إنتشار الأوبئة وغياب الإنصاف
إنتشار الأوبئة وغياب الإنصاف
أعلنت منظمة الصحة العالمية في 14 أغسطس 2024 الطواريء الصحية لتفشي جدري القردة في بعض الدول الأفريقية ، والعالم لازال يعاني من جائحة الكورونا ومتحورات الكوفيد، وتجربة الكورونا كانت قاسية ولا زالت مستمرة بتبعاتها الصحية والاقتصادية ، والقارة الافريقية التي تضم 54 دولة منها 11 دولة عربية أي نصف الدول العربية ، وبإجمالي مليار ونصف نسمة عدد سكان القارة السمراء ، وتتحمل أعلى عبء مرضي وأكثر أمراض معدية من الأيدز للايبولا والزيكا والملاريا والكوليرا للكورونا والحصبة والان جدري القردة ( امبوكس ) الذي بسببه أعلنت منظمة الصحة العالمية الطوارئ ، والقارة تعاني من نقص حاد في القوى العاملة الصحية والأطباء بالأخص حيث أن كليات الطب في أفريقيا 11% فقط من كليات الطب في العالم.، و 18 بلد أفريقي به كلية طب واحدة فقط في كل بلد ، وقد تكون افضل من التي بها 20 كلية وليس لها مستشفيات تعليمية ولا ما يغطي من اعضاء التدريس الأكفاء ، ومخرجاتها تساوي التي ليس بها كليات الطب وقد تكون اسواء في غياب المعايير المهنية في التعليم الطبي وممارسة الطب ، ويتوفر بالقارة الافريقية 3.6 مليون عامل صحي 37% منهم تمريض وقبالة تعاني من ضعف التدريب و 9% فقط أطباء أي ما يعادل 3% من أطباء العالم ، إن حجم العاملين الصحيين في أفريقيا 1.55 لكل 1000 نسمة وهذه نسبة متدنية جدا ، وبعض الدول الأفريقية بها 0.023 طبيب لكل 1000 نسمة مع ان بعض الدول الأوربية تتراوح النسبة بين 6 إلى 7 أطباء لكل 1000 نسمة بحد أدنى ، وتعاني القوى العاملة الصحية في إفريقيا من أنخفاض في الانتاجية لتدني التعليم والتدريب الطبي وضعف الإدارة والحوكمة وعدم القدرة على الاحتفاظ بالعاملين الصحيين ، مع شح الموارد المالية وضعف النظم الصحية وغياب الإجراءات التنظيمية لمجابهة الفاشيات والجوائح ومتوقع زيادة النقص في القوى العاملة الصحية بأفريقيا الى 6.5 مليون بحلول 2030 .
ولايمكن أن تعمل النظم الصحية الا بأعداد كافية ومؤهلة تأهيلًا عاليا وموزعين بشكل عادل ومنصف ، ولهذا يرتفع بالقارة السمراء عبء المرض وتتفاقم التحديات والتهديدات الصحية ، مع نقص الأدوية والمستلزمات الطبية ، وتعاني القارة من أنتشار الأدوية المغشوشة والمزورة والأدوية الاقل جودة والأقل فعالية ، ومراكز السيطرة على الأمراض بالدول الأفريقية تحدر من انتشار جدري القردة امبوكس في سلالة كليد ١ ب الأكثر انتشار والتي توسعت في دول كثيرة مجاورة للكونغو البلد الذي يعتبر موطن لجدري القردة منذ 1970 ولكن في سلالة اخف في الاعراض والانتشار واقل في نسبة الوفيات التي كانت لا تتعدى 1% وإنما السلالة الجديدة المتحولة تتعدى نسبة الوفيات 10% وقد تنتقل العدوى بين الناس من قبل ظهور الاعراض الظاهرية ومنها الحمى وآلام العضلات والوهن والضعف العام والصداع وتورم الغدد الليمفاوية والطفح الجلدي المتحوصل ، ولهذا يزداد القلق عند الدول الافريقية ومنظمة الصحة العالمية وباقي دول ألعالم ، لزيادة معدلات تحور الفيروسات ولحركة الناس وزيادة الهجرة ، ومع الصراعات التي تعاني منها بعض الدول الافريقية وما ينجم عنها من تكدس