مقالات طبية

المركز الجديد للصحة الرقمية: لماذا تتجه الأنظار نحو الشرق الأوسط؟

المركز الجديد للصحة الرقمية: لماذا تتجه الأنظار نحو الشرق الأوسط؟

هال وولف، الرئيس والمدير التنفيذي لشركةهيمس  HIMSS”

يشهد الشرق الأوسط تحوّلًا متسارعًا نحو الابتكار في مجال الصحة الرقمية. فمن الاستراتيجيات الوطنية التي تركز على الذكاء الاصطناعي وحوكمة البيانات الصحية، إلى الاستثمارات المتنامية في الأمن السيبراني والرعاية المتصلة، تعمل دول المنطقة على بناء أنظمة صحية أكثر تكاملًا ومرونة واستجابة لاحتياجات شعوبها.

منطقة تتحرك بسرعة

تسير دول مثل الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، وغيرها، بخطى متسارعة في تنفيذ أجندات وطنية طموحة لتعزيز النضج الرقمي في القطاع الصحي. ومن أبرز هذه الرؤى الوطنية: رؤية السعودية 2030، استراتيجية الإمارات للصحة، وخطة مصر للتحول الرقمي. وتعيد المنطقة التفكير في كيفية بناء الأنظمة، وكيفية تقديم الرعاية الصحية، وكيف يمكن للبيانات أن توجه التخطيط الصحي وتحسن نتائج المرضى. وتشهد الاستثمارات في الصحة الرقمية في الشرق الأوسط أعلى مستوياتها على الإطلاق، ومن المتوقع أن تستمر في الارتفاع. لكن مع التوسع يأتي التعقيد؛ إذ تواجه الدول تحديات تتعلق بالوصول إلى البيانات وحوكمتها، والتشغيل البيني، وتقنين سياسات الذكاء الاصطناعي وتنظيمها، وتطوير القوى العاملة الرقمية، إضافةً إلى الأمن السيبراني. وتتعامل قيادات القطاع الصحي مع هذه القضايا ليس فقط كعقبات تقنية وتشغيلية، بل أيضًا كقضايا ترتبط بالعدالة والاستدامة طويلة المدى.

إن الالتزام الجاد بالتحول الرقمي يعد عنصرًا أساسيًا في استعداد أنظمة الرعاية الصحية بدول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة الطلب المتزايد على الخدمات الصحية، الناتج عن الشيخوخة السكانية، وارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، وتزايد توقعات المرضى في ما يتعلق بالسهولة في الحصول على الخدمة والرعاية المتخصصة. هذه العوامل مجتمعة تضغط بالاكثر على الأنظمة الصحية التي تواجه بالفعل تحديات مثل التشرذم الجغرافي، وضعف البنية التحتية للبيانات القابلة للتشغيل البيني، وتفاوت مستويات النضج التنظيمي، ونقص الكوادر المدرّبة.

هذه التحديات ليست فريدة من نوعها في الشرق الأوسط، بل تواجه الاجهزة الصحية في مختلف أنحاء العالم قضايا مماثلة. وقد أدرك قادة الصحة في المنطقة هذه التحديات المتشابهة، وبدأوا في بناء شراكات مع المنظمات غير الحكومية، والحكومات الدولية، وأنظمة الرعاية الصحية الرائدة لتبادل الرؤى والخبرات التي من شأنها دفع عجلة التحول الرقمي في قطاع الصحة بالشرق الأوسط.

وبصفتها منظمة غير ربحية، تجمع HIMSS بين ألمع العقول في مجالات الرعاية الصحية والتكنولوجيا والسياسات والبحث العلمي بهدف إيجاد حلول للتحديات الراهنة والاستعداد للتطورات التكنولوجية المقبلة. وتعمل المنظمة كمنصة جامعة لأبرز القادة والمفكرين، تتيح لهم التواصل والتعاون وتبادل الرؤى عبر جمعيتها المهنية، ومؤتمراتها العالمية، ومنتدياتها الإقليمية. كما تساهم HIMSS في إعداد جيل جديد من قادة الصحة الرقمية من خلال برامجها التدريبية وشهاداتها المهنية.

يمتلك الشرق الأوسط  فرصة استثنائية لتجاوز القيود التقليدية بفضل الدمج بين القيادة القوية في القطاع العام والابتكار السريع في القطاع الخاص. فالمنطقة مؤهلة لتحقيق نجاح كبير عبر تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، على أن يركز الرؤساء التنفيذيون أولاً على بناء أسس متينة للتشغيل البيني، وحوكمة البيانات، وتنمية القوى العاملة، وتوضيح الأطر التنظيمية. وعندها فقط يمكن إطلاق نماذج صحية رقمية قابلة للتوسع، تحقق نتائج أفضل واستدامة مالية. ويجب أن يتم ذلك بخطوات مدروسة: بدءاً بتجارب سريعة، مروراً بالقياس الدقيق، وصولاً إلى التوسع فقط عندما تثبت نتائج سريرية واقتصادية جيدة.

أربعة محاور للتحول المستدام

البنية التحتية والنضج الرقمي

التحول الرقمي في الصحة يعني بناء منظومة متكاملة تشمل أدوات مثل البوابات الإلكترونية للمرضى، الطب عن بُعد، التحليلات التنبؤية، والذكاء الاصطناعي. التركيز على المريض في قلب هذا التحول يضمن أن الابتكار ينعكس على تحسين النتائج للجميع. إن تحويل الأنظمة الرقمية يعني تحسين استخدام السجلات الصحية الإلكترونية، وتطوير البنية التحتية، وتقليل إنهاك القوى العاملة، وتسهيل الوصول إلى خدمات الرعاية.

ويساعد القياس الممنهج لنضج الصحة الرقمية على تطوير الخدمات الصحية  لتقديم رعاية شخصية متميزة، وإيصال البيانات الصحيحة إلى الأشخاص المناسبين، وتمكين الأطباء من التركيز على ما هو أهم  أيالمرضى”.

الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي أصبح أداة استراتيجية تمكّن الأطباء والأنظمة من تحسين اتخاذ القرار، وإدارة الموارد، وتعزيز مشاركة المرضى. ورغم ما يحمله من فرص لتقليل التكاليف وزيادة الكفاءة، إلا أن دمجه يتطلب وعيًا بالمخاطر وضمانات لتحقيق العدالة في الرعاية.

لم يعد الذكاء الاصطناعي تقنية نظرية، بل أصبح محفزًا استراتيجيًا يضاعف الأثر السريري، ويعزّز مرونة التشغيل، ويحقق مزيدًا من العدالة عبر الأنظمة الصحية. يتعين على الأنظمة  الصحية والحكومات على حد سواء أن تتبنى الذكاء الاصطناعي وتستعد جيدًا لدمجه بشكل فعّال ومنصف. وعند تطبيقه بمسؤولية، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يؤثر إيجابًا في كل جانب تقريبًا من منظومة الصحة في منطقة الشرق الأوسط.

الأمن السيبراني

القطاع الصحي يعد هدفًا رئيسيًا للهجمات السيبرانية بسبب حساسية بيانات المرضى وأهمية الأنظمة التشغيلية. أي اختراق قد يؤدي إلى عواقب خطيرة تشمل سلامة المرضى، وتعطيل العمليات، وخسائر مالية وتنظيمية جسيمة. لذا لم يعد الأمن السيبراني قضية تقنية فحسب، بل أصبح أولوية استراتيجية تحتاج إلى إشراف على مستوى مجالس الإدارة.

بناء قوى العمل المستقبلية

التحول الرقمي أسرع من قدرة القوى العاملة على التكيّف. هناك نقص في الكفاءات الرقمية والكوادر الإكلينيكية ذات الخبرة في المعلوماتية الصحية. لذلك ينبغي على القيادات الصحية أن تتعامل مع تطوير القوى العاملة كركيزة استراتيجية من خلال التدريب، وبناء شراكات مع الجامعات، وتطوير مسارات مهنية جديدة.

ينبغي لقادة الرعاية الصحية أن يتعاملوا مع تطوير القوى العاملة باعتباره عامل تمكين استراتيجي، لا مجرد تفكير  تشغيلي لاحق. ويتطلب ذلك بناء استراتيجية منسّقة للمواهب تجمع بين رفع كفاءة الكوادر الحالية بسرعة، واستقطاب الخبرات الرقمية المتخصصة، وإقامة شراكات مع المؤسسات الأكاديمية والموردين لتطوير قنوات مستدامة لامداد المهارات. عملياً يتعين على المنشآت الصحية تحديد الكفاءات الرقمية الأساسية، وتخصيص وقت  تدريب محمي وحوافز لمشاركة الأطباء في مشروعات التكنولوجيا، وزيادة الاستثمار في برامج التطوير المهني، بالإضافة إلى إنشاء فرق عمل متعددة التخصصات يقودها أطباء قادة يتمتعون بالصلاحيات اللازمة.

نحو مستقبل مشترك

ستكون هذه الجهود في قلب مؤتمر WHX Tech 2025، الذي يُعقد في مركز دبي التجاري العالمي بين 8 و 10 سبتمبر، حيث يجتمع قادة الصحة والمبتكرون والخبراء العالميون لمناقشة مستقبل الصحة والأنظمة الصحية في المنطقة.

تتشرّف HIMSS بكونها الشريك الحصري للصحة الرقمية في هذا الملتقى المهم، حيث تساهم بخبرتها في النقاشات الخاصة بالأطر والسياسات والدروس المستفادة عالميًا.

يُعد مؤتمر WHX Tech 2025 فرصة للتأمل في ما حقّقه الشرق الأوسط بالفعل وما ينتظره في المستقبل. فمن خلال منصات مخصصة لمناقشة الاستراتيجيات  (World X)، والتكنولوجيا (Future X)، والابتكار (Xcelerate)، سيسلط الحدث الضوء على كل شيء بدءًا من تنظيم الذكاء الاصطناعي واعتماد الحوسبة السحابية، وصولًا إلى الرعاية القائمة على القيمة والشراكات بين القطاعين العام والخاص.

ما يحدث في الشرق الأوسط ليس مجرّد تحول إقليمي، بل رسالة إلى مجتمع الأنظمة الصحية العالمية: “عندما تجتمع الطموحات مع السياسات والشراكات، يمكن بناء أنظمة أكثر كفاءة وعدالة وقدرة على مواجهة تحديات المستقبل”.

لقد أصبح للابتكار في الصحة الرقمية مركز قوة جديد، والعالم كله يراقب.

نتطلع جميعًا إلى الترحيب بقادة القطاع الصحي، وصانعي السياسات، والمبتكرين في مؤتمر WHX Tech بدبي قريبًا في سبتمبر، ليتشاركوا التجارب الناجحة، ويطرحوا الأسئلة الجوهرية، ويساهموا في صياغة الفصل القادم من مسيرة التحول الصحي العالمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى