مقالات طبية

القوى العاملة الصحية

القوى العاملة الصحية

د. علي المبروك أبوقرين عضو المجلس التنفيذي لاتحاد المستشفيات العربية عضو اللجنة الفنية الاستشارية لمجلس وزراء الصحة العرب

 تطرقنا لتعزيز الصحة باعتبارها الاساس البنيوي للنظام الصحي واحد أهم المستويات الأساسية والأولوية للنظم الصحية؛ كذلك القوى العاملة الصحية هي ركيزة النظام الصحي ومن أهم المكونات الأساسية للنظام الصحي، والمسؤولة عن الرعاية الصحية وجودتها وبها تتحقق التغطية الصحية الشاملة.

 القوى العاملة الصحية هي اداة التغيير الأساسية في النظم الصحية؛ بها ومن خلالها تتحقق أهداف النظام الصحي من التماسك والقدرة والقوة والمرونة والاستجابة والعدالة والمساواة الصحية. كما انها هي المنوطة والمسؤولة عن صحة سكان أي بلد والمتوافدين عليها.

القوى العاملة الصحية لها تعريفات متعددة أهمها التعريف الأشمل أنهم جميع العاملين في القطاع الطبي والصحي والمتعاملين بشكل مباشر أو غير مباشر مع المرضى أو غيرهم من في حاجة لخدمات صحية او اجتماعية وصحية، وتشمل الاداريين والفنيين بكل تخصصاتهم طبية او هندسية او غيرها من وظائف مساندة، وكل العاملين بالمرافق الصحية بكل مستوياتها، أو المرافق الإدارية التابعة للقطاع الطبي والصحي، وقطاع التعليم والتدريب الطبي والصحي.

 لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والرفاه الحقيقي، والصحة للمجتمعات والشعوب يجب إعادة النظر في النظم الصحية وبناء مكوناتها على أسس علمية سليمة، لا تركز على المرض والعلاج فقط انما تهتم بالصحة وما يعززها ويحافظ عليها ويحسنها وتغطي إحتياجات التغطية الصحية الشاملة، وتؤمن كل مستويات النظام الصحي السليم بكوادر كافية ومؤهلة.

ان العالم يعاني من التفاوت في القوى العاملة الصحية وعدم المساواة بين الدول وبعضها، وبين المدن داخل الدولة وبعضها، حيث يوجد يفتقد أكثر من مليار نسمة الحصول على خدمة طبية من متخصص صحي مؤهل، وهناك تفاوت غير معقول في نسب القوى العاملة الصحية لعدد السكان إذ تتراوح من أقل من 1 لكل 1000 نسمة الى 13 وتزيد لكل 1000 نسمة.

 هذا مثال في قطاع التمريض، وفي الاطباء تزداد الفجوة بكثير في الاعداد الإجمالية او التخصصات الطبية، وباقي التخصصات الدقيقة كثير من دول العالم بالذات الفقيرة ومتوسطة الدخل لا تمتلك هذه التخصصات، زيادة عن الهجرة المستمرة والمتزايدة في كل المهن الطبية والصحية سواء من دول لدول اخرى، أو هجرة داخلية في الدولة نفسها، والتقدم في السن لأعداد كبيرة من القوى العاملة الصحية، وعدم الاستمرار وترك المهنة للكثير من الكوادر وخصوصًا في الأزمات والكوارث.

إن العالم الآن في حاجة ماسة لعشرات الملايين من العاملين الصحيين لتغطية العجز الكبير والنقص الحاد في الكوادر لبناء نظم صحية حقيقية قادرة على تعزيز صحة المجتمعات، ومكافحة الامراض والأوبئة .

يتطلب ذلك الاستثمارات المباشرة في التعليم والتدريب والتنمية البشرية، والرفع من مستويات التعليم الطبي والتقني والإداري الصحي والفني الصحي بما يحقق مخرجات ومتطلبات المجتمعات والشعوب، ويتماشى مع التطور العلمي في الخدمات الصحية والتكنولوجيا المستخدمة في التجهيزات الطبية التشخيصية والعلاجية وتقنية المعلومات والرقمنة والإدارة الإلكترونية المصاحبة، وتطور أساليب الوقاية والعلاج.

