قطاع الصحة السعودي في رؤية 2030
قطاع الصحة السعودي في رؤية 2030
تطوير وتخصيص وتركيز على الإبتكار والإبداع
تعتبر الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية حقًا أساسيًا لجميع المواطنين، وتتولى وزارة الصحة مسؤولية تقديم خدمات الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية والتأهيلية من خلال شبكة من مراكز الرعاية الصحية في جميع أنحاء البلاد. وللقطاع الخاص دوره الرائد على هذا الصعيد إذ يقوم بدفع القطاع الصحي قدمًا نحو المزيد من النجاحات. وكل ذلك يتأطر بحسب ما تمليه رؤية المملكة 2030 في مجال الصحّة. وقد استتبع الإلتزام بالرؤية تطوير القطاع بما يتلاءم مع متطلبات المستقبل. ولتحقيق ذلك لا بد من التركيز على قواعد أساسية لحظتها الخطة أصلاً مثل الإبتكار والشراكة بين القطاعين العام والخاص وتطوير بعض قواعد العمل، وصولاً إلى تحقيق قطاع صحي ريادي وخدمات طبية وإستشفائية تلبي تطلعات قيادة المملكة وحاجات المواطنين!
بات جليًّا للجميع أن الهدف من تحوّل نظام الرعاية الصحية في المملكة العربية السعودية هو “إعادة هيكلة القطاع الصحي في المملكة ليكون نظاماً صحياً شاملاً وفعالاً ومتكاملاً، يقوم على صحة الفرد والمجتمع بما في ذلك المواطن والمقيم والزائر” كما هو وارد في الموقع الرسمي لبرنامج تحويل القطاع الصحي.
يؤثر في هذا التقدّم السريع والخطوات الراسخة الرؤية الثاقبة لدى القيادة الشابة للمملكة العربية السعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المتمتّع بطموح قوي لتنفيذ سياسة رعاية صحية عامة مناسبة تلبي توقعات قيادة البلاد ومواطنيها. ويعد هذا المسعى عنصرا هاما في الإصلاح الاقتصادي الشامل لأنظمة وسياسات المملكة العربية السعودية. وكجزء من خطة الرؤية السعودية 2030، تهدف الحكومة السعودية إلى خفض حصة القطاع الصحي ضمن الميزانية العامة للمملكة من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص. والهدف هو خصخصة 295 مستشفى بحلول عام 2030 لتعزيز جودة الرعاية الصحية وكفاءتها من خلال اعتماد نموذج رعاية قائم على القيمة.
وقد حددت حكومة المملكة العربية السعودية العديد من القضايا التي تتطلب التحوّل، لا سيما في ما يتعلق بالخصخصة وآثارها، وكذلك التكيف معها. واستجابةً لذلك، قدمت الحكومة مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة، وتعزيز خدمات الرعاية الصحية الأولية، وتنفيذ التحول الصحي الرقمي، وتعزيز الجودة وسلامة المرضى. ونظرًا لأن إصلاحًا بهذا الحجم سيؤثر على جميع الأطراف المعنية، تركَّزَ الإهتمام على أصحاب المصلحة المؤسسين الرئيسيين. وعلى وجه التحديد، مقدمي الرعاية الصحية، والمؤسسات المملوكة للدولة، وقطاع التأمين، والهيئات التنظيمية.
التخصيص بحسب الخطة 2030
تسلط رؤية المملكة العربية السعودية 2030 الضوء على تطوير قطاع الرعاية الصحية من خلال الخصخصة. وقد شهدت خصخصة القطاع في المملكة اتجاهاً تصاعدياً، إلا أن قطاع الرعاية الصحية العامة يظل، بحسب الخبراء، حيوياً لتحقيق تحسينات شاملة في صحة جميع شرائح السكان. ومع وضع ذلك في الاعتبار، يجب على الحكومة تعزيز قطاع الرعاية الصحية العامة لضمان رعاية صحية ميسورة التكلفة وسهلة المنال وعالية الجودة للجميع.
وقد برزت الشراكات بين القطاعين العام والخاص كآلية حاسمة لتعزيز الابتكار في قطاع الصحة على مستوى العالم. وتلخص هذه المراجعة الدروس المستفادة من نماذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في جميع أنحاء العالم، مع تسليط الضوء على أهميتها وتأثيرها، وما تأثير تطبيق ذلك على القطاع الصحي في السعودية. تستلزم الشراكات بين القطاعين العام والخاص بما يخص الابتكار في مجال الرعاية الصحية التعاون بين الهيئات الحكومية والمؤسسات الخاصة، وفي بعض الأحيان المنظمات غير الربحية لمواجهة التحديات، مثل محدودية الموارد والخبرات والبنية التحتية، مع الاستفادة من نقاط القوة في كل قطاع.
وتتضمّن رؤية المملكة العربية السعودية خطة شاملة حول الشراكة مع القطاع الخاص وتنظيم العمل وتطويره عبر تحوّل القطاع الصحي، حيث يهدف ذلك البرنامج إلى هيكلة وتفعيل نظام صحي متكامل في أرجاء المملكة، يرتكز على صحة المُستفيد من الرعاية الصحية، وتعزيز الصحة العامة والوقاية من الأمراض، وتطبيق نموذج الرعاية الصحية الحديث. يهدف البرنامج أيضًا إلى إيصال الخدمات الصحية والتأمين المجاني إلى كافة المواطنين، بتغطية الخدمات في النطاقات الجغرافية المختلفة، كما يهدف إلى التوسع في خدمات الصحة الإلكترونية والحلول الرقمية. فرؤية 2030 للمملكة تعتمد في القطاع الصحي على إحداث تطوير شامل في كافة الأصعدة، بدءًا من تطوير البنية التحتية، ومرورًا بتسهيل الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، وانتهاءً بالصحة الإلكترونية ورقمنة الرعاية الصحية بما يُخفِّف الأعباء المالية ويُسهِّل الحصول على الرعاية في أي مكان، كما تطمح أيضًا إلى توفير الأيدي العاملة، وزيادة متوسط العمر المتوقع بما يتوافق مع المؤشرات الدولية.
الأهداف الاستراتيجية لبرنامج تحول القطاع الصحي
هنا لا بدّ من الإشارة استطراداً إلى ما ورد في الأهداف الاستراتيجية لبرنامج تحول القطاع الصحي، والتي تشمل: تسهيل الوصول إلى الخدمات الصحية المختلفة في الوقت والمكان المُناسبَيْن، من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية الإجمالية في المستشفيات (أسرّة المستشفيات والطواقم الطبية)، والتوزيع الجغرافي المناسب (المسافة بين المُستفيد وأحد مقدمي الرعاية الصحية)، والوصول في الوقت المناسب إلى الخدمات المرتبطة بما يحتاج إليه المواطن، وأيضاً القدرة على تحمُّل تكاليف الرعاية الصحية للأفراد.
كما تسعى المملكة إلى تحسين جودة الخدمات الصحية المُقدّمة للمواطنين، وخدمات التأمين المجاني، وهذا من خلال تعزيز استجابة النظام الصحي لاحتياجات المجتمع، وتعزيز التغطية الصحية الآمنة الفعّالة مع ضمان الاستدامة المالية.
وينطوي هذا الهدف الاستراتيجي على عنصرين: الصحة الوقائية العامة، مثل الوعي المجتمعي بالصحة وطرق الوقاية من الأمراض والتطعيمات. والتعامل مع الأزمات الصحية للأمراض المُعدية وغير المُعدية، بما في ذلك التعامل مع الأوبئة والكوارث الطبيعية. وقد حقّقت المملكة إنجازات كثيرة في قطاع الصحة، بحيث باتت تمتلك نظام رعاية صحي يُوفِّر خدمات الرعاية المجانية لجميع المواطنين. ومع زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية ارتفعت نسبة التقديمات والنتائج المحقّقة. واستثمرت الحكومة في البنية التحتية للرعاية الصحية، ما أسهم في زيادة عدد المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية، كما استثمرت أيضًا في تطوير مرافق الرعاية الصحية في جميع أنحاء البلاد. وبحلول عام 2021، كان هناك أكثر من 460 مستشفى و2000 مركز رعاية صحية أولية في أرجاء البلاد.
وطوّرت المملكة برامج ومبادرات لتحسين جودة الرعاية، مثل برنامج الإعتماد الوطني لمنظمات الرعاية الصحية. ومنذ عام 2021 تم اعتماد أكثر من 50% من مرافق الرعاية الصحية في البلاد، ويعتمد التقييم على عدة معايير، بما في ذلك مكافحة العدوى، وسلامة المرضى، وجودة الرعاية. واستثمرت المملكة في أنظمة معلومات الرعاية الصحية، والسجلات الصحية الإلكترونية، والتطبيب عن بُعد، ما ساعد في تحسين كفاءة الرعاية الصحية، وتسهيل الوصول إلى خدماتها كافة.
الوقاية والصحة العامة والابتكار والاستدامة، أربع أولويات يضعها برنامج تحول القطاع الصحي في مقدمة أهدافه، إذ يعمل على توسيع تقديم خدمات الصحة الإلكترونية والحلول الرقمية، فضلًا عن تحسين جودة الخدمات الصحية. ويعمل على تحويل نظام الرعاية الصحية في المملكة ليكون أكثر شمولية وتكاملًا، ويلتزم بأعلى المعايير الدولية في تقديم الخدمات. وبذلك تصبح المملكة في مقدمة دول العالم من حيث تسخير التقنية وتوفير الخدمة الصحية بيسر وكفاءة عالية.
الابتكار والإبداع في طليعة اهتمامات الحكومة
تُظهر التطورات الحاصلة منذ مدة زيادةً ملحوظةً في الاستثمار بالبحوث الصحية، والتحولات الرقمية، والبنية التحتية الصحية في المملكة، وكذلك تدريب موارد القوى العاملة، والتعاون مع مبتكري النظام الصحي عالميًا. وقد استثمرت المملكة في بناء وتشييد القطاع الصحي عبر الاستثمار، لتمكين الابتكار والإبداع، ووضعت الحكومة السعودية الابتكار على رأس الأولويات من خلال تخصيص جزء كبير من الميزانية للبحث والتطوير والتنمية الاجتماعية. وقد دفع الطلب المتزايد على القطاع الصحي خلال فترة الجائحة الابتكار قدمًا، لاستدامة الجودة التقنية للقطاع.
ويعتمد البحث والتطوير والابتكار على مقاييس وقائية وتكاملية، لمواجهة التحديات الحالية للولوج للخدمات الصحية. وتهدف خطط الحكومة السعودية للاستثمار إلى توسيع البنية التحتية الصحية تحاذيًا مع رؤية 2030 وأبعد. بالإضافة لذلك، تخطط الحكومة لزيادة خصخصة المستشفيات ومراكز الصحة الأولية، لدعم الابتكار والإبداع. وهي تتعاون مع مبتكري النظام الصحي عالميًا، لجلب أحدث التقنيات الصحية والخبرات. ويجذب صندوق الاستثمارات العامة المنشآت الصيدلانية والأحيائية، لزيادة المعدات الطبية والخطط الهادفة لرفع مستوى مشاركة القطاع الخاص في النظام الصحي، مما يدفع الابتكار والإبداع قدمًا.
وتعد فوائد الابتكار في القطاع الصحي في المملكة عديدة، ومنها تطوير الجودة، وتخفيض التكاليف، والمرونة، والتوصيل السريع.. وتحقيقًا لذلك يُركِّز برنامج التحوُّل الصحي على إعادة هيكلة القطاع بما يُقدِّم خدمات طبية متكاملة. ويؤثر قادة الصحة في المملكة على الآخرين، لضمان فهمهم ودعمهم للابتكار والإبداع الصحي، مثل التأكيد على وجود سجلات صحية إلكترونية في عصر التحول الرقمي. ومن أجل ذلك يتم استصدار تشريعات إصلاحية من شأنها تسريع تبنّي الحلول الابتكارية في عصر الرقمنة.
في المحصّلة يتبيّن أن التطلعات والأولويات لتطوير النظام الصحّي في المملكة، تستند إلى أربع أولويات رئيسية تتمثل في صحة الإنسان، واستدامة البيئة والاحتياجات الأساسية، والريادة في الطاقة والصناعة، واقتصاديات المستقبل، بما يعزز من تنافسية السعودية وريادتها عالميًّا، ويتماشى مع توجهات رؤية السعودية 2030 وتعزيز مكانتها كأكبر اقتصاد في المنطقة، والقطاع الصحي الأسرع تطوراً وقوّة.