بين المستشفى والفندق… أوجه شبه وتجربة إستشفائية رائدة
بين المستشفى والفندق… أوجه شبه وتجربة إستشفائية رائدة
تشترك الفنادق والمستشفيات في العديد من الخصائص الأساسية. فكلاهما يخدم العملاء المطالبين والمطّلعين بشكل متزايد، وكلاهما يوظّف تسلسلاً هرمياً كبيراً من الموظفين والعمال بمستويات متفاوتة من المسؤولية، وكلاهما له مدفوعات مرتبطة بشكل متزايد بتقييمات العملاء والمرضى. وهذه نقطة محورية يرتكز فيها نجاح المؤسسة الفندقية أو الطبية على العناية بالعميل من خلال تحسين نوعية الخدمة المقدّمة.
في صناعة الفنادق، أدّت عقود من الخبرة الإدارية وأبحاث السوق إلى تحسينات وابتكارات واسعة النطاق تعمل على كسب رضى العملاء. ولكن كان هناك القليل من تبادل الخبرات والإدارة بين صناعتي الفنادق والمستشفيات، إلى أن ظهرت التغييرات في نظام الرعاية الصحية والتي دفعت المستشفيات إلى أن تطور اهتمامها بالمرضى إلى أسلوب الخدمة الفندقية نظراً لما أظهرته الأبحاث من تأثير إيجابي لذلك على رضى المرضى وسرعة التعافي بعد الإجراء الطبي.
هناك العديد من أوجه التشابه والاختلاف بين الصناعة الفندقية والمستشفيات، تتمثّل في الكثير من التحديات المشتركة والغاية النهائية التي يرجوها القطاعان.. وهي رضى العميل. وتبرز في هذا السياق دروس محددة من صناعة الفنادق يمكن تطبيقها على المرضى قبل الدخول، وتسجيل الوصول، والإقامة في المستشفى، وتخطيط الخروج، وتجارب ما بعد الإقامة. وقد أجمعت الدراسات المعَدَّة في هذا المجال على أن المستشفيات يمكنها، بل ينبغي لها، الاستفادة من الإنجازات الناجحة في صناعة الفنادق لتحسين رضى المرضى، من دون الحاجة إلى تكرار البحوث والدراسات المماثلة على اتجاهات السوق. وبيّنت تلك الدراسات أن هذا يؤدي إلى تحسينات سريعة في تجارب المرضى، وأن هذا العامل الناجح هو ما ساهم في دفع المستشفيات إلى التحوّل من تقليدية إلى مستشفيات فندقية.
الرعاية الصحية والضيافة
تضمّن مسح أجرته HCAHPS) Hospital Consumer Assessment of Healthcare Providers and Systems) وهو أول مسح وطني وعلني لوجهات نظر المرضى في الرعاية في المستشفى، أسئلة حول مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك التواصل مع الممرضات والأطباء، واستجابة طاقم المستشفى، وهدوء المستشفى ونظافته، وإدارة الألم، ومنح الأدوية، وتخطيط الخروج، وصولاً إلى برنامج تكلفة الإستشفاء المستندة إلى قيمة المستشفى ونوعية الخدمات ومستوى الرعاية المقدّمة إذ بالإضافة إلى تأثيره على السداد، فإن رضى المريض قد يكون أيضًا علامة على الجودة السريرية.
في السياق، أظهرت دراسة حديثة نشرتها New England Journal of Medicine أن درجات رضى المرضى المرتفعة مرتبطة بعدة عوامل. وما يرضي المريض بحسب الدراسة ليس الإجراءات الطبيّة فقط، بل الرعاية والخدمة والتواصل واللياقة في الحديث ورفاهية مكان الإقامة. وهي جميعها متطلبات تدفع المستشفى إلى اعتماد إجراءات تجعله أقرب إلى الفندق منه إلى ملاذ لضحايا المرض وصيحات الألم. فقطاع الفنادق لطالما كان مدركًا لهذا الهدف: إرضاء الضيوف كحد أدنى، وتجاوز توقعاتهم كهدف.
وخصصت إداراته عقودًا من الجهد والموارد لتحسين منتجاتهم وهياكلهم الإدارية. ويرى الخبراء أنه يمكن للمستشفيات الاستفادة بسهولة من هذه الدروس التي كسبتها صناعة الفنادق بشق الأنفس. حيث يمكن أن يؤدي اعتماد ممارسات الفنادق وتكييفها إلى تحسينات كبيرة في قبول المرضى ورضاهم، مما يفيد في نهاية المطاف طاقم إدارة المستشفى والأطباء والموظفين والمرضى.. وهُم الأهم.
تُظهر الدراسات أيضاً أن تصنيف الطبيب العالمي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بمهارات الاتصال، بما في ذلك إظهار الاحترام، والاستماع بعناية، وإعطاء تعليمات سهلة الفهم، وقضاء وقت كافٍ، وشرح الأشياء. لقد ثبت أن لفتة بسيطة مثل جلوس الطبيب بدلاً من الوقوف بجانب السرير تُحدث فرقًا. ومن المثير للاهتمام أن تحسين التواصل بين الطبيب والمريض قد ارتبط أيضًا بتحسين نتائج المرضى، مما يؤكد أهمية ذلك أيضًا. تحسين التواصل ليس فقط مع المرضى، ولكن أيضًا مع عائلاتهم ومقدمي الرعاية لهم.
بين الفندق والمستشفى
هناك العديد من أوجه التشابه بين المستشفيات والفنادق، وأهمها التركيز على الضيوف / المرضى الذين يحصلون على السكن والخدمات. وكلاهما يوظف تسلسلاً هرميًا كبيرًا من العمال بمستويات متفاوتة من المسؤولية. وأظهرت الدراسات أن ارتفاع نسبة الممرضات إلى المرضى والتواصل الجيد مع التمريض، لهما تأثير إيجابي على رضى المريض. وبالمثل، في الفندق، يعتبر كل من الكونسيرج وموظفي التدبير المنزلي والمطعم والبار ضروريين لتوفير تجربة عملاء جيدة بشكل عام. مثلما توفر صناعة الفنادق تدريبًا على خدمة العملاء لجميع أعضاء الفريق، يجب تضمين جميع موظفي المستشفى في تدابير لتحسين الرضى.
أما أحد الإختلافات الرئيسية بين الفنادق والمستشفيات، والمجال المحتمل للتحسين، فهو تجربة القبول المسبق. فقبل الدخول، يتلقى المرضى استبيانات حول حالتهم الطبية الحالية (غالبًا ما يمتنعون عن الطعام والماء بسبب موعد لعملية جراحية)؛ كل ذلك يساهم في زيادة القلق وعدم الراحة. لتقليل هذا القلق، من المفيد تزويد المرضى بأكبر قدر ممكن من المعلومات في ما يتعلق بقبولهم القادم، حتى يعرفوا ما يمكن توقعه. تمامًا كما يرسل فندق فاخر إلى جميع الضيوف خطابًا قبل الوصول. وعلى الرغم من أن المستشفى لا يستطيع بناء نفس التوقعات لدى المريض مثل نزيل في الفندق ينتظر إجازة مقبلة، إلا أنه يجب أن يهدف إلى تقليل الخوف إلى الحد الأدنى وتحديد التوقعات المناسبة لإقامة مقبلة في المستشفى. مجال آخر للتحسين هو عملية تسجيل الوصول. فموظفو الفندق يتم تجهيزهم مسبقًا بلائحة لاستقبال الضيف. ويكونون مدركين أن أول 15 دقيقة من التجربة أمر بالغ الأهمية لتحديد الإنطباع عن الزيارة. وعندما يصل الضيف، يحيونه بالاسم: “كنا نتوقعك”. في اختلاف مع المستشفيات التي تطلب المزيد من التفاصيل حول مرضاها القادمين، من تسجيل الدخول مع الإنتظار الطويل في ردهة التسجيل، وغيرها من الإجراءات المزعجة للمريض. وهذه يمكن التخلص منها باعتماد صيغة الإستقبال الفندقية، وتقليل جمع المعلومات الزائدة عن الحاجة، وتقليل أوقات الانتظار.
الآليات المشتركة للنجاح
على الرغم من محاولات تحسين العديد من مجالات تجربة المريض، يمكن أن تسوء الأمور. فالفنادق تمتلك آليات استباقية لتحديد عدم رضى المرضى ومعالجة المشكلات أو تصحيحها عندما يكون ذلك ممكنًا. على سبيل المثال، إذا حدد موظف أن الضيف غير راضٍ عن وجبة معينة أو أن الغرفة لم يتم تنظيفها بشكل صحيح، فسيقوم المدير بالتواصل مع الضيف (قبل تقديم شكوى) لتقديم خصم أو ائتمان لأي شيء إذا كانت الخدمة غير مرضية. يتفاجأ الضيوف ويسعدون بهذه البادرة، التي تحول الضيف غير السعيد إلى عميل مدى الحياة.
الأمر نفسه يمكن تطبيقه في المستشفى. ولنجاح ذلك، يجب تحديد المرضى غير الراضين في وقت مبكر من قبل الموظفين المعنيين، ومعالجة مخاوفهم بأسرع ما يمكن. لأنه إذا كان المريض غير راضٍ، فإن فرصة تصحيح انطباعه عن المستشفى تختفي عندما يغادر المريض. لذلك، فمن الأهمية بمكان أن يقضي الأطباء على وجه الخصوص وقتًا أطول في التواصل وجهًا لوجه مع المرضى عند ظهور المضاعفات.
وعلينا أن ننتبه أنه يمكن لإصلاح تجربة سيئة أن يترك للشخص انطباعاً أفضل من عدم وجود مشكلة في الأساس. هذه الوسائل ساهمت في فترة السنوات الماضية في تحوّل المستشفيات من الممارسات التقليدية إلى الأسلوب الفندقي في التعاطي مع المرضى، مع المحافظة على جودة الممارسات الصحية الصرف. ولم يتطلب الأمر الكثير من الجهد لدى الباحثين لتبيان أن هذه التجربة الرائدة لدى المستشفيات الفندقية تركت الأثر الكبير على رضى المرضى ونجاح المستشفى.