في مخيمات غير صحية مع إرتفاع معدلات الفقر والبطالة وسوء التغذية تزداد الأمراض الوبائية ، ومع غياب كفاية المراقبة والترصد والتقصي والتتبع تغيب البيانات والمعلومات الصحيحة والدقيقة وقد لا يشكل المعلوم منها الا جزء بسيط من الواقع المر ، مع عدم وجود تقارير شاملة عن الأدبيات الطبية فيما يتعلق بأنتقال العدوى والأمراض ، ولهذا الأمراض الوبائية اصبحت تشكل خطرا تستوجب التعاون الدولي وتدبير التمويل المالي لدعم الاستجابة القارية لأفريقيا وتوفير الحوافز لضمان تدابير آمنة وفعالة والتدريب المستمر والتزويد بالادوات اللازمة لمجابهة التهديدات الوبائية بالاختبارات الطبية للتشخيص والإمداد باللقاحات والأدوية العلاجية ، ودعم النظم الصحية لتتمكن من تقديم الخدمات الصحية الاساسية لتقليل عبء المراضة والوفيات ، والقارة السمراء في حاجة ملحة الان الى اكثر من 10 مليون جرعة لقاح لجدري القردة وتحتاج للدعم المالي بما لا يقل عن 4 مليار دولار لتهيئة النظم الصحية للاستجابة للتعامل مع انتشار الوباء وتدريب الكوادر البشرية وتمكين النظم الصحية بمعدات الاختبارات والمضادات الفيروسية العلاجية والعلاجات الطبية لتخفيف الاعراض ، وتحتاج القارة الافريقية لوقفة دولية جادة للقضاء على الأمراض الوبائية المنتشرة والتي لن تكون متوطنة في بلدان محدودة ، ولن يوقفها شئ لعبور الحدود والقارات في ظل التحولات الفيروسية التي يصعب التنبؤ بها ، ولعدم قدرة معظم البلدان على فك سلالات الفيروسات والتعرف على طبيعتها واثارها وطرق العدوى بها ، ومن غير المتوقع ان يتنادى العالم للمساعدة ، وتجربة الكورونا خير دليل إلى يومنا هذا ، حيث الدول المتقدمة علميا وصناعيًا وطبيًا اكتنزت اللقاحات والأدوات والمعدات الطبية والحمائية في بداية الجائحة ، وغابت الإنسانية وسيطرت الأنانية لدرجة قرصنة الأدوية ومواد الحماية في المواني والمطارات ، مع العلم أن الشركات الكبرى والدول الغنية تستعمل الدول النامية كمعامل بيولوجية ولا تبادر في تقديم المساعدات الطبية والدعم المادي ، ولا تقوم بتخفيض أسعار الادوية واللقاحات ، وفشل أعضاء منظمة الصحة العالمية في الانفاق على خطط لتوزيع منصف وعادل للقاحات على الدول النامية ، مع العلم أن ضمان توفير الجرعات المنقذة للحياة للبلدان الفقيرة هو من جانب إنساني وأخلاقي محض ، وكذلك من جانب مصلحي لتجنب انتقال العدوى للدول والشعوب الأخرى ، ولهذا لزاما على الدول الافريقية ان تتكاتف لاحتواء الوباء حيث ينتشر الان ، وتبادل المعلومات والبيانات الصحية بين الدول وبعضها ، ورفع درجات الترصد والتقصي والانذار المبكر والمراقبة المستمرة ، وتطوير كفاءات القوى العاملة الصحية ، والتعاون المشترك للوصول للتدابير المنقذة للحياة ، ووضع ادلة طبية وارشادية سريرية للمرضى والمشتبه في اصابتهم وللعائدين من البلدان المتضررة .
يجب أن يكون هناك حلول طويلة الأجل لتعزيز قدرة أكبر للمساواة في توفير اللقاحات ونقل التكنولوجيا الى الدول الأفريقية ، وتطوير المعامل البيولوجية ودعم أكبر علمي وتقني وبحثي لمراكز مكافحة الامراض ..
حفظ الله بلادنا وامتنا وقارتنا السمراء وسائر البشرية…
د.علي المبروك أبوقرين