 لتحقيق ذلك، على الجهات المسؤولة وضع السياسات القابلة للتنفيذ والتي تحقق إنتاج قوى عاملة صحية مؤهلة وقادرة، ووضع الإستراتيجيات والخطط والبرامج التنفيذية، مما يتطلب من الجهات المسؤولة في التخطيط والصحة والتعليم وغيرها فتح المجالات لبناء القوى العاملة الصحية المطلوبة وفق المعايير العالمية عددا وكفاءة وقدرات، والاهتمام برفع كفاءة كل القوى العاملة الصحية المنخرطة والتي تقوم بدورها في تقديم الخدمات رغم قلة أعدادها مع ضرورة تسوية اوضاعها، وتهيئة بيئات العمل لها ووضع برامج تحفيزيه مادية وعلمية واجتماعية، وتطوير مناهج وطرق واساليب التدريب؛

قد تحتاج بعض الدول تطبيق برامج التجسير للرفع من مستويات القوى العاملة الصحية لديها، وضرورة اعتماد سياسات وإستراتيجيات لتعويض النقص والفاقد لأي سبب، وحيث أن القوى العاملة الصحية هي الأكثر تضررا من الازمات والكوارث الصحية والمعرضة للأخطار الصحية المباشرة وآخرها كوفيد -19.

على الجهات المسؤولة تضمين ذلك في التشريعات والقوانين والاجراءات والأنظمة الإدارية والمالية لضمان حقوق العاملين الصحيين.

ان العالم وهو ينشد لتحقيق أهداف الرفاه والصحة في برامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة عام 2030. والعالم يمر بجوائح وبائية شرسة وحروب وصراعات، وتغيرات بيئية ومناخية أثرت على الإقتصاد العالمي، وتهدد بمجاعات مما يفاقم الازمات والكوارث الإنسانية والصحية والاجتماعية، ويهدد بأوضاع صحية قد تكون أكثر قسوة والتي تحتاج لإعطاء الأولويات للقوى العاملة الصحية وزيادة أعدادها اضعاف مضاعفة مما هو متوفر حاليا.

على كل الدول أن تسعى لتحقيق النسب التي اقرتها منظمة الصحة العالمية والمنظمات المختصة بالصحة والنظم الصحية والقوى العاملة الصحية، والتي تمثل الحد الادنى من ما يجب ان يتوفر، مع ضرورة ان تتخذ منظمة الصحة العالمية بالتعاون مع الجامعات العالمية جملة من السياسات والقرارات والإجراءات التي تلزم القطاع الصحي في كل دول العالم بمعايير ضرورية ونافذة لمناهج التعليم الطبي والصحي والاداري والفني والتقني، وكذلك شروط ومعايير ملزمة ونافذة لكل العملية التعليمية والتدريبية للاماكن والتجهيزات وأعضاء هيئة التدريس، والمعلمين والمدربين  والطرق والأساليب التعليمية والتدريبية، بما يضمن مخرجات لقوى عاملة صحية مؤهلة وقادرة.

على الجهات المعنية والمسؤولة في كل دولة ان تسعى الى توحيد برامج التعليم والتدريب الطبي والصحي وإعتماد شهادات مهنية علمية موحدة من خلال الجامعات والأكاديميات التعليمية المعتمدة والتي تسعى لتوطين العلوم والمعرفة وتدعم البحوث والدراسات لمواكبة التطورات العلمية في الخدمات الصحية الوقائية والتشخيصية والعلاجية والتأهيلية، لضمان تحقيق أهداف الرفاه والصحة والعافية للمجتمعات.

على جهات الاختصاص في قطاعات الصحة والخدمة المدنية والقوى العاملة والنقابات، والجمعيات المهنية ان تضع ضوابط محددة لأعداد الملاكات الوظيفية وجداول المرتبات مع مراعاة الجغرافية والمهارات الخاصة، وبيئة العمل، والظروف الاقتصادية والاجتماعية وفق الهياكل التنظيمية للقطاع الصحي التي تترجم النظام الصحي المرجو، والذي يحقق التغطية الصحية الشاملة لكل الناس وفي كل ربوع البلاد بعدالة ومساواة، معتمدا على قوى عاملة صحية كافية ولديها الكفاءة اللازمة وتغطي كل التخصصات المطلوبة لكل مستويات النظام الصحي من التعزيز للتأهيل، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحفيز القوى العاملة والاحتفاظ بها. 

ان العالم يمر بمتغيرات كبيرة وسريعة ومؤثرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية وكلها تدور في دائرة واحدة وعلى الجهات المعنية الاهتمام بالقطاع الصحي الذي يعزز قدرة المجتمعات على العمل والإنتاج وبناء الاقتصادات القوية، وتجاوز الأزمات، وإعطاء الأولوية للقوى العاملة الصحية التي تخلق الفارق الذي تنشده المجتمعات والشعوب بالتمتع بالصحة والعافية والرفاه، وعلى الشعوب الشابة ان توجه أبنائها الى التعليم والتدريب الطبي والصحي، وتطوير مهاراتها وقدرتها المعرفية لخلق قوى عاملة صحية تنافسية، ومؤهلة وذكية وقادرة على ان تهزم المرض، وتكافح الأوبئة، وتعزز صحة المجتمع، وتساهم في التطوير العلمي والتقني والتكنولوجي لما يخدم الإنسانية ويحافظ على البيئة والمناخ والحياة الانسانية السعيدة الخالية من الأمراض والأوجاع والآلام.

بالقوى العاملة الصحية الكافية والمؤهلة تُبنى النظم الصحية القوية وتستمر وتتطور بتحفيز العاملين الصحيين علميًا واقتصاديًا واجتماعيا.

على العالم ان يكثف الجهود لتضييق الفجوة الكبيرة من النقص الحاد في القوى العاملة الصحية، وضرورة تضافر الجهود لمساعدة الدول والشعوب ذات الدخول الضعيفة والمتوسطة لبناء قدرات قوى عاملة مؤهلة، لدعم نظمها الصحية، وعلى كل دول العالم وضع السياسات والإستراتيجيات لاستقطاب القوى البشرية للانخراط في منظومات قطاعات الأعمال الصحية وزيادة الاستثمارات في التعليم والتدريب الطبي والصحي والاداري والفني والتقني الموجه لقطاع الاعمال والخدمات الصحية.

تحية لملائكة الرحمة والجيوش البيضاء.

تحية لكل من يرسم البسمة والامل في الحياة.

تحية لكل العاملين في القطاعات الصحية والطبية والخدمات الإنسانية. 

تحية لكل من يتعرض للمخاطر لتحيا الأمم والشعوب بسلام وصحة وعافية. 

تحية لكل عالم وخبير وأستاذ ومعلم ومدرب صنع جهاز او اخترع دواء او لقاح او اي شيء خفف آلام المرضى وعجل بالشفاء او حسن من جودة الحياة.

الطب عمل انساني نبيل ويجب ان يكون ويستمر كذلك. وعلى القوى العاملة الصحية ان يكون هدفها تحقيق صحة ورفاه أمتها

بعض بلداننا العربية لها تاريخ عريق في التعليم الطبي وتأسست بها كليات الطب والتمريض منذ أكثر من قرن ويزيد وفتحت أبواب جامعاتها لكل الأشقاء بدون قيود أو مصاريف لعدة أجيال، لها منا الشكر والتقدير والامتنان ونعلم انها قادرة على بناء قدرات طبية وصحية عربية وغيرها لما تملكه من إمكانيات هائلة وقدرات تعليمية عظيمة.

أرجو من المعنيين الاهتمام بالتعليم الطبي والصحي وزيادة الاستثمار في التنمية البشرية لمضاعفة أعداد القوى العاملة الصحية المؤهلة.

وأرجو تدليل كل الصعاب الإدارية والعوائق المالية والإجراءات الروتينية الحكومية وغيرها في تكليف وتسكين الوظائف للمؤهلين الصحيين وتهيئة بيئة العمل لهم، وضع تدابير الحماية للقوى العاملة الصحية، وخصوصًا في الحروب والصراعات والحوادث وانتشار الأوبئة والأمراض. 

الصحة حق وأساس تنموي

والعاملون الصحيون حجر الأساس للنظم الصحي وجودة الرعاية الصحية

نعم قادرون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى