مقابلات

الدكتورة كلارا شمعون

الإنصمام الرئوي: تشخيص متطور وعلاج فعّال

الدكتورة كلارا شمعون، الأخصائية في الأمراض الصدرية والعناية الفائقة  في مركز كليمنصو الطبي في بيروت

لقد شهدت أساليب تشخيص الإنصمام الرئوي ووعي الأطباء به تطورًا ملحوظًا، مدفوعًا بالفهم المتزايد لخطورة مضاعفاته المحتملة؛ وتكمن الأهمية القصوى في الحصول على العلاج المناسب في الوقت المناسب لتجنب المضاعفات الحادة. الدكتورة كلارا شمعون، الأخصائية في الأمراض الصدرية والعناية الفائقة في مركز كليمنصو الطبي في بيروت، تحدّثنا عن هذه الحالة المرضية وأبرز سبل التشخيص المتطورة المتوفرة في المركز حيث يوفر مجموعة متكاملة من الفحوصات وأجهزة التصوير عالية الدقة. وفي ما يلي نص الحوار.

كيف يحدث الإنصمام الرئوي؟ وما هي أبرز أسبابه؟

الإنصمام الرئوي هو حالة خطيرة تحدث عندما تتكوّن جلطة دموية في شرايين الرئة، سواء في الشرايين الصغيرة أو الرئيسية. غالبًا ما تصيب هذه الحالة الأشخاص الذين لديهم عوامل  خطر مثل من يعانون من أمراض تخثر الدم، أو مرضى السرطان، أو الذين لديهم أمراض مناعية تزيد من خطر التجلطات. كما يمكن أن يحدث الإنصمام الرئوي بسبب اضطرابات في ضربات القلب غير المنتظمة.

بالإضافة إلى الأسباب المرضية، يعتبر الخمول وعدم الحركة لفترات طويلة عاملًا رئيسيًا، مثلاً: بعد العمليات الجراحية، أو السفر الطويل، أو الجلوس لساعات طويلة في السيارة. تزيد عوامل الخطر هذه من احتمالية الإصابة بالانصمام الرئوي بشكل ملحوظ. ومع ذلك، من المهم معرفة أن الإنصمام الرئوي يمكن أن يحدث أيضًا لدى الأشخاص الذين لا يعانون من هذه العوامل، وإن كان بنسبة أقل، خاصة بعد فترات طويلة من عدم الحركة التي تبطئ الدورة الدموية.

للوقاية من الإنصمام الرئوي، خاصة بعد العمليات الجراحية، يُنصح المرضى بارتداء جوارب ضاغطة. كما نُشدد على أهمية الحركة والنشاط قدر الإمكان. في بعض الحالات، قد يصف الأطباء أدوية مميعة للدم (مضادات التخثر) للمساعدة في سيولة الدم، أو يتم استخدام أجهزة الضغط المتقطع (compressive devices) التي تقوم بتدليك الأطراف للحفاظ على نشاط الدورة الدموية.

ما هي الأعراض الأكثر شيوعًا التي قد يعاني منها المريض المصاب بالانصمام الرئوي؟

تتفاوت الأعراض بشكل كبير حسب شدة الحالة (خفيفة، متوسطة، أو شديدة).

في الحالات الخفيفة، قد لا يشعر المريض بأية أعراض على الإطلاق أو يشعر بوخزة صغيرة بدون ظهور أعراض واضحة، وتمر الجلطة من دون أي شكوى، حيث تؤثر فقط على الشرايين الصغيرة جدًا. ورغم بساطتها الظاهرية، يجب على الأطباء التعامل معها بجدية نظرًا لوجود عوامل خطر كامنة لدى المريض.

هذه الحالة الخفيفة قد تتضمن أعراضها ضيقًا خفيفًا في التنفس، سعالًا، أو بصق الدم. وقد يحتاج المريض إلى كميات قليلة من الأوكسجين من دون تأثير كبير على حالته العامة. ومع ذلك، من الأهمية أن يقوم الأطباء بالتعامل مع هذه الحالات بجدية لأنها غالبًا ما تكون مؤشرًا لوجود عوامل خطر للإصابة بجلطات رئوية مستقبلية. أما الحالات المتوسطة، فتؤثر على الجانب الأيمن من القلب، ما يعيق عملية ضخ الدم. يصل المريض في هذه الحالات عادةً وهو يعاني من انخفاض في ضغط الدم، دقات قلب سريعة، ضيق في التنفس، ونقص في مستوى الأوكسجين.

في المقابل، هناك جلطات خطيرة جدًا قد تتسبب في أزمة قلبية حادة وقد تصل إلى خطر الوفاة. تُعد الجلطات الرئوية الشديدة من الحالات الطبية الطارئة والمهددة للحياة، وتتطلب تدخلًا فوريًا. فعندما تسد جلطة كبيرة الشرايين الرئوية، يزداد الضغط على البطين الأيمن للقلب بشكل هائل، ما يؤدي إلى إجهاده وضعف قدرته على ضخ الدم، وينتج عنه قصور حاد في القلب الأيمن.

هذا القصور يتسبب في انخفاض حاد بتدفق الدم إلى الجسم كله، وقد يؤدي إلى صدمة دورية (Cardiogenic Shock) تتميز بانخفاض شديد في ضغط الدم، تسارع ضربات القلب، وارتباك، وقد يصل الأمر إلى سكتة قلبية مفاجئة ووفاة.

لذا، من الضروري طلب المساعدة الطبية الطارئة فورًا عند ظهور أعراض مثل ضيق مفاجئ وشديد في التنفس، ألم حاد في الصدر، تسارع ضربات القلب، دوخة أو إغماء، سعال مصحوب بدم، انخفاض ضغط الدم، أو ازرقاق الشفاه أو الأطراف، فالكشف والتدخل السريع يلعبان دورًا حاسمًا في إنقاذ حياة المريض وتجنب المضاعفات الخطيرة.

كيف يتم تشخيص الإنصمام الرئوي في مركز كليمنصو الطبي؟

لقد شهدت أساليب التشخيص تطورًا كبيرًا، ويفتخر مركز كليمنصو الطبي في بيروت بامتلاكه أحدث هذه التقنيات التي تتيح دمج فحوصات عدة لتشخيص دقيق وشامل. فبالإضافة إلى التصوير الملون عالي الدقة للرئتين (CT pulmonary angiography) وفحص التهوية والتروية (Ventilation-Perfusion Scan)، يتم الاستعانة فحص شرايين الأطراف السفلى بالأشعة فوق الصوتية مع دوبلر، وذلك لأن الجلطات غالبًا ما تبدأ في الساقين وتنتقل صعودًا إلى الرئتين. كما يُجرى صورة صوتية للقلب لتقييم أي تأثير للجلطة على وظيفة القلب. هذه المجموعة المتكاملة من وسائل التشخيص المتقدمة والمحددة تضمن دقة عالية في الكشف عن الإنصمام الرئوي وتحديد مدى خطورته.

لتشخيص الإنصمام الرئوي، يعتمد الأطباء على مجموعة من الفحوصات، تختلف بحسب مستوى الشك في وجود الجلطة.

في حال كان الاشتباه ضعيفًا لوجود جلطة، يمكن إجراء فحص دم ”D-dimer“، وإذا كانت نتيجة هذا الفحص سلبية، فإن ذلك يساعد الأطباء على استبعاد احتمالية وجود جلطة رئوية بشكل كبير.

أما إذا كان هناك شك كبير بوجود الجلطة، يتم الانتقال مباشرة إلى صورة ملونة للرئتين (CT pulmonary angiography) التي توفر رؤية واضحة للشرايين الرئوية وتكشف عن وجود الجلطات. بالإضافة إلى ذلك، يلعب فحص الأوكسجين في الدم (ABGs) دورًا مهمًا. عندما تؤثر الجلطة على مستويات الأوكسجين، يظهر خلل في توازن الغازات في الدم. إذا كانت نسبة ثاني أوكسيد الكربون منخفضة بشكل غير متوقع، فإن ذلك يزيد من الشك بوجود جلطة، ويدفع الأطباء لطلب الصورة الملونة. ومع ذلك، لا يمكن إجراء الصورة الملونة دائمًا؛ ففي بعض الحالات مثل وجود مشاكل في الكلى أو حساسية تجاه المادة الملونة، يتم تجنبها وتأجيلها كخيار أخير.

في الحالات التي يكون فيها الشك كبيرًا ولكن لا يمكن إجراء الصورة الملونة (كالمريضات الحوامل أو من لديهم موانع طبية)، يمكن اللجوء إلى فحوصات بديلة مثل فحص التهوية والتروية الرئوية (Ventilation-Perfusion Scan أو V/Q Scan).

ما هي العلاجات المتوفرة للانصمام الرئوي؟

يعتمد العلاج الأساسي للانصمام الرئوي بشكل رئيسي على أدوية سيولة الدم (مضادات التخثر) بعد الإستشارة الطبية. يجب التحقق من وجود عوامل أخرى على سبيل المثال، لدى كبار السن، قد يتطلب الأمر البحث عن سرطان غير ظاهر، أو أمراض مناعية مثل الذئبة الحمراء وغيرها، أو اضطرابات تخثرية، وذلك ليس بالضرورة لحظة حدوث الجلطة ولكن في فترة لاحقة للمراقبة والتشخيص الدقيق. وبغض النظر عن السبب، يبقى علاج سيولة الدم هو الأساس. في الحالات المتوسطة أو الخطيرة، يجب أن يبقى المريض في المستشفى للمراقبة الدقيقة.

قد يبدأ العلاج بالحقن، وعند استقرار حالة المريض وقدرته على مغادرة المستشفى، يمكن الانتقال إلى الأقراص الفموية التي أثبتت فعاليتها كالتي تُعطى بالحقن. يتم تحديد نوع الحبوب وجرعتها بشكل شخصي لكل مريض بناءً على عمره، حالته الصحية، ووزنه.

ومع ذلك، هناك استثناءات؛ فمثلاً، المرضى الذين يعانون من أمراض مناعية معينة مثل متلازمة أضداد الفوسفوليبيد (antiphospholipid syndrome) يجب أن يتلقوا أدوية السيولة عن طريق الحقن بشكل أساسي. وإذا تقرر إعطاؤهم أقراصًا، فيقتصر العلاج على دواء معين الذي يعمل على فيتامين K. في هذه الحالات الخاصة، من الضروري إجراء فحوصات متخصصة لهذا المرض قبل البدء بالعلاج، ويجب أن يلتزم هؤلاء المرضى بالحقن أو بهذا النوع المحدد من الأدوية الفموية فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى