الدكتور لطفي شوشان
الدكتور لطفي شوشان
أستاذ الطب الوراثي وأستاذ علم الأحياء الدقيقة وعلم المناعة في وايل كورنيل للطب – قطر
”علم الأورام الدقيق يوفّر رؤية متعمقة أكثر دقةً“
نشر الدكتور شوشان، المعروف بغزارة بحوثه العلمية، دراساته في العديد من الدوريات الطبية الدولية المرموقة والتي تناولت الأشكال العدوانية من السرطان (سرطان الثدي وسرطان البروستاتا في المقام الأول)، والنزعة الوراثية للإصابة بالسرطان، ومقاومة العقاقير الدوائية، والأمراض المتعددة العوامل، والطب الدقيق، وتأثيرات مختلف علاجات السرطان، من بين عدد آخر من الموضوعات. مؤخراً، أخذ يكرّس الدكتور شوشان، الذي انضمّ إلى وايل كورنيل للطب – قطر في عام 2005، جانباً من اهتمامه للسّمات المحدّدة لسرطان الثدي عند المجموعات السكانية العربية. فقد نشر مؤخراً، مع باحثين آخرين، دراسة غير مسبوقة تناولت المخاطر الوراثية للإصابة بالسرطان، بما في ذلك سرطان الثدي، بين سكان قطر. ونُشرت الورقة البحثية المعنونة: “النزعة الوراثية للإصابة بالسرطان على نطاق أشخاص متحدّرين من أصول مختلفة في قطر: دراسة أترابيّة سكانية” في الدورية الطبية الشهيرة “ذي لانسيت أونكولوجي” The Lancet Oncology التي أبرزت عنوان الدراسة على غلافها. وتحدّث الدكتور شوشان إلى مجلة المستشفى العربي عن بحوثه، وأحدث التطورات والإكتشافات في مجال علاج السرطان وتشخيصه، وأهمية برنامج التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر وأثره وتأثيره في قطاع الرعاية الصحية في قطر.
ما الذي تكشف عنه دراستكم البحثية المنشورة في “ذي لانسيت أونكولوجي” بالنسبة لسرطان الثدي في المجموعات السكانية العربية مقارنةً بالمجموعات السكانية في مناطق أخرى من العالم؟
تقدّم هذه الدراسة أول فحص متعمّق للعلامات أو الواسمات الوراثية الشائعة والنادرة للسرطان لدى سكان قطر. واستندت هذه الدراسة إلى معلومات وراثية مستمدة من برنامج قطر جينوم/ قطر بيوبنك لأكثر من 6000 شخص. لذا، تُعدّ هذه الدراسة أول دراسة مسحية للنزعة الوراثية للإصابة بالسرطان في هذه المجموعة السكانية، وهذا أمر مهمّ لأننا نعلم أن العلامات الوراثية للأمراض، بما في ذلك السرطان، تبدو متفاوتة بين المجموعات السكانية المختلفة. وفي العادة، ترتبط العلامات الوراثية النادرة بالسرطانات الوراثية، بما في ذلك سرطان الثدي الوراثي، وخطر الإصابة بالسرطان يختلف باختلاف أصول الإنسان. واللافت هنا أنه بين المجموعات السكانية الشرق أوسطية، بما في ذلك سكان قطر، ثمة زيادة مثيرة للقلق في أعداد المصابين بالسرطان. وخلاصة هذه الورقة البحثية أن الدراسة قد سلّطت الضوء على العلامات الوراثية للسرطان بين المجموعات السكانية العربية وسيسهم ذلك في تعميق فهمنا للسرطان. ولا يقلّ عن ذلك أهميةً أن الدراسة تُبرز التفاوت في قابلية الإصابة بالسرطان ضمن الأصول المختلفة من سكان قطر، والتي تشمل الأصول العربية والفارسية والأفريقية وغيرها. فلكلّ مجموعة سكانية منها عوامل اختطار وراثية مختلفة للإصابة بالسرطان، وهذا الإختطار يختلف عن المجموعات السكانية في أجزاء أخرى من العالم. وهذا التفاوت هو ما يجذب الباحثين إلى التركيبة السكانية القطرية لأن دراسة هذه المجموعة السكانية الصغيرة يمكن أن تكشف عن مختلف المجموعات السكانية الفرعية في أجزاء أخرى من المنطقة.
كيف يؤثر تحسين وتعميق فهمنا للجوانب الوراثية في المحصلة العلاجية لسرطان الثدي؟
على صعيد مضامين ذلك بالنسبة للرعاية الصحية، يمكن أن توفّر هذه الدراسة مبادئ توجيهية قيّمة تستفيد منها البرامج الصحية الوطنية للوقاية من السرطان. والإحاطة بمثل هذا التفاوت عند إعداد برامج وطنية لمكافحة السرطان والتوعية به مسألة مهمة للغاية لأنه لا يمكن بأيّ حال من الأحوال إعداد إستراتيجية واحدة تلائم كلّ الحالات على اختلافها وتطبيقها على كل أفراد المجموعة السكانية المستهدفة. ولا بدّ من وجود تقسيمات أو تصنيفات فرعية بحيث يتلاءم البرنامج مع المجموعات المختلفة والمتنوعة ضمن السكان.
ما أبعاد هذه الدراسة البحثية بالنسبة لتطبيق الطب الدقيق في مجال علاج السرطان في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
التفاوتات الوراثية بين سكان قطر تسلّط الضوء على الإمكانات الكامنة للطب الدقيق وعلاج الأورام الدقيق. فالورقة البحثية تقدّم رؤية متعمقة قيّمة، وربما يجب علينا أن نفعل ذلك، حول استناد بروتوكولات فحوص الكشف عن السرطان إلى فهم أدقّ وأعمق لمعرفة المجموعات السكانية الفرعية التي هي أكثر عرضةً لخطر الإصابة بالسرطان من غيرها. فقد يثمر ذلك عن رعاية شخصية لكل فرد أفضل بكثير، مثلما قد يثمر عن الكشف المبكر عن السرطان، وكلّ ذلك يحسّن المحصلة العلاجية حتماً.
كيف يؤثر الفهم الأدق للجوانب الوراثية في المحصلة العلاجية في ما يخص سرطان الثدي على وجه التحديد؟
إذا ما عرفنا حالة ناقل الطفرة الوراثية فقد يساعدنا ذلك كثيراً في تحديد النساء اللواتي هنّ عرضةً أكثر من غيرهن للإصابة بسرطان الثدي وإسداء المشورة اللازمة لهن. وبذلك يمكننا توجيه فحص الكشف عن السرطان بشكل فعّال لتحديد النساء الأكثر عرضةً لخطر الإصابة بالمرض، وهو ما يدعم جهود الوقاية المستهدِفة، والكشف المبكر عن المرض والبدء بعلاجه من دون إبطاء، ومن شأن كل ذلك أن يحسّن المحصلة العلاجية على نحو ملموس.
ولعلّ المثال الأكثر شهرة لإدارة خطر الإصابة بسرطان الثدي هو قصة الممثلة الأميركية أنجلينا جولي التي اكتشفت في عام 2013 أنها تحمل الجين BRCA1، وهو ما يجعلها عرضة لخطر الإصابة بسرطان الثدي وسرطان المبيض، وعلى ضوء ذلك، قرّرت إجراء عملية جراحية وقائية لاستئصال الثديين والمبيض. وما فعلته هو خيار من بين خيارات عدة عندما تكتشف إحداهن أنها تحمل الطفرتين الوراثيتين للإصابة بسرطان الثدي، وهما BRCA1 و BRCA2. وثمة خطوة أولى هي الأكثر بساطة ووضوحاً عند اكتشاف ذلك تتمثل في زيادة وتيرة مراقبة الثديين والمبيض، ومن ثم هناك خيارات علاجية وخيارات تغيير أنماط الحياة ومن ثم الخيارات الجراحية. وبطبيعة الحال، هذه قرارات صعبة، ويجب أن تُتخذ على أساس مشورة فريق من الأطباء من تخصصات متعددة، مثلما يجب أن نتعامل مع هذه المسألة بالحساسية اللازمة للتغلّب على الظرف الصعب وتمكين المرأة المعنيّة من اتخاذ قرار مستنير يحقق لها أفضل نتيجة ممكنة على الإطلاق.
هل الطب الدقيق يؤثر حالياً في طريقة تشخيص السرطان أو خطر الإصابة بالسرطان، وكذلك طريقة إدارته وعلاجه في العالم العربي؟ وكيف يمكن أن يتغيّر ذلك في المستقبل القريب؟
أعتقد أن الإستشارة الوراثية هي أفضل سبيل عندما يتعلق الأمر بالأمراض الوراثية لأنها تتيح لنا تحديد الأفراد الأصحاء الذين يحملون طفرات مرتبطة بالسرطان. وفي واقع الأمر، يقود الآن شركاء متعاونون معنا في مؤسسة حمد الطبية دراسة بحثية ريادية جديدة ستستخدم بيانات مستمدة من دراستنا لتقديم استشارات وراثية لكلّ الافراد الذين تبيّن أن لديهم واسمات سرطانية وراثية. وهذه البيانات كانت غير معرّفة الهوية بالنسبة لنا، أي أننا لا نعرف هوية أصحابها، أما شركاؤنا في قطاع الرعاية الصحية فلديهم موافقة المشاركين للتواصل معهم، وهذا يعني أن أشخاصاً حقيقيين سيستفيدون بالفعل من دراستنا.
كيف يوجّه الطب الشخصي المنهجية العلاجية عند تشخيص الإصابة بالسرطان؟
يوفّر الطب الدقيق أو علم الأورام الدقيق رؤية متعمقة أكثر دقةً لأن كل ورم يتضمّن مساراً جزيئياً محدداً يستمر وينمو من خلاله. ويتيح لنا علم الأورام الدقيق تحديد تسلسُل الورم وتحديد المسار الذي يستخدمه، ومن ثم وصف الدواء الأنسب لتعطيل ذلك المسار. وهذا يمكّننا من أن نحدّد العلاج بدقة أكبر.
ما الفرص المتاحة لأطباء الأورام في قطر وعموم منطقة الشرق الأوسط لإجراء البحوث الإكلينيكية؟
في الأعوام القليلة الماضية، أُحرز تقدّم كبير في بحوث السرطان وعلاجه في منطقة الشرق الأوسط، وما زالت الفرصة سانحة لمزيد من التعاون الوثيق على نطاق المنطقة. فعندما نعمل معاً نستفيد من الدراية العلمية بمختلف بلدان المنطقة، وتتعزّز أهمية الدراسات إذا ما اطّلعنا على مزيد من البيانات، ونتغلَّب على تحديات أكبر مقارنةً بما يمكن أن يحققه كلّ بلد بشكل مستقل. ولا يطرح قسم التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر الكثير من فرص التعلّم بمعايير عالمية رفيعة فحسب، بل قام أيضاً بإرساء دعائم شبكة قوية تضمّ أطباء ومهنيين صحيين وباحثين في قطر، وهذه الشبكة تمتدّ على نحو متزايد نحو بلدان المنطقة. والإنضمام إلى هذه الشبكة يتيح فرصاً عظيمة للتواصل مع الزملاء من المهنيين الصحيين، وشحذ الأفكار معاً، وإقامة روابط تعاون دولية.
كيف تسهم البحوث الإكلينيكية في الفهم العام لتشخيص السرطان وعلاجه؟
تعتمد البحوث الإكلينيكية والبحوث الأساسية على بعضها البعض لأنها تتمّم بعضها البعض. بالنسبة لنا، للبحوث الإكلينيكية أهمية بالغة على صعيد تحديد السمات المختلفة لأنواع السرطان المختلفة وتحديد الإستجابة العلاجية واكتشاف المسارات المختلفة للسرطانات المختلفة. وهذا بدوره يمكّن القائمين على البحوث الأساسية من تطوير عقاقير دوائية جديدة تعطّل تلك المسارات، ومن ثم يقوم القائمون على البحوث الإكلينيكية بإجراء اختبارات فعلية على تلك العقاقير الدوائية. والبحوث الإكلينيكية بمثابة جسر لترجمة ما يتمّ التوصل إليه في المختبرات إلى حقيقة واقعة ومن ثم إرسال تعقيبات مهمة عنها. ونحن أمام لحظة رائعة للبحوث الأساسية والبحوث الإكلينيكية في ما يتعلق بسرطان الثدي، خصوصاً في نُهج الطب الدقيق، وثمة الكثير من الفرص للقيام بأعمال مهمة يمكن أن تترك أثراً إيجابياً ملموساً في تحسين المحصلة العلاجية للمريض.
أخيراً، أودّ الإشارة إلى أن الأنشطة العلمية التي ينظّمها قسم التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر معتمدة في قطر وفي العالم على حدّ سواء، فهي معتمدَة محلياً من قسم الاعتماد في إدارة التخصصات الصحية بوزارة الصحة العامة القطرية، ودولياً من مجلس اعتماد التعليم الطبي المستمر الأميركي (ACCME).