الدكتورة عائشة هند الرفاعي
الأستاذ المساعد للطب النفسي السريري في وايل كورنيل للطب – قطر
الدكتورة عائشة هند الرفاعي
برنامج “شهادة في العلوم الإنسانية الطبية” يهدف إلى التعرف على التطبيقات العلاجية الراسخة للعلوم الإنسانية الطبية
الدكتورة عائشة هند الرفاعي تشغل منصب الأستاذ المساعد للطب النفسي السريري في وايل كورنيل للطب – قطر، وهي باحثة وممارسة في مجال العلوم الإنسانية الطبية وتؤمن بالإمكانات الاستشفائية للفنون عامةً، وحاصلة على شهادة البورد الأميركي للطب النفسي والعصبي (ABPN) في كلّ من الطب النفسي والطب النفسي للمسنّين، وعلى شهادة البورد الأميركي للطب الباطني (ABIM)، وعلى شهادة “دكتور في الطب” من كلية الطب بجامعة حلب في الجمهورية العربية السورية. قبل انضمامها إلى هيئة التدريس في وايل كورنيل للطب – قطر، عملت محاضراً في عدد من المؤسسات الأكاديمية والسريرية.
تدير الدكتورة الرفاعي، جنباً إلى جنب مع زميلة لها في هيئة التدريس برنامج شهادة اعتماد من جزأين يطرحه قسم التعليم الطبي المستمر بالكلية لتزويد المهنيين العاملين في قطاع الرعاية الصحية بالمهارات والمعارف الأساسية بشأن التطبيقات العلاجية للعلوم الإنسانية الطبية في مختلف المرافق السريرية. ويتألف برنامج “شهادة في العلوم الإنسانية الطبية: التطبيقات السريرية” من ثلاث وحدات تتمحور حول تطبيقات كل من العلاج بالمعالجة السردية، والعلاج بتذكّر مسيرة الحياة، والعلاج بالفنون التشكيلية بين المرضى المصابين بحالات سريرية معيّنة. بالإضافة إلى ذلك، يدير الدكتور الشعري سلسلة جديدة من الحلقات الدراسية عبر الإنترنت ينظمها قسم التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر بعنوان “أمراض اختلال تطوّي البروتين والتنكس العصبي: من النهج التجريبي إلى العلاج الإكلينيكي”. وتتواصل هذه السلسلة حتى 25 أكتوبر 2023. وكان إطلاق هذه السلسلة قد تزامن مع اليوم العالمي لمرض ألزهايمر بهدف نشر التوعية بأحد أبرز الأمراض الشائعة بين المسنّين.
حدّثينا عن برنامج “شهادة في العلوم الإنسانية الطبية” والتطبيقات ذات الصلة.
أديرُ البرنامج جنباً إلى جنب مع زميلتي في وايل كورنيل للطب – قطر الدكتورة كريستينا جولكوسكا، إذ بادرنا إلى إعداد هذا البرنامج بهدف إتاحة الفرصة للممارسين الصحيين في العديد من التخصصات للتعرف على التطبيقات العلاجية الراسخة للعلوم الإنسانية الطبية في المرافق السريرية.
يتألف هذا البرنامج من جزأين، ينصب تركيز أولهما على الفوائد المتأتية من المجالات السردية ونُهج الفنون الإبداعية، فيما يركّز ثانيهما على ثلاثة نُهج علاجية فعالة ذات أساس متين في البحوث العلمية، والمقصود بذلك العلاج بالمعالجة السردية، والعلاج بتذكّر مسيرة الحياة، والعلاج بالفنون التشكيلية.
ويستكشف البرنامج أيضاً منهجية هذه التدخلات وفعالياتها في حالات معيّنة مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والرعاية في مرحلة الاحتضار، والرعاية التلطيفية إلى جانب بيئات سريرية مختلفة. وفي مثل هذه الظروف، كثيراً ما تفيد العلوم الإنسانية الطبية المرضى وأحبائهم والقائمين على رعايتهم على حدّ سواء.
هل لنا أن نعرف المزيد عن هذه النُّهج الثلاثة؟
العلاج بالمعالجة السردية (NPT) يُعدّ اليوم أحد أبرز العلاجات النفسية القائمة على شواهد علمية ويستعان به في علاج حالات اضطراب ما بعد الصدمة الناجمة عن تجارب مختلفة (مثل الاغتصاب، والإيذاء، وتجارب المدنيين والعسكريين في مناطق الحروب والناجين من الكوارث الطبيعية وما إلى ذلك). ويستخدم نهج العلاج بالمعالجة السردية تقنيات سردية وتقنيات قصصية إلى جانب التذكّر، ويُدار إمّا فردياً أو جماعياً. وقد وثّقت دراسات حديثة فعالية العلاج بالسرد من خلال دورات قصيرة، وتبيّن استمرار الفوائد المتأتية من مثل هذه الدورات لفترة تصل إلى سنة كاملة وربما أكثر. كما أظهرت البحوث أن الذين يكملون دورة قصيرة في العلاج بالمعالجة السردية يُظهرون تحسّناً ملموساً في أعراض اضطراب ما بعد الصدمة.
نَهج العلاج بتذكّر مسيرة الحياة (LRT) طوّره عالم نفس النمو والمحلل النفساني الألماني-الأميركي إريك إريكسون. وأظهرت الدراسات التي أجريت على كبار السنّ بشأن التذكّر واستعراض مسيرة الحياة وعلم النفس السردي أن الأحداث الماضية بحدّ ذاتها لا تهمّ بقدر ما تهمّ معانيها ومغازيها الشخصية في ما يتعلق بمسار تطوّر هوية الإنسان وكذلك رفاهه وصحته العقلية في مختلف مراحل حياته ومن خلال الرجوع الى الماضي تبعا” لتقنية “تذكر مسيرة الحياة”، قد يفكّر الإنسان ملياً في حياته ويجد في ماضيه البصيرة والإلهام حتى في خضمّ مواجهته للشدائد.
وأظهرت دراسات فعالية تذكّر المرء لحياته الماضية في حالات الاكتئاب والرعاية التلطيفية وفي حالات الحزن لدى كبار السن. وعلى الرغم من أن هذا التدخُّل كان يُستخدم في البداية مع شريحة المسنّين، إلا أنه قد أثبت فعاليته أيضاً عند تطبيقه مع شريحة الشباب الذين يواجهون مرضاً حرجاً أو في أعقاب صدمة نفسية.
العلاج بالفنون التشكيلية (VAT) ثبتت فائدته للمرضى من جميع الفئات العمرية في العديد من مرافق الرعاية الصحية، لكن برنامجنا يركّز في المقام الأول على استخدامه في مجالات الرعاية في مرحلة الاحتضار والرعاية التلطيفية، وفوائده لا تقتصر فقط على المريض بل تشمل أيضاً مقدّمي الرعاية الصحية أنفسهم. والمرض العضال يتجسّد في مظاهر جسدية ونفسية وروحية عند المريض، وقد أظهرت بحوث أن الفنّ يمكن أن يسهم في تخفيف الشعور بالألم وأيضاً في تقليل الحاجة إلى تناول مسكّنات الألم. وهذا مفيد لأن مسكّنات الألم يمكن أن تُضعف المشاعر بل وفي بعض الأحيان يمكن أن تفاقِم الإعاقة الإدراكية، ما يجعلها تؤثر في قدرة المريض على التفاعل مع أسرته وقدرته على إظهار عواطف تجلب مشاعر إيجابية للمريض وأحبائه في تقبّل ما قد حصل.
يمكن أن يسهم الفنّ أيضاً في تهدئة مشاعر القلق بشأن الموت وتعزيز الأمل وتقبّل ما سيكون عند المريض في مرحلة الاحتضار. وبالمثل، وجدت الفرق المنخرطة في تقديم الرعاية للمصابين بأمراض مستعصية الدعم اللازم والتوازن المرجو في العلاج بالفنون البصرية لمساعدتهم على تجاوز المواقف الصعبة مع مرضاهم وأسر مرضاهم والحؤول دون إنهاكهم مهنياً. ونعتقد أن هذا النهج فعّال لأن الإنسان يبحث عن مغزى لحياته ولأن الأعمال الإبداعية تسعى إلى تحقيق أشياء من بينها إضفاء معانٍ إلى حياتنا والتجارب التي نعيشها.
مَن هي الفئة المستهدفة من برنامج شهادة في العلوم الإنسانية الصحية؟
يمكن للمهنيين الصحيين كافةً الالتحاق بهذا البرنامج، يشمل ذلك الأطباء والممرضين والصيادلة وأطباء الأسنان، مثلما يشمل المهن الطبية المسانِدة إلى جانب طلاب الطب والأطباء المقيمين. من المهم الإشارة هنا إلى أن العلوم الإنسانية في الرعاية الصحية لا يجب أن يُنظر إليها على أنها تقتصر على الأطباء النفسيين أو علماء النفس فقط. فقد تبيّن أن العلوم الإنسانية الطبية تفيد المرضى في جميع بيئات الرعاية الصحية تقريباً مثلما تفيد الممارسين الصحيين في المجالات كافة تقريباً.
في الحقيقة، عندما بدأت حركة العلوم الإنسانية الطبية في اكتساب زخم بالولايات المتحدة قبل 15 عاماً تقريباً كان وراء هذا الزخم مهنيون صحيون من مختلف التخصصات.
كذلك، نجد اهتماماً واسعاً من الممرضين الذين يشعرون بالحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة تسمح لهم بتجاوز قيود النهج الطبية التقليدية أو الاعتيادية.
وكيف تطرح الكلية هذا البرنامج؟
يقوم هذا البرنامج على ثلاث وحدات دراسية عبر الإنترنت (وحدة دراسية واحدة كل أسبوع) تناقش النّهج العلاجية الثلاث بالترتيب، وأديرها بالاشتراك مع الدكتورة جولكوسكا، وتستغرق الواحدة منها قرابة خمس ساعات. ونقوم بالتعريف بكلّ وحدة منها من خلال اجتماع متزامن، يبدأ كلّ واحد منها باستعراض النّهج العلاجي قيد الدراسة، تليه مناقشة جماعية وجلسة أسئلة وأجوبة. وثمة أنشطة أخرى تشمل تأملات في نصوص متعددة الوسائط إلى جانب إنجاز ثلاث مهام كتابية. ويمتد كل برنامج لثلاثة أسابيع.
ولكن كيف يمكن للمهنيين الصحيين دمج العلوم الإنسانية الصحية الطبية بالممارسة الاعتيادية لمهامهم اليومية؟
العلوم الإنسانية الطبية بطبيعتها قائمة على السلوكيات البشرية، لذا يقوم العديد من المهنيين الصحيين ببعض توصيات النّهج الثلاثة بطريقة تلقائية أو عفوية. ونجد اهتماماً لافتاً بهذه المهارات لأنها تبدو، بالنسبة لكثيرين من المهنيين الصحيين، مهمة وإن أغفلتها منظومة الرعاية الصحية إلى حد ما.
ويُظهر كثيرون من الذين يختارون مهن الرعاية الصحية اهتماماً بالعلوم الإنسانية الطبية، ربما كونهم متعاطفين، أو كونهم يتساءلون، أو يرغبون بمعرفة المزيد عن الأشخاص الذين يقدّمون لهم الرعاية. لذا فإن المهارات التي نقدّمها إليهم من خلال هذا البرنامج هي مهارات تصقل أو تكمل مهارات لديهم بالفعل، وتؤكد قناعتهم بأهمية وفعالية هذا الجانب من مهنتهم، وتعطيهم الحافز والمهارات اللازمة للقيام بذلك بأفضل طريقة ممكنة بحيث تحقق الفائدة المرجوّة منها.
ما ثغرات الكفاءات التي يسعى هذا البرنامج إلى معالجتها؟
ثمة الكثير من الدراسات التي تؤكد بأدلة واضحة الفوائد المتأتية من التدخلات الثلاثة التي نستكشفها من خلال هذا البرنامج، لكن النمذجة البيولوجية للطب التي باتت أكثر هيمنة في العشرين إلى الثلاثين عاماً الماضية مع اكتشاف الكثير من الأدوية الأكثر فعالية جعلت البعض يتغافل عن تقاليد الطب التي ندعو إلى العودة إليها.
فالأطباء العظماء عبر التاريخ الذين يمثلون نموذجاً أعلى يُحتذى به فطنوا إلى الحاجة إلى علاج الجسد والروح معاً لأنه لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. وإذا ما نظرنا في السيرة الذاتية لشخصيات مثل السير وليام أوسلر (طبيب وأكاديمي كندي (1849-1919) يُلقّب بـ “أبو الطب الحديث”) أو جان مارتن شاركو (عالم الأعصاب والأكاديمي الفرنسي (1825-1893) الملقّب بمؤسس طب الأعصاب الحديث) لرأينا أنهما يمتلكان فهماً واهتماماً واسعين للجسد والروح معاً.
وأفضل الأطباء هم الأقرب إلى مرضاهم، والذين يعرفون مرضاهم حق المعرفة، والذين يصغون إلى مرضاهم وقصصهم ومشكلاتهم، ولا تقتصر علاقتهم بهم على النظر في أعراض أمراضهم وحاجتهم إلى دواء ما.
وخلال 15 إلى 20 عاماً الماضية حدّدت هذه الحركة في الطب السردي، والعلاجات السردية، والعلوم الإنسانية الطبية مثل هذه الفجوة أو الثغرة وطوّرت برامج بحثية وتدريسية لمعالجتها. وفي حقيقة الأمر، تدمج اليوم برامج الطب في العديد من كليات الطب حول العالم هذه النّهج في مناهجها الدراسية، ويهدف هذا البرنامج إلى ردم هذه الفجوة ولكن بتركيز أوسع يتيح لشريحة واسعة من المهنيين الصحيين من اكتساب المهارات المطلوبة في هذا المضمار.
نحن نعتقد أن هذا النّهج سيسمح لأعداد متزايدة من المرضى وأحبائهم والمهنيين الصحيين الاستفادة من التدخلات السردية البالغة الفعالية التي نعتقد أنها تمثل إسهامات مهمة في الجوانب المختلفة من صحة الإنسان ورفاهه.