مقابلات

د. دنيا نخول

العناية المركزة لحديثي الولادة: رعاية متخصصة لإنقاذ حياة الأطفال الخدّج

د. دنيا نخول، الإستشارية في طب الأطفال حديثي الولادة في مركز كليمنصو الطبي في بيروت

يُحتفل بشهر سبتمبر من كل عام باعتباره شهر التوعية بوحدة العناية المركزة لحديثي الولادة (Neonatal Intensive Care Unit – NICU)، حيث تُعتبر الحياة داخل هذه الوحدة، رغم صعوباتها، مليئة بالتحديات. يُنظر إلى العمل في هذا المجال على أنه مهمة إنسانية لمساعدة الأطفال الذين وُلدوا قبل أوانهم على تجاوز التحديات وإيصالهم إلى بر الأمان. بالصبر والمثابرة والكفاءة العالية، يمكن التغلب على أية مشكلة لضمان مستقبل أفضل لهم. الدكتورة دنيا نخول، استشارية طب الأطفال حديثي الولادة في مركز كليمنصو الطبي في بيروت، تحدثنا عن أهداف حملة التوعية لهذا العام، مع الإضاءة على وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة  (NICU)والمخصصة للحالات التي تحتاج إلى رعاية خاصة، سواء كانوا خدجًا أو ولدوا في موعدهم.

ما هي الأهداف الرئيسية لهذه الحملة، ولماذا تُعتبر التوعية بهذا المجال ضرورية؟

يُعتبر شهر أيلول (سبتمبر) شهرًا عالميًا للتوعية بوحدة العناية المركزة لحديثي الولادة (NICU)، وهي فكرة انطلقت من الولايات المتحدة لتسليط الضوء على الأطفال الخدّج الذين يولدون قبل أوانهم ويعانون من صعوبات جمّة. يأتي هذا الشهر بالقرب من شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، وهو الشهر العالمي للخدّج.

للتوعية في هذا المجال أهمية قصوى، ويعد هذا الشهر مناسبة للاحتفال بهؤلاء الأطفال الذين تجاوزوا الصعاب الكبيرة التي واجهتهم خلال فترة بقائهم الطويلة في العناية المركزة، والتي قد تمتد لعدة أشهر، ونجحوا في مغادرتها بصحة جيدة؛ وتهدف الحملة كذلك الى تقدير الأهل الذين مرّوا بفترة عصيبة نفسيًا وجسديًا أثناء وجود أطفالهم في وحدة العناية المركزة، والاحتفال بصبرهم وقدرتهم على تخطي هذه المرحلة.

ولا ننسى طبعًا الإشادة بالكوادر الطبية وتسليط الضوء على جهود الفريق الطبي والتمريضي وخبراتهم المتميزة في التعامل مع هذه الحالات المعقدة، وقدرتهم على التنسيق بين الطفل والأهل والفريق الطبي ككل.

كما تهدف الحملة إلى عقد لقاءات تجمع بين الأهل الذين مرّوا بتجربة سابقة مع أطفالهم الخدّج في العناية المركزة، والأهل الذين يمرون بهذه التجربة حاليًا، لتبادل الخبرات وتقديم الدعم والنصائح. بالإضافة إلى ذلك، تُعد الحملة فرصة لتبادل المعرفة بين الفرق الطبية وتسهيل اندماج هؤلاء الأطفال في المجتمع.

ما الذي يميز وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة عن غرف الأطفال حديثي الولادة العادية لديكم في مركز كليمنصو الطبي؟

في سعي مركزنا المستمر في التزامه بتطبيق معاييرمستشفى صديق للطفل، نفخر بتركيزنا على تشجيع الرضاعة الطبيعية توافقامع مبادرة منظمة الصحة العالمية واليونيسيف، وتعزيز الرابط بين الأم وطفلها. في مستشفانا، لا توجد غرف عادية لحديثي الولادة، بل يتم نقل الطفل الذي لا يعاني من أي مشاكل صحية إلى غرفة الأم ليقضي وقته مع والدته، ما يسهل عملية الترابط ويعزز العلاقة بينهما ويسهل الرضاعة الطبيعية.

أما وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة (NICU)، فهي مخصصة للأطفال الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة، سواء كانوا خدّجاً أو ولدوا في موعدهم. في هذه الوحدة، يتم وضع كل طفل في حاضنة ((Incubatorمجهزة بالكامل لتناسب احتياجاته، مع تنظيم درجة الحرارة وتوفير الأكسجين والمعدات اللازمة. كما يتواجد فريق تمريضي متخصص لرعاية كل طفل، وقد يتم تخصيص ممرضة واحدة لكل طفل حسب حالته وحاجته.

مما يتألف الفريق الطبي الذي يعمل في هذه الوحدة؟ وهل يشمل ذلك اختصاصيين آخرين غير أطباء حديثي الولادة؟

إن الرعاية الصحية للأطفال حديثي الولادة تتطلب جهداً جماعياً، حيث لا يمكن للطبيب المتخصص أن يعمل بمفرده. يتألف فريقنا من مجموعة كبيرة من الخبراء، بدءاً من الاستشاريين في طب حديثي الولادة (Neonatologist)، مروراً بالأطباء المناوبين في المستشفى على مدار الساعة لمواجهة أي طارئ. كما يضم الفريق ممرضات ذوات خبرة عالية.

بالإضافة إلى ذلك، نستعين بالعديد من الاختصاصيين حسب حاجة الطفل، مثل اختصاصي الجهاز التنفسي للتعامل مع أية حالات طارئة، جرّاح الأطفال، أخصائي الأمراض الجرثومية، طبيب العيون، أخصائي الأنف والأذن والحنجرة، أخصائي أمراض القلب عند الأطفال، أخصائيي العلاج الطبيعي والنطق. هذا الفريق المتكامل ضروري لضمان تقديم أعلى مستوى من الرعاية الطبية الشاملة لحديثي الولادة.

ما هي أبرز حالات الولادة المبكرة التي تتعاملون معها؟ وما هي التحديات الرئيسية في رعاية هؤلاء الأطفال؟

تعتبر فترة الحمل الطبيعية 40 أسبوعًا، وأي طفل يولد قبل الأسبوع الـ35 يُعدّ طفلاً خديجًا يحتاج إلى رعاية مركزة. يمكننا في مركز كليمنصو الطبي التعامل مع أصغر الحالات، حيث أننا نجحنا مؤخرًا في رعاية طفل ولد في الأسبوع الـ23. كلما كان عمر الطفل ووزنه أقل، زادت التحديات التي نواجهها.

تتضمن أبرز التحديات التي تواجه الأطفال الخدج:

  • الالتهابات: تُعدّ العدو الأكبر للطفل الخديج بسبب ضعف جهازه المناعي، ما يجعل الالتهابات خطيرة وقد تؤدي إلى الوفاة.
  • الجهاز التنفسي غير المكتمل: تعد هذه المشكلة تحديًا كبيرًا، حيث نحتاج إلى مساعدة الطفل بالأكسجين وأجهزة التنفس حتى يتمكن من التنفس بشكل طبيعي.
  • الجهاز الهضمي والقلب: تُعد الأمعاء الصغيرة تحديًا عند إطعام الطفل، كما أن القلب يحتاج إلى اهتمام خاص.
  • نمو الجهاز العصبي: ويُعدّ الأهم، حيث يكون غير مكتمل عند الولادة. يجب علينا مراعاة عدة عوامل مثل السمع والبصر وطريقة التعامل مع الطفل لضمان نمو الجهاز العصبي بشكل صحي وتجنب أية مشاكل عصبية أو سلوكية في المستقبل.
  • النزيف: تُعدّ احتمالية حدوث النزيف من أكثر الأمور التي نخشاها.

على الرغم من التحديات الجسيمة التي تواجه رعاية الأطفال حديثي الولادة، إلا أن الخبرة العالية للفريق الطبي تلعب دورًا حاسمًا في تحقيق أفضل النتائج. إن كل طفل يولد قبل الأوان يمثل تحديًا فريدًا يتطلب معرفة عميقة ومهارات استثنائية. من التعامل مع الأجهزة الحيوية غير المكتملة إلى مكافحة الالتهابات، يُعدّ كل قرار يتخذه الفريق الطبي لحظة فارقة في حياة الطفل. إن الجمع بين المعرفة المتخصصة والتعاون الوثيق بين جميع أفراد الفريق هو ما يمكّننا من تجاوز هذه الصعوبات.

كيف يتم الاستعداد للطوارئ أو الحالات الحرجة التي قد تحدث فجأة؟

في مركز كليمنصوالطبي، نعتبر الاستجابة الفورية للحالات الطارئة أمراً أساسياً لتقديم أفضل رعاية ممكنة لحديثي الولادة. لهذا السبب، يتواجد لدينا طبيب أطفال مناوب على مدار 24 ساعة، ما يضمن أن يكون الدعم الطبي متاحاً في أي وقت. كما نفخر بتوفير خدمة متخصصة تسمى “Inhalation Therapy”، والتي تركز بشكل خاص على رعاية الجهاز التنفسي للأطفال الخدج، وهو أحد أكثر الأجهزة تأثراً بالولادة المبكرة.

عند حدوث أية مضاعفات مفاجئة لطفل في العناية المركزة، يتم تفعيل نظام استجابة سريع وفعّال. تقوم الممرضة المسؤولة بإطلاق نداء طوارئ يُعرف بـ “Trash Call”، وهو ما يستدعي كامل الفريق الطبي للحضور في غضون دقائق قليلة. هذا التنسيق السريع يضمن التعامل الفوري مع الحالة، ما يزيد من فرص نجاة الطفل واستقراره.

لا تقتصر جهودنا على الاستجابة للطوارئ فقط، بل نؤمن بأهمية التخطيط المسبق للولادات المبكرة.

عند توقع ولادة مبكرة، يتم التنسيق بين طبيب النساء والتوليد وطبيب الأطفال قبل الولادة. هذا التنسيق المسبق يتيح لنا تحضير كل المعدات والمستلزمات اللازمة مسبقاً، ما يجعل عملية استقبال الطفل أكثر سلاسة وأماناً. هذا النهج الاستباقي يقلل من المخاطر المحتملة ويوفر بيئة آمنة للطفل والأم على حد سواء. إن وجود هذه الأنظمة المتكاملة، من فريق مناوب على مدار الساعة إلى التنسيق المسبق للولادات، يعكس التزامنا بتقديم رعاية صحية شاملة ومتكاملة. نحن نؤمن بأن كل لحظة هي ثمينة في حياة الطفل، وأن سرعة الاستجابة وكفاءة الفريق هما العاملان الأساسيان في تجاوز التحديات وضمان أفضل النتائج الممكنة.

ما هي أحدث التقنيات والأجهزة الطبية المستخدمة في وحدة العناية المركزة بمركز كليمنصو الطبي لدعم حياة هؤلاء الأطفال؟

نولي أهمية كبرى لتوفير أحدث المعدات العالمية لضمان أفضل رعاية ممكنة. فقد قمنا مؤخراً بتجديد أجهزة التنفس الاصطناعي (Ventilators)،والتيتعتبرالأحدثعالمياً،وتتيحلنااستخدامعدةأنماطعلاجيةفيجهازواحد،مثلالتنفسالعادي

(Ventilation) والتنفس بالاهتزاز (Ventilation Oscillation). كما يمكننا إعطاء أدوية معينة عبر هذه الأجهزة، مثل أكسيد النيتريك (Nitric Oxide). بالإضافة إلى ذلك، تضم وحدة العناية المركزة للأطفال وحديثي الولادة حاضنات (Incubators) حديثة جداً، تتيح لنا التحكم الكامل في درجة الحرارة، وقياس وزن الطفل، وإجراء الفحوصات والتصوير، وحتى العمليات الجراحية الصغيرة داخلها.  كما نستخدم أحدث طرق التغذية الوريدية للأطفال الخدج، والتي تعرف بـ (Parenteral Nutrition)، بالتعاون مع فريق الصيدلية الداخلي. كل هذه الإجراءات تتم في إطار سياسة صارمة لمكافحة العدوى (Infection Control Policy)، والتي نطبقها بدقة وفقاً للمعايير العالمية لضمان سلامة أطفالنا.

أين تكمن أهمية تقديم الدعم النفسي والإرشاد للعائلات التي تمر بهذه التجربة الصعبة؟ وهل توجد برامج دعم خاصة بهم؟

إن دور الأهل، وخاصة الأم، لا يقل أهمية عن دور الفريق الطبي في رعاية الطفل الخديج. فغالباً ما تشعر الأم بالصدمة والخوف والقلق بعد الولادة، لذا نعتبر تقديم الدعم المعنوي للوالدين جزءاً أساسياً من عملنا، مع التأكيد على أهمية دور الأب أيضاً. نحرص على تشجيع الأهل على التواجد المستمر في وحدة العناية المركزة، حيث يُسمح لهم بالزيارة في أي وقت. نقوم بإشراكهم في رعاية الطفل، ونشرح لهم يومياً التطورات والصعوبات التي يمر بها بتفاصيل دقيقة، ونشاركهم شعورنا بالراحة أو القلق.  كما نشجعهم على لمس الطفل والتحدث معه عند استقرار حالته الصحية، ونحث الأم والأب على احتضانه عند السماح بذلك، فالتلامس الجلدي يعزز العلاقة بينهما.

عندما يصبح الطفل جاهزاً للخروج من المستشفى، ينتقل الدور الأكبر إلى الأهل. ولأنهم كانوا يعتمدون على الفريق الطبي لفترة طويلة، قد يشعرون بالخوف والقلق. هنا يأتي دورنا في تقديم إرشادات يومية حول كيفية رعاية الطفل، بالإضافة إلى الدعم النفسي لمساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة. ونحرص على توفير أرقام هواتف للتواصل المستمر معهم، وفي الحالات الصعبة، نساعدهم على التواصل مع أسر أخرى مرّت بنفس التجربة.

متى يتقرر خروج الطفل من الوحدة؟ وما هي النصائح والإرشادات التي تقدمونها للآباء لرعاية أطفالهم بعد العودة إلى المنزل؟

يعتمد قرار خروج الطفل من المستشفى على مجموعة من المعايير الدقيقة. يجب أن يكون الطفل قد وصل إلى عمر حملي يتراوح بين 35 و 36 أسبوعًا تقريبًا. كما أن وزن الطفل مهم جداً، فبالنسبة للأطفال الذين ولدوا بوزن منخفض، يجب أن يصل وزنهم إلى 1.8 كيلوغرام على الأقل.

نحرص على التأكد من أن الطفل لا يحتاج إلى أكسجين وأن تنفسه مستقر ومريح، بالإضافة إلى قدرته على التغذية الكاملة عن طريق الفم لمدة يومين أو ثلاثة أيام على الأقل. نأخذ بعين الاعتبار أيضاً مدى جاهزية الأهل، فإذا شعروا بالخوف من إطعام الطفل، فإننا نبقيه في العناية المركزة لفترة إضافية حتى يتمكنوا من تجاوز هذا القلق.

وقبل خروج الطفل، نقدم للأهل إرشادات مفصلة حول كيفية إطعامه، وتغيير حفاضاته، وموعد الاستحمام، ودرجة حرارة الغرفة المناسبة، وكيفية نقله في مقعد السيارة. ونؤكد لهم أهمية التواصل الفوري معنا في حال حدوث أي طارئ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى