أمراض وعلاجات

ما جديد اختبارات الكشف المبكر عن السرطان؟

ما جديد اختبارات الكشف المبكر عن السرطان؟

يشهد مجال الكشف المبكر تحولًا كبيرًا يتخطى الأساليب التقليدية ليعتمد على استراتيجيات شاملة مدعومة بالذكاء الاصطناعي وفحوصات الدم متعددة الأنواع، فأصبح بالإمكان تحديد الأورام في مراحلها الأولية للغاية، أو حتى قبل ظهور أي أعراض على المريض.

تكمن أهمية الكشف المبكر عن السرطان في قدرته على تحديد الأورام في أدق مراحلها، ما يعزز فرص الشفاء التام بشكل ملحوظ ويوفر خيارات علاجية أوسع وأقل توغلاً وأكثر فعالية، وبالتالي يقلل من الحاجة للعلاجات المكثفة التي قد تسبب آثاراً جانبية شديدة. هذا التقدم، المدعوم بالتقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي وفحوصات الدم المتطورة، يتيح إمكانية الكشف المبكر حتى قبل ظهور أي أعراض واكتشاف المرض في مراحله الأولى، وبالتالي التدخل العلاجي في وقت حاسم ما يساهم في تحسين جودة حياة المرضى وتمكينهم من العودة السريعة إلى أنشطتهم الطبيعية.

الخزعة السائلة

إن اختبارات الخزعة السائلة الحديثة قادرة بالفعل على اكتشاف إشارات من عدد كبير من أنواع السرطان (أكثر من 50 نوعاً). هذا يجعلها ذات قيمة لا تقدر بثمن للكشف المبكر عن أنواع السرطان المتعددة خاصة بالنسبة للسرطانات التي تفتقر حالياً إلى طرق فحص روتينية فعالة.

تمثل الخزعات السائلة قفزة نوعية في مجال طب الأورام، ليس فقط لقدرتها على الكشف المبكر عن السرطان، بل أيضاً لدورها المحوري في توجيه العلاج ومراقبة الاستجابة وتحديد عودة المرض بدقة غير مسبوقة. تعتبر الخزعات السائلة، خاصة تلك التي تكشف عن الحمض النووي للورم المتداول (ctDNA)، في طليعة هذه الثورة. فعندما تنمو الخلايا السرطانية وتموت، فإنها تطلق أجزاء صغيرة من حمضها النووي في مجرى الدم. هذه الأجزاء، المعروفة باسم ctDNA، تحمل الطفرات الجينية الفريدة للسرطان.

على عكس الخزعات التقليدية التي تتطلب إجراءات جراحية (غالباً ما تحتاج إلى جراحة)، تتطلب الخزعة السائلة ببساطة سحب عيّنة دم. هذا يجعلها أكثر أماناً وأقل إيلاماً وأكثر ملاءمة للمرضى. يمكن أن يكون ctDNA موجوداً في الدم حتى عندما يكون الورم صغيراً جداً بحيث لا يمكن رؤيته في فحوصات التصوير التقليدية (مثل الأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي). هذا يعني أن الخزعات السائلة يمكنها اكتشاف السرطان قبل أشهر أو حتى سنوات من الطرق التقليدية.

لا تقتصر الخزعات السائلة على الكشف الأولي. بل يمكن استخدامها أيضاً من أجل مراقبة فعالية العلاج حيث  يمكن أن يشير الانخفاض في مستويات ctDNA إلى أن العلاج يؤتي ثماره، الكشف عن الحد الأدنى من المرض المتبقي فحتى بعد الجراحة أو العلاج الناجح، قد تبقى خلايا سرطانية دقيقة. تتميز الخزعات السائلة بحساسية عالية في الكشف عن هذه الآثار الدقيقة، ما يسمح بالتدخل المبكر إذا لزم الأمر.

كما يمكن استخدامها في مراقبة الانتكاس؛ بالنسبة للمرضى الذين أتمّوا علاج السرطان، يمكن للخزعات السائلة أن تتحقق بانتظام من علامات عودة السرطان، وغالباً ما يكون ذلك قبل ظهور الانتكاس في الفحوصات.

بالإضافة إلى ذلك، من خلال تحليل الطفرات الجينية المحددة في ctDNA يمكن للأطباء الحصول على ملف جزيئي شامل لورم المريض. هذه المعلومات حاسمة من أجل تحديد أدوية معينة مصممة لمهاجمة تلك الطفرات بالذات، وفهم مقاومة الأدوية من خلال تتبع كيفية تغير جينات الورم بمرور الوقت، ما يمكن أن يساعد في تفسير سبب توقف العلاج عن العمل وبالتالي تقديم استراتيجيات علاجية جديدة.

اختبار Shield لسرطان القولون والمستقيم

هذا الاختبار، الذي وافقت عليه السلطات الصحية الأميركية، يُعد الأول من نوعه كاختيار أولي للفحص عن سرطان القولون والمستقيم. يوفر بديلاً للأشخاص الذين قد يترددون في إجراء منظار القولون، ويساعد في زيادة معدلات الفحص. يعتمد الاختبار على تقنية الخزعة السائلة، حيث يبحث عن تغيرات في الحمض النووي الخالي من الخلايا (cell-free DNA – cfDNA) الذي يطلقه السرطان أو السلائل الكبيرة (الأورام الحميدة التي يمكن أن تتحول إلى سرطانية) في مجرى الدم. يتم إجراء الاختبار ببساطة عن طريق سحب عينة دم. يقوم الاختبار بعد ذلك بتحليل أنماط التغيرات الجينية والكيميائية للحمض النووي (مثل أنماط المثيلة) التي تشير إلى وجود خلايا سرطانية أو آفات ما قبل سرطانية في القولون أو المستقيم.

يمتاز الاختبار بقدرته على الكشف المبكر عن السرطان من خلال تحديد الحمض النووي الذي تطلقه الخلايا السرطانية في الدم حتى في مراحله الأولية جدًا. وقد حصل الاختبار على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) كخيار فحص أولي، مع الإشارة هنا إلى انه ليس بديلاً كاملا عن منظار القولون.

اختبار PAC-MANN لسرطان البنكرياس

أظهرت الأوراق البحثية والبيانات التأسيسية دقة عالية في الكشف المبكر عن سرطان البنكرياس، خاصة عند دمجه مع مؤشر CA 19-9 حيث يتميز بقدرة ممتازة على استبعاد الحالات غير السرطانية. لا تزال تقنية PAC MANN في المرحلة البحثية والتجارب السريرية، ولم تُعتمد بعد كاختبار تشخيص روتيني في المستشفيات. إنه من الابتكارات الواعدة للغاية في مجال الكشف المبكر عن سرطان البنكرياس، وهو سرطان يصعب تشخيصه في مراحله الأولى. يعتمد هذا الاختبار على منهج فريد من نوعه حيث يركز على قياس نشاط إنزيمات البروتياز في الدم، وهي إنزيمات تصبح أكثر نشاطًا في وجود سرطان البنكرياس. يركز اختبار PAC-MANN على البروتياز (Proteases)، حيث تلعب هذه الإنزيمات دورًا حيويًا في العديد من العمليات الخلوية، ولكن في سياق السرطان يمكن أن تُفرط الخلايا السرطانية في إنتاجها أو تفعيلها بطرق تسهم في نمو الورم وانتشاره. يستخدم الاختبار مستشعرات نانوية مغناطيسية (magnetic nanosensors) تتفاعل مع نشاط هذه الإنزيمات. عندما تكون إنزيمات البروتياز المرتبطة بالسرطان نشطة، فإنها تقوم بقص (cleave) أو تحطيم جزيئات معينة في المستشعر، ما يؤدي إلى إشارة فلورية يمكن قياسها. شدة الإشارة تتناسب طرديًا مع نشاط الإنزيمات، وبالتالي مع وجود السرطان. وعندما يُدمج اختبار PAC-MANN مع مؤشر الأورام التقليدي CA 19-9 الذي غالبًا ما يرتفع في حالات سرطان البنكرياس ولكنه ليس دقيقًا بما يكفي وحده للكشف المبكر، تصل دقته في الكشف عن سرطان البنكرياس في مراحله المبكرة إلى %85 ؛ هذه القفزة في الدقة حاسمة لأن الكشف المبكر هو العامل الأكثر أهمية في تحسين نتائج علاج سرطان البنكرياس.

الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء في تشخيص السرطان عبر دمج تقنيات متقدمة في تحليل الصور الطبية، علم الأنسجة، والفحوصات غير الغازية، مع دعم اتخاذ القرار، ما يؤدي إلى تشخيص أسرع وأكثر دقة. في ما يتعلق بالصور الإشعاعية، يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل الصور (مثل الأشعة المقطعية، الرنين المغناطيسي، والماموغرام) من خلال شبكات عصبية عميقة، يكتشف بها أورامًا دقيقة لا تُرى بسهولة بالعين البشرية، ويُبرزها بالألوان لتقييم احتمالية السرطان، مما يمكّن الأطباء من تحديد الحاجة لفحص إضافي أو متابعة فورية.

أما في علم الأنسجة الرقمية، فيتم استخدام الـ  AI لتحليل شرائح عيّنات الأنسجة (الأنسجة الكاملة الممسوحة ضوئيًا) وتشخيص أنواع السرطان مثل البروستاتا والثدي بدقة.

من جهة أخرى، تُعد الفحوصات غير الغازية مثل “liquid biopsy” ثورة جديدة، حيث يحلل AI  فحص الدم ويبحث عن مركبات مثل الحمض النووي الحر – ctDNA/ cfDNA، RNA، والبروتيناتليكشف وجود خلايا سرطانية ظاهرة في مراحل مبكرة أو قبل ظهور الأعراض، ويتيح متابعة دقيقة لتطور المرض واستجابة العلاج. في بيئة العمليات الجراحية وتنظير القولون، تُستخدم تقنيات مثل تحليل الصور الطيفية الفورية داخل الجسم والتشخيص المباشر بواسطة الـ AI، ما يقود إلى تمييز أكثر دقة بين الأنسجة السليمة والسرطانية، وتحسين نتائج الجراحة.

نتيجة لهذا التكامل، أصبح الذكاء الاصطناعي بمثابةعين ثانيةللطبيب، يُسهم في تحليل أضخم كميات بيانات طبية بسرعة ودقة، ما يحسّن احتمالات العلاج المبكر ويُخفّض معدلات التشخيص الخاطئ، مع التأكيد على أن دوره تكميلي لا بديل عنه، ويجب أن يُشرف عليه الكادر الطبي دائمًا لضمان السلامة والجودة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى