الدكتور روبرت أوجيامبو
الدكتور روبرت أوجيامبو
الأستاذ المشارك في الفيسيولوجيا والفيزياء الحيوية، وايل كورنيل للطب – قطر
”ثمة أدلة قائمة تفيد بأنه عندما يتّبع الإنسان سلوكيات خاملة فإنه يختزن الطاقة، ولهذه الطاقة المختزنة في جسمه آثار سلبية على صحته“
انضمّ الدكتور روبرت أوجيامبو إلى وايل كورنيل للطب – قطر في شهر يوليو 2024، ويشغل حالياً منصب الأستاذ المشارك في الفيسيولوجيا والفيزياء الحيوية في الكلية. وتتمحور بحوثه حول توازن الطاقة في جسم الإنسان والعلاقة بين مدخول الطاقة إلى الجسم، وإنفاق طاقة الجسم، وصحة الإنسان. وسبق للدكتور أوجيامبو أن شغل منصب الرئيس المؤسّس لقسم الفسيولوجيا ورئيس شعبة العلوم الطبية الأساسية في جامعة غلوبال هيلث إيكويتي (جامعة العدالة الصحية العالمية) في كيغالي، رواندا. وللدكتور أجيامبو إسهامات نشطة مع منظمات دولية في هذا المجال في كينيا والمملكة المتحدة والصين والنمسا. ونالت بحوثه الدعم والتمويل من مؤسسات ومنظمات مختلفة، منها الأكاديمية الصينية للعلوم، وكاثوليك ريليف سيرفسيز (CRS)، ومركز الدراسات الإفريقية بجامعة هارفرد، ومعهد هيفي للصحة العالمية (HIGH)، والوكالة الدولية للطاقة الذرية. تحدّث الدكتور أوجيامبو إلى مجلة «المستشفى العربي» عن الآثار الصحية السلبية للأنماط السلوكية الخاملة.
هل لكم أن تصفوا لنا السلوكيات الخاملة ولماذا تُعدّ من المتنبئات المستقلة للآثار الصحية السلبية؟
يمكننا تعريف السلوك الخامل بأنه أيّ وقت يمضيه الإنسان طوال استيقاظه جالساً أو مستلقياً. أما علمياً، فيعرّف السلوك الخامل بأنه إنفاق طاقة الجسم بمعدل أقلّ من 1,5 مكافئ أَيضي للجهد (METS). ويترتب على ذلك اختزان الطاقة الأيضية، ومن ثم قد يؤدي ذلك إلى حفز عمليات باثوفسيولوجية، أو فسيولوجية مَرضيّة. وثمة أدلة قائمة تفيد بأنه عندما يتّبع الإنسان سلوكيات خاملة فإنه يختزن الطاقة، ولهذه الطاقة المختزنة في جسمه آثار سلبية على صحته.
ما المخاطر القلبية الوعائية الأساسية المرتبطة بالجلوس لفترات طويلة؟
من شأن ممارسة أنشطة بدنية معتدلة الوتيرة إلى شديدة الوتيرة لمدة 150 دقيقة أسبوعياً أن تحمينا من النواتج القلبية الوعائية الضارة، مثل الرجفان الأذيني، واحتشاء عضلة القلب، وقصور القلب، والوفيات القلبية الوعائية. وقد أظهرت دراسة واسعة النطاق تابعت 17 ألف من الكنديين البالغين على مدار 12 عاماً علاقة قوية بين الجرعة والاستجابة في ما يتعلق بوقت الجلوس والوفيات القلبية الوعائية. كذلك، أظهرت دراسة أسترالية شملت 8800 شخص أن الأفراد الذين يمضون أكثر من أربع ساعات يومياً في أنشطة مرتبطة بالشاشة، مثل مشاهدة التلفاز على سبيل المثال، تفاقَم خطر وفاتهم بسبب الأمراض القلبية الوعائية بنحو 80%. وهناك دراسة حديثة استندت على «بيوبنك المملكة المتحدة» ورصدت قرابة 89 ألف شخص على مدار أكثر من ثمانية أعوام. وأظهرت هذه الدراسة أنه حتى بالنسبة للأشخاص الذين يمارسون أنشطة بدنية وفق المبادئ التوجيهية ذات الصلة، فإنّ انخراطهم في سلوكيات خاملة لأكثر من عشر ساعات يومياً يفاقم خطر إصابتهم بقصور القلب والوفيات القلبية الوعائية. وهذا يعني أنه حتى الأشخاص الذين يمارسون الأنشطة البدنية الموصى بها لا يزالون عرضة لخطر أمراض القلب والأوعية الدموية إلى حدّ ما في حال انخراطهم في سلوكيات خاملة.
كيف يُسهم تخصيص طاقة الجسم للعمليات الأيضية خلال السلوكيات الخاملة في إشارات صحية ضارة؟
تدعم الأدلة الحالية النظرية القائلة بأنّ إنفاق جسم الإنسان للطاقة مقيّد. فلدى البشر جميعاً حدّ أقصى من المستويات المستدامة لإنفاق طاقة الجسم. ويتألف إجمالي إنفاق طاقة الجسم من إنفاق الطاقة الأساسية (الطاقة التي تُنفق من أجل استمرارية العمليات الفسيولوجية) وإنفاق الطاقة النشطة (الطاقة التي تُنفق لدعم الأنشطة البدنية). وجدير بالذكر هنا أن الأفراد الخمولين والنشطين يميلون إلى أن يكون لديهم قيم متشابهة لإجمالي إنفاق طاقة الجسم. وبما أنّ إجمالي إنفاق طاقة الجسم مقيّد (له حدّ أقصى)، يترتّب على ذلك بالنسبة للأفراد النشطين للغاية أن يُعاد تخصيص الطاقة من إنفاق الطاقة الأساسية لدعم المتطلبات العالية للأنشطة البدنية. وفي المقابل، يكون لدى الأفراد الخمولين معدلات إنفاق طاقة أساسية أعلى (يُعاد تخصيصها من إنفاق طاقة الأنشطة البدنية غير المستغلة).
بتعبير آخر، لدى الأشخاص الخمولين معدّلات أيضية أساسية (BMR) أعلى مقارنة بالأشخاص النشطين. والمعدلات الأيضية الأساسية المرتفعة تضرّ الإنسان لأنها مرتبطة باضطرابات القلب والأوعية الدموية مثل السكري من النوع الثاني، ومرتبطة بزيادة الدهون الحشوية والالتهاب المزمن وارتفاع مستويات هرمونات التوتر في الجسم – الكورتيزول والأدرينالين وغيرها من العمليات الأيضية غير المنظمة التي تضرّ بالصحة وتؤدي إلى نواتج قلبية ووعائية سلبية. وثمة صلة فسيولوجية مَرضيّة واضحة من حيث أنّ فرط طاقة الجسم الأساسية (المعدلات الأيضية الأساسية المرتفعة) يدعم الالتهاب المزمن وازدياد إفراز الهرمونات، وتلك إشارات إلى اختلال التنظيم المرتبط باضطرابات القلب والأوعية الدموية.
كيف يساعد مقياس التسارع (accelerometer) في قياس فترة الخمول بدقة، وما هي القيود التي تحدّ من قدراته؟
ثمة إشكالية في القياس الدقيق للسلوكيات الخاملة. فعندما يقوم الإنسان برصدها بنفسه فإنه يميل إلى التقليل من فترة الخمول الخالية من الحركة البدنية. وأما مقياس التسارع الحديث المزوّد بخاصية رصد الوضعية ومعدل ضربات القلب فيمكنه قياس السلوكيات الخاملة بدقة لأنه يبدأ باحتساب حركة الجسم بمجرد أن يتحرك الإنسان. لكن هذه الأجهزة باهظة الثمن ما يحول دون استخدامها في الدراسات الوبائية الواسعة النطاق. وفي المقابل، يمكن استخدام التكنولوجيات القابلة للارتداء، مثل تطبيقات الساعات الذكية، لتتبّع السلوكيات الخاملة الشخصية. وإذا ما عرفنا أن عتبة السلوكيات الخاملة التي يُفضل عدم اجتيازها تتمثل في 10 ساعات يومياً، يمكن تهيئة هذه الأجهزة لتنبيه المستخدم عندما يقترب من تلك العتبة، وبذلك فإنها بمثابة استراتيجية فعّالة للتدخلات السكانية للحدّ من السلوكيات الخاملة.
بما أن الجلوس لفترة طويلة أثناء العمل لا مفرّ منه في العديد من أماكن العمل الحديثة، كيف يمكن لأماكن العمل أن تقلّل من الآثار الصحية السلبية المترتبة على ذلك؟
لدينا بالفعل بعض الأدلة التي تشير إلى تحقيق فوائد صحية ملموسة عند تقليل الوقت الخامل بمعدّل 30 دقيقة وتخصيص هذا الوقت لممارسة أنشطة بدنية متوسطة الوتيرة إلى شديدة الوتيرة. ومن شأن محطات العمل النشطة، مثل مكاتب الوقوف الهادفة إلى نشر مفهوم أداء مهامّ العمل في وضعية الوقوف، أن تسهم في التقليل من فترة الجلوس أثناء العمل.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ نقلة في ثقافة بيئة العمل يمكن أن تجعل الموظفين نشطين بدنياً وأن تحدّ من الجلوس بأضراره الخطيرة، ومن أمثلة ذلك الوقوف أثناء عقد الاجتماعات الرسمية، وتصاميم المكاتب الذكية المزوّدة بمنصة مشي، وأداء التمارين الخفيفة المتقطعة (أداء تمارين لأقل من دقيقة واحدة لكسر فترة الجلوس الطويلة)، ووجود صالة ألعاب رياضية في الشركات والمؤسسات. كذلك، يمكن للشركات والمؤسسات أن تشجّع الحركة البدنية لموظفيها إذا ما وضعت المعدات المكتبية بعيدة عن مكاتب موظفيها، ومن أمثلة ذلك أن يتعيّن على الموظف أن يقف ويسير نحو الطابعة.
