الصحية الحقيقية على برامج وأنشطة وإستراتيجيات لتعزيز الصحة والوقاية من الامراض ومنها: 

  • السياسات والنظم 

لنجاح إستراتيجيات تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض يجب أن تكون السياسات والانظمة الداعمة للصحة والمستدامة مصممة لتغيير السلوكيات الصحية، وذلك من خلال جعل الخيارات الصحية متاحة بيسر ويسهل الوصول اليها. 

يتطلب ذلك مراجعة التشريعات والقوانين والإجراءات وآليات التنفيذ والمتابعة لما يضمن تحقيق كل المحدّدات المطلوبة للصحة في كل الاماكن ولكل المجتمعات. 

  • المعرفة والتعلم 

إحدى استراتيجيات تنفيذ برامج تعزيز الصحة والوقاية من الامراض عبر تقديم معلومات صحية للمجتمع بما في ذلك التهديدات الصحية التي يواجهها مع بناء القدرات ودعم تغيير السلوك؛ يمكن القيام بذلك عن طريق المحاضرات والندوات والدورات التدريبية وورش العمل بالحضور واللقاءات المباشرة أو عن طريق التواصل الافتراضي أو عبر الوسائل والوسائط المتعددة المتاحة على ان تكون وفق خصائص إستراتيجيات التعلم ومنها مشاركة السكان المستهدفين لتحديد الاحتياجات الفعلية وقدرات المجتمع وموارده واولوياته.

ينبغي أن تحتوي على مناهج ومواد متكاملة من حيث التخطيط والأهداف بالإضافة الى نتائج سلوكية واضحة تتعلق بالصحة ومناهج فعّالة تعزز المواقف والمعتقدات التي تدعم السلوكيات الصحية الإيجابية وبيئات مناسبة للمشاركين باستخدام وسائل تعليمية سمعية وبصرية توفر مختلف الوسائل المقروءة والمرئية لتكون متاحة للجميع مع وجود كوادر تعليمية صحية مؤهلة ومدربة.

كما ينبغي أن تعزز أنشطة التعلم والمعرفة الصحية الهدف العام لبرامج تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض وأن تكون المواد المستخدمة مناسبة ثقافيًا ومصممة خصيصاً للسكان والمجتمعات المستهدفة.

المنهج الذي يوفر المعلومات لهدف واحد هو تحسين المعرفة بالمعلومات الواقعية لن يغير السلوك.

  •  التوعية والتثقيف الصحي 

احدى استراتيجيات تنفيذ برامج تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض التي تهدف إلى تغيير معارف الناس ومواقفهم وسلوكياتهم، عبر زيادة إدراك المخاطر وتعزيز السلوكيات الصحية الايجابية وتوعية الجمهور بالسلوكيات الصحية  والتأثير على القرارات الفردية والمجتمعية التي تعزز الصحة، وتمكينهم من اتخاذ خيارات صحية بتطوير الأنشطة والتدخلات المصممة لتغيير السلوكيات بشكلٍ إيجابي على أن يتم اختيار قنوات التواصل الفعالة مع المجتمعات المستهدفة مراعياً المفاهيم واللغات والأولويات التقليدية للثقافات والبيئات المختلفة، مع تفعيل كل الوسائل الإعلامية واللوحات والكتيّبات والنشرات الإعلانية والإرشادية، وإستغلال كل الوسائل والوسائط المتعددة والمتاحة لتمرير كل الرسائل والمعلومات الصحية الصحيحة والايجابية.

فمع اعتماد حزمة من الإستراتيجيات الواعدة وبالتعاون والتكامل والشراكة القطاعية بين جميع المؤسسات الرسمية والاهلية والخاصة، وبالتعاون والتآزر بين كل مكونات المجتمع بهدف تحسين الصحة، سوف يتم الوصول الى مجتمعات أكثر صحة وأقل أمراضاً لأن الصحة والرفاه الاجتماعي يتأثران بتفاعل البيئة المادية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع في تحليل أفضل السبل لمعالجة إرتفاع معدلات الأمراض المزمنة واستمراريتها، وخصوصا المتعلقة بعادات الأكل غير الصحية والسلوكيات المعيشية الخاطئة.

ولأن البيئة المبنية هي من صنع الإنسان والتي تشمل المخططات العمرانية والمباني وأنظمة النقل وعدم توافر المنتزهات والمرافق التي تدعم الأنشطة البدنية واتباع السلوكيات الغذائية الخاطئة مع الأمية الصحية وانعدام أو ضعف التشريعات والأنظمة والقوانين والإجراءات التي تحد كل ما يسبب الاعتلال والأمراض وتمنعه.

وللوصول بالمجتمع لصحة أفضل على الجهات الرسمية والمسؤولة إتخاذ ما يلزم من قوانين وقرارات وإجراءات تدعم تعزيز الصحة، مع ضرورة محو الأمية الصحية بالتعليم ونشر المعرفة بين كل فئات وشرائح المجتمع في المدن والقرى والارياف، وتسخير كل الوسائل والوسائط والقنوات الإعلامية المتعددة لنشر التوعية والتثقيف الصحي. 

وعلى الحكومات والقطاعات الصحية اعتماد نظم صحية مبنية ومرتكزة على مناهج تعزيز الصحة، والوقاية من الأمراض ودمج كل السياسات الصحية في جميع السياسات القطاعية، وتوفير الإمكانيات المادية والكوادر المدربة، والمناهج والبرامج والإستراتيجيات المطلوبة لتعزيز الصحة والوقاية من الأمراض، وتأهيل كل مرافق الرعاية الصحية الأولية وصحة المجتمع، والصحة المدرسية، والإصحاح البيئي، والإعلام الصحي.

 من خلال هذه الخطوات، تتحقق الصحة والرفاه الاجتماعي والحماية الاجتماعية من المهددات الصحية، وتنخفض الفاتورة الباهظة التي تدفعها المجتمعات والحكومات والدول جراء الأمراض التي تهدد الحياة وتقضي على المدخرات، وتقلل من فرص التنمية وترهق الأنظمة الصحية وتضعفها ولا تجعلها قادرة على الاستجابة للأزمات ومجابهتها مما يضاعف من مآسي الناس. 

وعليه، على النظم الصحية التركيز على تعزيز الصحة والوقاية من الامراض من خلال وضع المعايير الصحية لكل ما يمس حياة الناس ويؤثر على الصحة وجودة الحياة. على كل جهات الاختصاص الالتزام التام بالسياسات والاجراءات والمعايير الصحية وعلى المشرع تعظيم العقوبات ضد كل ما يسبب تهديدات لصحة الأفراد والمجتمع مباشرة او غير مباشرة.

من ضمن المعايير الصحية الواجب اعتمادها أيضا إنشاء مخططات سكنية وعمرانية تراعي المواصفات الصحية من خلال توسيع رقعة المنتزهات والمساحات الخضراء ومرافق الأنشطة البدنية، إضافة الى توفير المياه الصالحة للشرب والزراعة، والمعالجة الصحية والصحيحة للمخلفات بجميع اصنافها وانواعها ومصادرها، وانهاء جميع مصادر التلوث بكل أشكاله وتشجيع كل الأنشطة الداعمة لتعزيز الصحة، وتعميم المبادرات الانسانية والصحية والثقافية في مكافحة التدخين والمخدرات والسمنة والسلوكيات الغذائية السيئة، ومكافحة السرطان وتشجيع برامج الكشف المبكر وغيرها من برامج تعزز من تحسين صحة المجتمع.

الصحة للجميع وبالجميع 

والصحة حق والحياة حق 

ومن يملك الصحة يملك الأمل 

د. علي المبروك أبوقرين

عضو المجلس التنفيذي لاتحاد المستشفيات العربية

عضو اللجنة الفنية الاستشارية لمجلس وزراء الصحة العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى