أمراض وعلاجات

السمنة.. آثار صحية … ونفسية؟

السمنة.. آثار صحيةونفسية؟

تُعرف بأنها زيادة مفرطة في تراكم الدهون بسبب اختلال التوازن بين السعرات الحرارية التي تدخل الجسم والسعرات الحرارية التي يحرقها.

خطورة السمنة لا تتعلق بالمظهر الخارجي فحسب، بل تتخطى ذلك إلى العديد من الأمراض كالسكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والشرايين، وبعض أنواع السرطان والتهاب المفاصل. ومن المعروف أن تحديد معدل السمنة لدى كل شخص يعتمد على مؤشر كتلة الوزن (BMI) الذي يشمل تقييم الوزن بالنسبة للطول، محيط الخصر، جداول الطول ومبنى الجسم، ومنحنيات النمو وغير ذلك. 

بداية العلاج تكون أولاً باتّباع نمط غذاء صحي ومتوازن تحت إشراف طبي مع ضرورة ممارسة الرياضة لأنها أهم الطرق لتسريع عملية التمثيل الغذائي. النظام الغذائي لمثل هذه الحالات يجب ان يشمل الأطعمة الغنية بالألياف لأنها تبطئ امتصاص السكر من الأمعاء بعد وجبة الطعام فتساعد على توازن مستويات السكر في الدم، وتسهم كذلك في تقليل مستويات الدهون في الدم وتنظيم عمل الأمعاء وزيادة الشعور بالشبع. 

على صعيد آخر، فان العلاج لا يكتمل إلا بالرياضة مثل المشي ولو لنصف ساعة خمس مرات أسبوعيا أو ركوب الدراجة الهوائية.  الطعام الصحي مع ممارسة الرياضة هما العلاج لاضطراب عملية التمثيل الغذائي فيرفعان من كفاءتها وبالتالي يخسر المريض وزنه الزائد.

آثار نفسية

تسبب السمنة آثار ومشاكل نفسية منها عدم الرضى عن شكل الجسد وتدني احترام الذات، وصعوبات في العمل والحياة الاجتماعية، فترتفع معدلات الاكتئاب أو القلق في الغالب نتيجة الوصمة المحيطة بهذا المرض.

تسبب السمنة الخجل الاجتماعي فيعاني الشخص من نظرة الآخرين له وانتقادهم وتعليقاتهم السلبية على شكله، فيحاول تجنب الإختلاط وعدم اكتساب أصدقاء نظراً لشعوره بالحرج الشديد.

هذا الشعور ينتج عنه القلق والخوف من إحساسه بالخطر المحدق به في كل لحظة يلتقي بها بأحد ما.

ونتيجة شعوره بعدم القدرة على التحكم في وزنه، يشعر الشخص السمين بقلة الحيلة والعجز عن السيطرة على شهوة الطعام، والرغبة الملحّة لديه بالتهام كميات من الطعام، تصل أحياناً إلى حد السلوك القهري غير القابل للسيطرة.

الكآبة هي النتيجة الطبيعية لكل ما يمر به من ضغوط حياتية وخصوصاً الضغوط المزمنة المتواصلة التي يشعر الإنسان بعدم قدرته على التعامل معها والتخلص منها أو التكيف معها، فيُقارن نفسه بالآخرين مما يتسبب في تدني ثقته بنفسه وبمظهره الخارجي.  فقد تبيّن أن السمنة تسبب الاكتئاب حيث أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة أكثر عرضة للإصابة بالإكتئاب مقارنة بمن لا يعانون من السمنة، كما تبيّن أن الأشخاص الذين يعانون من أعراض الإكتئاب كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسمنة. فالسمنة قد تزيد من خطر الإصابة بالإكتئاب، كما أن الإكتئاب يزيد بدوره من خطر الإصابة بالسمنة، إذ إنه قد يدفع الشخص المريض إلى تبني سلوكيات غير صحية، على غرار الإفراط في تناول الطعام أو الخمول.

نتائج الدراسات في هذا المجال توصلت إلى أن نسبة البالغين المصابين بالسمنة ارتفعت مع زيادة شدة الاكتئاب؛ والعكس صحيح، فقد وجدت إحدى الدراسات أن خطر الإصابة بالإكتئاب يزيد لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة وتظهر بعض الدراسات أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والسمنة من الرجال.

الدراسات إذن لم تثبت ما إذا كان الإكتئاب سبباً في زيادة الوزن لأن هناك العديد من العوامل التي يجب مراعاتها، فقد تكون السمنة سبب الإكتئاب في بداية الأمر ومع مرور الوقت يساعد الاكتئاب على مضاعفة السمنة فتصبح الحالة أكثر سوءًا. في المقابل، أظهرت بعض الأبحاث إلى أن الأشخاص المصابين بالإكتئاب أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائي، والتي تنشأ من مقاومة الأنسولين بسبب زيادة مستويات دهون البطن. كما يمكن أن تؤدي بعض الأدوية المستخدمة في علاج أحدهما إلى حدوث الآخر، فمثلا بعض أدوية الإكتئاب تسهم في اكتساب الوزن كما يمكن أن تؤدي علاجات إدارة الوزن إلى تقلبات عاطفية عند التعرض للفشل أو الإنتكاسة فيصبح الشخص مكتئبًا.

ولكن، ما الذي يأتي أولاً؟

يبدو أن الأمر ليس واضحاً ولكن يتفق الخبراء على أنهما يسيران جنباً إلى جنب بحيث يغذي أحدهما الآخر؛ زيادة الوزن وعدم ممارسة التمارين الرياضية الكافية قد تؤدي إلى ظهور أعراض الإكتئاب، تماماً كما يؤدي الاكتئاب إلى الإفراط في تناول الطعام وقلة النشاط وبالتالي يزيد وزن الجسم.  الإكتئاب يؤدي إلى الحزن واليأس والقلق، كل ذلك قد ينتج عنه الإفراط في تناول الطعام، والامتناع عن ممارسة التمارين الرياضية والشعور بحماس أقل لاتباع نظام غذائي. فعند تعرض أحد الأشخاص إلى ضغط نفسي ينتج عنه الإجهاد المزمن أو التوتر أو القلق، يفرز الجسم هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر) الذي يدفع الجسم إلى ترسّب الدهون حول البطن، وتزداد كذلك احتمالية الإفراط في تناول الطعام لتلبية الاحتياجات العاطفية، وخاصة إذا كان القلق مرتبطًا بزيادة الوزن يأكل المريض أكثر وأكثر، وتزداد الحالة سوءًا ويصعب التحكم فيها.

آلية العلاج

لابد من الدمج بين العلاج السلوكي لفقدان الوزن وعلاج مشكلات الإكتئاب، واستخدام مضادات الإكتئاب إن لزم الأمر، فقد تبيّن أن العلاج المكثف الذي يجمع بين علاج إنقاص الوزن وعلاج الإكتئاب أدى إلى تحسينات كبيرة في الوزن والمزاج والتقليل من عوامل الخطر القلبية مقارنة بالعلاجات التي تستهدف علاج كل منهما على حدة. العلاج النفسي والتدخلات النفسية السريرية عنصران أساسيان في إنقاص الوزن ويسهمان في تعديل نمط حياة المريض وتحفيزه على التخلص من السمنة، بالإضافة إلى مساعدته في التخلص من الشعور بالتنمر أو غيرها من الأمور التي تؤدي إلى المشكلات النفسية، وقد أشارت الدراسات إلى إخفاق الكثير من أساليب إنقاص الوزن حتى مع الأساليب الجراحية دون استخدام العلاج النفسي.

آثار صحية

أما آثار السمنة الصحية فحدّث بلا حرج؛ السكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم، وضيق التنفس والشخير، وآلام المفاصل، والوهن، واضطرابات القلق، والسكتات القلبية وبعض أنواع السرطان. فالسمنة تؤثر على كل جزء من الجسم.

الجهاز التنفسي

يعاني الشخص السمين من مشاكل في الجهاز التنفسي وتؤثر على عملية التنفس خصوصاً أثناء النوم وقد يصل الأمر إلى توقف التنفس أثناء النوم لأن الدهون المخزنة حول الرقبة تجعل مجرى الهواء صغيراً.

الجهاز الهضمي

ارتجاع المريء من المشاكل والمضاعفات الناتجة عن زيادة الوزن والتي تحدث بسبب ارتفاع حمض المعدة للمريء والشعور بحرقة في الجزء السفلي من الصدر. ويمكن أن يعاني الشخص السمين من قرحة المعدة التي تُعرف بقرحة الإثني عشر التي تصيب المعدة والأمعاء الدقيقة نتيجة افراز كمية كبيرة من الحمض الهاضم بسبب الكميات الكبيرة من الطعام الغير صحي.

أمراض القلب 

في حالات السمنة أو السمنة المفرطة، يحتاج القلب إلى بذل المزيد من الجهد لضخ الدم في جميع أنحاء الجسم، وهذا يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، الذي يعد بدوره السبب الرئيس لأمراض القلب والأوعية الدموية وقد يصل الأمر الى السكتة الدماغية.

السكري من النوع الثاني

السمنة تسهم في جعل خلايا الجسم تقاوم الأنسولين وهو هرمون ينقل السكر من الدم إلى الخلايا لتجديد الطاقة. مقاومة الانسولين تعني أن خلايا الجسم لا تحصل على السكر فترتفع معدلاته في الدم ويزيد من خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني. يرتبط مرض السكري من النوع الثاني بمجموعة من المشكلات الصحية الأخرى، بما في ذلك أمراض القلب وأمراض الكلى والسكتة الدماغية والبتر والعمى. كما يمكن لارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول في الدم وارتفاع نسبة السكر في الدم أن يعرقل عمل الأوعية الدموية التي تنقل الدم إلى القلب، ويمكن أن تزيد الشرايين المتصلبة من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية، كما يعد مرض السكري وارتفاع ضغط الدم من الأسباب الشائعة لمرض الكلى المزمن.

العظام والمفاصل

يمكن أن تؤدي السمنة إلى هشاشة العظام فتزداد مخاطر الإصابة بالكسور والإعاقة الجسدية ومقاومة الأنسولين. كما يمكن للوزن الزائد أن يضع ضغطاً كبيراً على المفاصل، ما يؤدي إلى الألم.

الجلد

يمكن أن تؤدي زيادة الوزن إلى مقاومة الأنسولين، وقد ينتج عن ذلك بقعاً داكنة على الجلد، خاصة في المناطق التي تطوى فيها الجلد وتتداخل مثل الركبتين والمرفقين والفخذ والإبطين والرقبة، قد تظهر البقع رمادية أو بنية أو سوداء.من أضرار السمنة أيضاً حبس الرطوبة في الجلد، والتي قد تصبح أرضًا خصبة للبكتيريا والفطريات، حيث أن الطفح الجلدي أو الحكة يمكن أن ينتج عنها احمرار وكسر في الجلد يمكن أن ينزف أو يصبح حكة أو يجعل الشخص أكثر عرضة للإصابة بعدوى الخميرة.

العقم

يمكن للسمنة أن تؤثر على الخصوبة بقدر كبير لأن الخلايا الدهنية لها تأثير مدمر على الهرمونات المسؤولة عن الخصوبة والإنجاب. كما تؤثر السمنة على خصوبة الرجال لأن الرجال الذين يعانون من السمنة هم أكثر عرضة لانخفاض عدد الحيوانات المنوية مقارنة بالرجال الذين يتمتعون بوزن طبيعي.

السرطان

تزيد السمنة من خطر الإصابة بالعديد من أنواع السرطان بما في ذلك سرطان بطانة الرحم والكبد والكلى وعنق الرحم والقولون والمريء وسرطان البنكرياس، فكلما زاد مؤشر كتلة الجسم زاد خطر الإصابة بالسرطان.

علاج السمنة

يعتمد علاج السمنة على إجراء تعديلات تدريجية لنمط الحياة بناءً على نظام غذائي متوازن ونشاط بدني. لإنقاص الوزن بنجاح، فإن البداية دوماً تكون بإدارة النظام الغذائي حيث يجب تقليل كمية الطعام المستهلكة بمقدار الثلث أو النصف، وتعديل نوعية الطعام من خلال تقليل الدهون والأطعمة الدسمة والغنية بالسعرات الحرارية.

ممارسة التمارين الهوائية مثل المشي والركض والسباحة وغيرها لمدة 150 دقيقة أسبوعياً بمعدل 30 دقيقة 5 مرات في الأسبوع. من الممكن الاعتماد على فئة من الأدوية التي تعمل على علاج السمنة وإنقاص الوزن. تصرف هذه الأدوية بموجب وصفة طبية فقط لمن تتجاوز قيمة مؤشر كتلة الجسم لديهم 30 أو 27 مع الإصابة بأحد أمراض السمنة؛ تؤدي الأدوية إلى فقدان الوزن بشكل مقبول ولكن ليس أفضل من الحمية الغذائية وممارسة الرياضة.  مع الإشارة إلى أنه لا يمكن للحامل أو المرضعة أو من تخطط للحمل استخدام هذه الأدوية.

الدعم النفسي

على مريض السمنة أن يدرك أن النظام الغذائي الصحي والتمارين الرياضية هي نمط حياة جديد وتغيير سلوكي في حياته اليومية عليه أن يتبعه مدى الحياة بشكل متوازن من دون أن يشعر بالحرمان. لكن هذا التغير في السلوك قد يكون له تبعات نفسية وإحباط، فيحتاج مريض السمنة في مثل هذه الحالات الى دعم نفسي من قبل أخصائيي الصحة النفسية والمدربين للتعامل مع مثل هذه الحالات لتقديم المساعدة حول كيفية التعامل مع المشاكل السلوكية والعاطفية المرتبطة بتناول الطعام. 

الدعم النفسي يساعد مريض السمنة على تخطي هذه العقبات فيتعرّف على طرق صحية للحد من الإحباط الذي يمر به، كما يساعده في معرفة كيفية مراقبة النمط الغذائي والتمارين الرياضية وتوقيتها وفهم محفزات تناول الطعام والتعامل مع حالات التوق الشديد للطعام التي يمر بها المرء بين الحين والآخر لاسيما بعد إتباع حمية غذائية لفترات طويلة. 

النقطة الأساسية للحفاظ على الوزن بعد إتباع نظام غذائي تكمن في دمج عادات التغذية السليمة والمنتظمة مع توقعات معقولة وأهداف يمكن تحقيقها مع إمكانية الإلتزام بها مدى الحياة.

 لذلك، يقوم الأخصائيون بوضع برامج شاملة للرعاية الفردية وإدارة الوزن لمساعدة المرضى على تحقيق أهدافهم والوصول إلى الوزن الصحي بطريقة مدروسة من خلال التحليل العلمي لأسباب زيادة الوزن، مع الحد من خطر المضاعفات المرتبطة بالسمنة. فمن المعروف طبيًا أن الأشخاص الذين يزيد مؤشر كتلة الجسم لديهم عن 30 معرضون لخطر الإصابة بمشكلات صحية خطيرة، لكن بعد أن يدرك المريض العوامل التي تساهم في زيادة الوزن يصبح بمقدور اختصاصي الرعاية الصحية المساعدة في تحديد أهداف إنقاص الوزن المناسبة له.

جراحة إنقاص الوزن

إذا كان مؤشر كتلة الجسم فوق 40، وعندما لا تُجدي الأنظمة الغذائية والتمرينات الرياضية نفعًا، أو عندما تتسبّب السمنة بمشكلة صحية خطيرة، يكون الحل الأمثل هو جراحة السمنة بعد دراسة الحالة عموماً والتأكد من عدم وجود مشاكل صحية تمنع من إجرائها. يوجد أنواع عدة من جراحات السمنة، على أن يحدد الجرّاح المتخصص نوع الجراحة الأمثل بحسب الحالة؛ فهناك عملية تحويل مسار المعدة أو تكميم المعدة أو تحويل مسار البنكرياس والقنوات الصفراوية وتحويل مجرى الإثني عشر. على المريض أن يدرك أن جراحة السمنة لا تلغي إدخال تغييرات صحية دائمة على النظام الغذائي وممارسة التمارين للمساعدة في ضمان النجاح الطويل الأمد لجراحات علاج السمنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى