العمالة والتأمين في المستشفى الفندقي
العمالة والتأمين في المستشفى الفندقي
خدمة مميزة وسياحة علاجية راقية
تطوّر مفهوم الرعاية الصحية في شكل واسع وسريع في الآونة الأخيرة. ولم يقتصر هذا التطوّر على تحديث مفاهيم العمل الطبي وأساليبه، ولا على اعتماد وسائل أحدث وتقنيات أفضل أداء وأدق نتائج، بل وصل الأمر إلى تحويل وجهة الخدمة الإستشفائية وهدفها بحيث باتت تتمتّع بمواصفات الخدمة الفندقية. وذلك بحثا عن السلامة الصحيّة أولاً، ثم عن رفاهية المريض وتلبية متطلبات بعض الحالات الإستشفائية الخاصة من جهة ثانية. فالإستشفاء لم يعد علاجاً موضعياً لألم أو جرح أو عارض صحي، بل بات أوسع واشمل من ذلك بحيث يحصل المريض على العلاج ولكن في وضع نفسي ومعنوي مريح، بعدما تأكّدت أهمية ذلك في تحسين الصحة العامة ورضى المرضى.
أمضى الطب مسيرة طويلة من التطور عبر العصور انطلقت مع التشخيص البدائي المستند على حكمة الشخص المعالج وهو لم يكن طبيبا في ذلك الوقت، وكذلك العلاجات التقليدية في غياب الصناعات الدوائية والمختبرات العلمية وسواها. ومع بداية القرن التاسع عشر، بدأت الأمور في التحسن، حتى وصل متوسط عمر الفرد الغني والمرفّه إلى 52 عاماً. وبدأت سلسلة من الاكتشافات من أهمها على سبيل المثال، إثبات لويس باستور عام 1864 أن الجراثيم تسبب الأمراض، واكتشاف روبرت كوخ أنواعاً مختلفة من البكتيريا، وأن الفيروسات البعوض هي نواقل للملاريا.
وعام 1798 بدأ اكتشاف فكرة اللقاحات والتطعيم، حين حقن إدوارد جينير صبيّا بمادة من قيح فتاة مصابة بجدري البقر، ثم أعاد حقن الصبي بفيروس الجدري، فلم يصب الصبي بالجدري. كما كان اكتشاف التخدير علامة فارقة أيضاً، حيث عرف جيمس سيمبسون الكلوروفورم عام 1847، مما أدى إلى ارتفاع معدل نجاح الجراحات. وبدوره ساعد اكتشاف الأشعة السينية عام 1895 الأطباء على التشخيص وتحديد العلاج. وبحلول تسعينيات القرن 19، أجريت الجراحات المعقمة بصفة منتظمة مثل إزالة الزائدة الدودية، واستخدمت القفازات، وطهر الأطباء أيديهم قبل الجراحة.
أما في القرن العشرين فارتفع متوسط عمر الفرد إلى 73 عاما للرجال، و78 للنساء، وقفز العلم والطب قفزات هائلة، منها اختراع الهولندي فيليم أينتهوفن جهاز تخطيط القلب الكهربائي. واكتشاف كارل لاندشتاينر فصائل الدم عام 1901. واكتشف العالمان تشاين وفلوري البنسلين في ثلاثينات القرن الماضي، مهتدين بخطوات العالم الكسندر فليمنج .وبدأ تخطيط الجينوم البشري في التسعينات، والذي مسح جميع الجينات بجسم الإنسان والبالغ عددها 400,000. وشهد العام 1978 ولادة أول طفل أنبوب. كما تم تطوير العديد من قوانين التأمين الصحي والضمان الإجتماعي لحماية حقوق العمال، والأطفال، والمسنين، والفقراء، والمرأة الحامل وغير ذلك.
التوظيف ومتخصصو الضيافة
هذا التطور من الطبيعي أن يستمر، بل هو يتسارع مع توسّع العلم وتزايد الإكتشافات وابتكار أساليب أكثر خدمة لصحة المرضى ورفاههم. وبالفعل فمع مطلع القرن الواحد والعشرين بدأت تنتشر بقوة المستشفيات الفندقية أو فنادق المرضى، لتأمين خدمة أفضل للمريض ورفاهية أعلى وراحة نفسية أكبر، وذلك بعدما اثبتت الدراسات أهمية الخدمة المميزة والمرفهة وتأثيرها على صحة المريض وراحته النفسية. وبعدما اعتمدت المستشفيات هندسة بناء فندقية تؤمّن للمريض الغرف الواسعة والإطلالات الجميلة وصالات إستقبال فارهة، ثم خدمة فندقية لناحية ترتيب الغرف وخدمة المرضى واعتماد تجهيزات مناسبة، راحت تتحوّل أكثر حتى في الموارد البشرية. فمثلا كان التوظيف في الطاقم الطبي يقتصر على الأطباء والممرضات والإداريين والعمال، أما مع توسّع المفهوم الجديد فقد بدأت التوظيفات تشمل متخصصين في الإدارة الفندقية وخدمات الضيافة ليتولّوا عمليات الإستقبال والخدمة في مواقع محددة.
هذا التطوّر ليس تفصيلا في عملية تحوّل الخدمة الإستشفائية، بحسب ما يقول متخصصون في هذا المجال. فهو يأتي ليكمل عملية التحوّل الكبيرة من جهة، وليرفع مستوى الرفاه في الخدمة الإستشفائية من جهة ثانية. وعليه بدأت المستشفيات تطلب هذا النوع من التخصصات وتتعاون مع مدارس فندقية بما يُماثل تقريباً تعاملها مع معاهد التمريض. ويتوقّع المتخصصون لهذا التعاون أن يُحدث النقلة المطلوبة لدى المستشفيات الساعية لتتحول إلى فنادق للمرضى. ومع الوقت سيصبح المستشفى فندقاً بكل ما للكلمة من معنى، نزلاؤه المرضى، كما الفندق المعروف ولكن بنزلاء أصحاء. وقد أثبتت الدراسات في أكثر من منطقة حول العالم، أن مرضى المستشفى الفندقي يتعافون بسرعة أكبر ويكونون أكثر رضى من مرضى المستشفى العادي مهما كانت خدمته منظمة وراقية. وبالتوازي فإن تكلفة الإستشفاء التي يتوقع بعض المرضى أن تكون أعلى نظراً للخدمات المتوفرة والتجهيزات المستخدمة، هي في النتيجة أوفر على المريض إذا ما قورنت بما يتأمن له من تعافٍ ومن فترة استشفاء أقل.
للتأمين الصحّي حصّة أيضاً
لا تقتصر خدمات المستشفى الفندقي على حسن الضيافة والخدمة اللائقة، إنما التغطية التأمينية بدأت هي الأخرى ببحث توفير خدمات جديدة للمرضى نزلاء هذا النوع من المستشفيات. فكون هؤلاء المرضى من ميسوري الحال إجمالا، فهم يطلبون أقصى درجات الراحة النفسية والجسدية. وعليه فإن شركات التأمين تدرس توفير تغطية وخدمة تأمينية تتناسب مع متطلبات هذه الشريحة من المرضى.
ويوضح العديد من مسؤولي شركات التأمين، أن الهدف هو تأمين أفضل خدمة لعملائنا، وهذا يعني أن نؤمّن لهم الرعاية الصحية المميزة في أرقى المستشفيات وأكثرها توفيرا للراحة، ومَن أَولى من المستشفيات الفندقية بتوفير ذلك. ونحن نوجههم إلى هذه المستشفيات واثقين من أنهم سيلقون الرعاية المطلوبة وسيكونون راضين عنها. وهذا الرضى يؤدي بدوره إلى رفع شريحة المتعاملين معنا ومردوداتنا التي نعيد توظيفها في تحسين التغطية التامينية. ويضيفون أن إنشاء عدة أدوار فندقية في المستشفيات تشمل تخصيص أجنحة ملكية وأجنحة ذهبية وغرف فردية مميزة للإقامة الداخلية للمرضى، بات أكثر انتشارا من قبل وأكثر طلبا من المرضى. وهذا ما يشجع شركات التأمين على مواكبته وتوفير الخدمة التأمينية المناسبة للمؤمّنين لديها.
الخدمة الفندقية والسياحة العلاجية
بعد اعتماد العديد من البلدان العربية استراتيجيات وخططا لتنشيط السياحة العلاجية، ركزت على تنفيذ برنامج الخدمات الفندقية بمستشفياتها، تماشيًا مع اتجاه معظم دول العالم الآن بقوة نحو تنشيط السياحة العلاجية، مع ما يعنيه ذلك من تنافس واستقطاب للمرضى، من خلال توفير أفضل الخدمات الطبية والعلاجية بالمستشفيات وأرقاها، بما يتسق مع استراتيجياتها بأن تكون بمقدمة خارطة السياحة العلاجية العالمية. وبدأ إطلاق أولى العلامات التجارية التي تساهم في التسويق لهذه المنتجات والخدمات، وللاستفادة القصوى من إمكانيات منشآت هيئات الرعاية الصحية المادية والبشرية في استقطاب الوافدين من الخارج للعلاج، بما يزيد المعدلات التشغيلية للمستشفيات والاستغلال الأمثل لمواردها. ويعزّز الموارد الذاتية للهيئات الرسمية والخاصة، ويسهم في عملية الارتقاء والتطوير المستمر للخدمات وفق أحدث معايير الجودة وممارسات الصحة العالمية.
وبالفعل تمضي الجهات الصحية في بلدان مثل دول الخليج والأردن ومصر وغيرها، قدمًا في استكمال خططها لتطبيق الخدمات الفندقية في مستشفياتها بما تشمله من مقومات سياحية فريدة وطبيعتها المناسبة التي تسهم في تحقيق استراتيجية استقدام الوافدين من الخارج لزيارتها والعلاج بمستشفياتها وتقديم حزم طبية مختلفة لرعايتهم طبيًا خلال فترة إقامتهم. وهناك من البلدان من أنشأ أجنحة خاصة في المطارات لاستقبال الوافدين من طالبي العلاج. وبالتالي متابعتهم حتى إنزالهم في ارقى المستشفيات الفندقية حيث تتوفر لهم الخدمة الفندفية الراقية والعلاج الطبي المناسب.
“في الحقيقة، ليست المستشفيات الفندقية ترفاً وليست لمجرّد الرفاهية. اليوم باتت قطاعاً إستشفائياً منتشراً على مساحة العالم ومتوسّعا يوما بعد يوم، بحيث دخلت المنظومات الصحية والتأمينية والإقتصادية في البلدان المعنية. ويؤكد العارفون أنها ما زالت في مرحلة البداية أن ما هو منتظر من تطور في المستقبل يعد بالكثير الكثير”.