وفي قطر، ثمة إستراتيجيات قيد التنفيذ لتشجيع الجميع على الحركة أكثر فأكثر، ومن أمثلة ذلك وجود مراكز تسوق ضخمة ومكيّفة، وممرات المشاة، والمتنزهات والأسواق التي توفر فرصة للحركة وتشجّع الناس بديهياً على المشي.
أطلقت وايل كورنيل للطب – قطر العديد من المبادرات المجتمعية الابتكارية لتشجيع الحركة البدنية والترويج للسلوكيات الصحية، وتلك المبادرات منبثقة عن قسم التعليم الطبي المستمر، وقسم الصحة السكانية، و«صحتك أولاً»، وهي حملة التوعية الصحية الأبرز التي تقودها الكلية. وفي سياق متصل، نجد أن وايل كورنيل للطب – قطر تتميز بمبانٍ مصمّمة بطريقة ذكية لتشجّع الجميع على الحركة بين المكاتب وقاعات المحاضرات والمختبرات وقاعات التدريس وبقية مرافق الكلية.
كيف يفاقم العيش في المناطق الحضرية السلوكيات الخاملة، وما الآثار التراكمية لأنماط الحياة الخاملة على نطاق العمل والتنقل والأنشطة الترفيهية؟
بطبيعة الحال، الحياة الحديثة تعزّز أنماط الحياة الخاملة، فهناك الترفيه المحصور في الشاشات، وهناك التنقل بوسائل مواصلات مريحة، وهناك الأجهزة المتقدمة التي تقلّل الحاجة إلى بذل أي مجهود، وكل ذلك يجعلنا نختزن الطاقة في أجسامنا. ولا بدّ من بذل جهد عن قصد لإنفاق طاقة الجسم، وعلينا أن نستغلّ أي فرصة سانحة لبذل أنشطة بدنية، سواء في العمل أو المنزل.
وهناك فرق بين الأنشطة البدنية والتمارين الرياضية. فأما التمارين الرياضية فنمارسها وفق خطة وهيكلية معيّنة، مثل الذهاب إلى الجيم.
أما الأنشطة البدنية فهي عفوية وطبيعية، على سبيل المثال، الجري على جهاز المشي (تريدميل) لمدة 30 دقيقة يُصنّف ضمن التمارين الرياضية التي نقوم بها وفق خطة معيّنة وعن قصد، وأما الذهاب إلى المول لشراء احتياجات المنزل فهو ضمن الأنشطة البدنية الطبيعية.
ولتصاميم البيئة المبنيّة في المناطق الحضرية تأثير على مستويات الأنشطة البدنية لسكان هذه المناطق، لذا علينا اعتماد تصاميم إيكولوجية تعزز الأنشطة البدنية وتحصر السلوكيات الخاملة ضمن أضيق نطاق ممكن.
هل ثمة دراسات جارية أو تطورات واعدة في هذا المجال؟
تُجرى دراسات حالية على مجموعات عالمية وتقوم باستقصاء متطلبات طاقة جسم الإنسان في الحياة المعاصرة وتسلط الضوء على توازن طاقة الجسم والصحة. وأنا أشارك حالياً في مبادرة متعددة الجنسيات للوكالة الدولية للطاقة الذرية (إجماليّ إنفاق طاقة جسم الإنسان على مدى حياته في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل)، وفي إطارها ندرس متطلبات طاقة الجسم في الحياة الحديثة ونرصد إنفاق طاقة الجسم في كل من الصين وأفريقيا والبرازيل وبلدان أخرى.
فالعالم يواجه اليوم وباء السمنة، ويتعيّن علينا أن نفهم إذا ما كان ذلك بسبب أنماط الحياة الخاملة أم بسبب تغيّرات في الأنظمة الغذائية. بالإضافة إلى ذلك، يُوصى بإجراء دراسات آلية، مثل تلك التي تبحث في السمنة الحشوية، والوظيفة المتقدّرية (الميتوكندريون) المتغيّرة، والالتهاب المزمن، والمسارات الأيضية غير المنظمة، لاستقصاء العلاقة بين السلوكيات الخاملة/خمول البدن والفسيولوجيا المرضيّة لأمراض القلب والأوعية الدموية. وثمة حاجة أيضاً إلى دراسات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتحديد عتبة فترة الخمول مع نقاط نهائية إكلينيكية أخرى، وأمراض القلب والأوعية الدموية (مرض نقص تروية القلب)، والوفيات لأي سبب، فمعظم الأدلة التي يُستشهد بها مستمدة من المجتمعات الغربية.
لمعرفة المزيد عن التطبيقات الإكلينيكية للمفاهيم التي نوقشت في هذه المقابلة، باستطاعة مهنيّو الرعاية الصحية حضور الندوة المعنونة «التصدّي للسمنة: نُهُج متعددة التخصصات من أجل رعاية شاملة»، والتي ينظمها قسم التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر في 25 يناير 2025. لمزيد من المعلومات يمكنكم مسح رمز الاستجابة السريعة للتسجيل لحضور الندوة.