سلمى الجاعوني
المدير التنفيذي لمجلس اعتماد المؤسسات الصحية
سلمى الجاعوني
“قمنا بتوسيع خدماتنا إلى ما هو أبعد من الاعتماد لدعم تحسين الجودة ولدينا أكثر من 250 مؤسسة رعاية صحية معتمدة”
يصادف هذا العام الذكرى الخامسة عشرة لتأسيس مجلس اعتماد المؤسسات الصحية في الأردن والذي يعتبر المؤسسة الأولى في الوطن العربي غير الربحية التي تحصل على اعتماد الجمعية الدولية للجودة في الرعاية الصحية. وكعادتها في كل عام، التقت مجلة “المستشفى العربي” المدير التنفيذي لمجلس اعتماد المؤسسات الصحية سلمى الجاعوني التي أطلعتنا على أحدث المستجدات والإنجازات التي قام بها المجلس. وفي ما يلي نص الحوار.
نستضيف مجلس اعتماد المؤسسات الصحية مرة أخرى ككل عام لمعرفة المزيد عن نشاطات وواقع الجودة وسلامة المرضى في الأردن والمنطقة، ما هي أحدث المستجدات؟
كما تعلم، بدأ مجلس اعتماد المؤسسات الصحية بالترويج للاعتماد وتقديمه كأداة لتحسين الجودة وسلامة المرضى في المستشفيات عام 2007. وتبنى الأردن هذا النهج وحقق نجاحات هائلة منذ ذلك الوقت حيث يضم اليوم أكثر من 250 مؤسسة رعاية صحية معتمدة بما في ذلك المختبرات والمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية.لقد قمنا أيضاً بتوسيع خدماتنا إلى ما هو أبعد من الاعتماد لدعم تحسين الجودة في خدمات الصحة الإنجابية، وصحة الأم والطفل، والرعاية الاجتماعية وذلك من خلال تصميم المعايير والمبادئ التوجيهية ومسارات العيادة والتدريب والتطبيق والاستشارة لأنظمة إدارة الجودة في الأردن والمنطقة.
وقد عقدنا شراكات مع منظمات دولية في البحث والتعليم والاستشارات مثل اليونيسف، ومنظمة الصحة العالمية، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والاتحاد الأوروبي، وصندوق الأمم المتحدة للسكان وغيرها للتأثير على السياسات ومساعدة الحكومات في الاعتماد وتقديم رعاية أكثر أماناً.
يواجه القطاع الصحي ضغطاً متزايداً في ظل جائحة كورونا وهناك تحذيرات عالمية من إمكانية حدوث جوائح أكثر قسوة في المستقبل. في ظل هذا الواقع الصعب، الا يبدو لك الحديث عن موضوع الجودة في الرعاية الصحية كنوع من الرفاهية للقطاع الصحي الذي يواجه العديد من التحديات الصعبة؟
على العكس تماماً، فالحديث عن تحسين الجودة في الرعاية الصحية اليوم بات ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى. ولنفهم الأمر علينا أن نعي أولاً أن تحسين الجودة في الرعاية الصحية لا يهدف إلى تحسين تجربة المريض فقط بل يهدف بشكل أساسي إلى تحسين نتائج العلاج وتقليل معدل الوفيات والإصابات الناجمة عن تقديم الرعاية الصحية وذلك عن طريق بناء أنظمة الجودة في المؤسسات الصحية وتطبيقها. ورغم أن الجائحة أبعدت أنظارنا عن معاناة المرضى من مخاطر الرعاية الصحية فما زال هناك أكثر من مليوني شخص يتوفون سنوياً في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بسبب الحوادث السلبية التي تقع أثناء تقديم الرعاية الصحية، كما أن مريضاً من بين كل عشرة مرضى في البلدان مرتفعة الدخل يصابون بالأذى أثناء حصولهم على الرعاية بالمستشفيات وذلك حسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية.
ومن المهم جداً هنا أن نقول بأن هذه التحديات التي أدت إلى مثل هذه الوفيات وتدني نوعية الحياة قد ازدادت بشكل كبير خلال الجائحة، مع انخفاض عدد الموظفين المتاحين، وخطط الطوارئ المطلوبة، ومتطلبات مكافحة العدوى العالية. هذا هو جوهر متطلبات الجودة والسلامة. ويسعدنا أن نقول بأن الأبحاث أظهرت أن المؤسسات الصحية الحاصلة على الاعتماد في الأردن كانت أكثر استعداداً للتعامل مع الوباء لأن لديها جميع الأنظمة والخطط المطلوبة. فلا شك ان اهتمامنا بجودة الظروف التي تقدم فيها الرعاية الصحية يصنع فرقاً هائلاً في إنقاذ ملايين الأرواح.
يطور مجلس اعتماد المؤسسات الصحية معايير للجودة في مؤسسات الرعاية الصحية المختلفة، ويقدم خدمات التدريب، والاستشارات لمؤسسات القطاع الصحي بالإضافة إلى تقديمه خدمة تقييم واعتماد المؤسسات الصحية المطبقة لمعايير الجودة المطلوبة. ماذا عن المؤسسات الصحية التي لم تبدأ الاستثمار بعد في هذه الخدمات، كيف تعملون على إشراكها في الجهود الرامية لتحسين الجودة في الرعاية الصحية؟
ينفذ المجلس العديد من المبادرات والحملات بهدف التوعية بمفاهيم الجودة في الرعاية الصحية وأهميتها ويستهدف من خلال هذه المبادرات كافة المؤسسات الصحية بغض النظر عن حصولها على شهادة الاعتماد. مثلاً يطلق المجلس منذ عشرة أعوام حملات الأهداف الوطنية لتحسين الجودة في الرعاية الصحية والمفتوحة لمشاركة المؤسسات المعتمدة وغير المعتمدة.
ويعمل المجلس من خلال هذه الحملات إلى دعوة المستشفيات والمراكز الصحية الأولية للعمل على تحقيق ثلاثة أهداف يتم التوافق عليها مع ممثلين عن القطاعات الصحية المختلفة باعتبارها قضايا يجدر العمل على معالجتها كأولويات؛ وقد ساهم المجلس على مدار الأعوام العشرة الماضية في إشراك مئات المؤسسات الصحية في جهود تحسين جودة الخدمات المقدمة من خلال إطلاقه هذه الحملات.
كما يعمل المجلس بالشراكة مع الحكومة والمؤسسات المدنية والمانحة على تطوير وتنفيذ برامج متكاملة يقوم من خلالها بتطوير وتطبيق بروتوكولات وتدريب العاملين وإعادة تنظيم تقديم الخدمة وحتى العمل بشكل ممنهج على تحسين الكثير من مؤشرات الصحة من خلال تحسين جودة الخدمات المقدمة.
يركز المجلس أخيراً وبشكل كبير على زيادة الوعي بمفهوم الجودة في الرعاية الصحية وأهميته؛ وقد قمنا العام الماضي بتنظيم المؤتمر السادس للجودة في الرعاية الصحية والذي عقدناه عن بعد من خلال منصة إلكترونية واستطعنا من خلاله استقطاب أكثر ممن 1500 مشارك.
كما نظم المجلس للسنة الثامنة على التوالي يوم التغيير الذي يدعو من خلاله المواطنين والمؤسسات الصحية إلى المشاركة بتعهداتهم الطوعية للعمل كل من موقعه وفي مجاله على تحسين جودة الرعاية الصحية؛ وقد تلقى المجلس خلال العام الماضي فقط أكثر من 90 ألف تعهد ما يشير إلى زيادة الوعي بأهمية موضوع تحسين الجودة في الرعاية الصحية.
كما نظم المجلس أيضاً خلال العام الفائت سلسلة من الحواريات عبر منصة زوم لتسليط الضوء على قضايا الجودة في الخدمات الصحية في الأردن وكيفية تحسينها. هذا بالإضافة إلى عمل المجلس على إطلاق العديد من حملات التوعية حول المفاهيم ذات العلاقة بجودة الرعاية الصحية وتحسينها من خلال حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
يصادف هذا العام الذكرى الخامسة عشرة لتأسيس مجلس اعتماد المؤسسات الصحية في الأردن والذي يعتبر المؤسسة الأولى في الوطن العربي غير الربحية التي تحصل على اعتماد الجمعية الدولية للجودة في الرعاية الصحية. ما أهم ما أنجز حتى الآن وما أكبر التحديات التي صادفتكم؟
التحدي الأكبر كان دفع المؤسسات الصحية للبدء في الاستثمار ببرامج التدريب والاعتماد. مع ذلك نفخر أن لدينا اليوم 238 مؤسسة صحية معتمدة، وقد نفذنا العام الماضي فقط أكثر من 50 دورة تدريبية تخرّج منها أكثر من 1100 متدرب في مواضيع تشمل تقديم الرعاية الصحية للنساء والأطفال، وتحسين الجودة، والوقاية من العدوى، وإدارة المخاطر.
قمنا أيضاً بوضع وتحديث معايير اعتماد المراكز والعيادات الطبية والمستشفيات، والمختبرات، ومراكز الصحة الأولية، ووحدات تصوير الثدي، وعيادات الأسنان، وبرامج الرعاية الصحية لمرضى السكري، ومعايير اعتماد النقل الطبي، وبرامج رعاية القلب والأوعية الدموية، ومعايير صيدليات المجتمع، وكل ذلك من خلال نهج تشاركي مع ممثلين عن القطاعات كافة بما فيها القطاع الحكومي والخاص والعسكري والمدني.
لكن الشيء الأكثر أهمية الذي تعلمناه في العامين الماضيين بالذات، في ظروف التعامل مع الوباء، هو كيف يكون مجلسنا مرناً للغاية وقادراً على الاستجابة للاحتياجات الفورية لقطاع الصحة في الأردن والمنطقة.
لقد قمنا بتصميم وتطوير وتنفيذ أدوات لتحسين جهوزية المؤسسات الصحية للتعامل مع فيروس كورونا ودعمنا ليس فقط مؤسسات الرعاية الصحية ولكن الهيئات الحكومية أيضاً في تصميم وتطوير وتنفيذ المبادئ التوجيهية والبروتوكولات التي تضمن توفير الرعاية الصحية بشكل صحيح وآمن أثناء الجائحة وفي كافة المرافق، كالمرافق الحدودية والمدارس والمطاعم وغيرها. وقد قمنا بتسريع خدماتنا الافتراضية وقدمنا تدريبات خاصة باحتياجات القطاع الصحي أثناء الجائحة بدءاً من مكافحة العدوى وحتى دعم الرضاعة الطبيعية. ونحن فخورون بكوننا مركز خبرات في هذا المجال لجميع التدخلات في الجودة والسلامة للأردن والمنطقة.
ما خططكم المستقبلية في المرحلة القادمة وما أبرز الأنشطة التي تعتقدون أنها مهمة للتركيز عليها في المرحلة المقبلة؟
إنه سر – لكن كما تعلم فأنا أمزح فقط.
يفتقر الأردن والمنطقة إلى الإدماج الحقيقي وإشراك المرضى والمستفيدين في اتخاذ القرار عند تقديم الرعاية الصحية. سيركز مجلس الاعتماد على هذه المجالات، وبالتحديد على قياس تجربة المريض وكيفية تحسينها، بالإضافة إلى قياس مؤشرات الجودة التي تغذي عملية صنع القرار.
لتكون قادراً على إشراك العملاء، هناك حاجة إلى الكثير من التثقيف والتوعية حول حقوقهم وتعريف السلامة والجودة. بالطبع، ما زلنا نؤمن أن الاستثمار في مقدمي الرعاية الصحية هو الركيزة الأساسية لتحسين الجودة، وبالتالي سنقدم العديد من الخدمات الجديدة في هذا السياق. بالإضافة إلى ذلك، نخطط لتوسيع نطاق عملنا في البلدان المجاورة وتعزيز تدخلاتنا في الخدمات الاجتماعية. لو كنت مكانك، لكنت سأتابع إعلاناتنا بعناية شديدة.