الدكتورة ثريا عريسي – وايل كورنيل للطب – قطر
أستاذ الطب الإكلينيكي ونائب العميد للشؤون الأكاديمية وشؤون المناهج في وايل كورنيل للطب – قطر
الدكتورة ثريا عريسي
“أنشطة قسم التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر معتمدة محلياً وعالمياً”
تعمل الدكتورة ثريا عريسي، أستاذ الطب الإكلينيكي ونائب العميد للشؤون الأكاديمية وشؤون المناهج في وايل كورنيل للطب – قطر، في مجال التعليم الطبي الدولي منذ أكثر من عشرين عاماً شغلت خلالها مناصب قيادية عدّة منها مدير برنامج إقامة أطباء الباطنة، العميد المساعد للمنهج الإكلينيكي، العميد المشارك للتعليم الطبي العالي، العميد المشارك الأول للتعليم الطبي والتعليم الطبي المستمر، ومناصب أخرى، وهي العميد المشارك المؤسِّس لقسم التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر. وفي لقاء مع مجلة المستشفى العربي، تحدّثت الدكتورة عريسي عن نجاح برنامج التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر، وعن أهميته البالغة بالنسبة لأصحاب المهن الصحية والمرضى على حدّ سواء، داخل دولة قطر وفي عموم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي أرجاء العالم.
حدّثينا بإيجاز عن قسم التعليم الطبي في وايل كورنيل للطب – قطر.
يوفّر قسم التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر للأطباء وسائر المهنيين الصحيين والممارسين الطبيين فرصاً مجزية للتطوير المهني بما يعزز كفاءتهم وأدائهم في إطار الممارسة الإكلينيكية، وبما يصبّ في نهاية المطاف نحو تحسين المحصلة العلاجية. أنشطة قسم التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر معتمدة محلياً وعالمياً على حدّ سواء، فهي معتمدة محلياً من قسم الاعتماد في إدارة التخصصات الصحية بوزارة الصحة العامة القطرية، ودولياً من مجلس اعتماد التعليم الطبي المستمر الأميركي (ACCME)، مؤسسة الاعتماد الريادية بالولايات المتحدة الأميركية.
برنامج التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر كان قد نال أول اعتماد له من مجلس اعتماد التعليم الطبي المستمر الأميركي في عام 2016، لتكون الكلية في طليعة كليات الطب التي تنال مثل هذا الاعتماد من خارج الولايات المتحدة. ويمنح هذا الاعتماد الرفيع كلية الطب الحاصلة عليه حقوق ومسؤولية تخصيص ساعات معتمدة من الفئة الأولى حسب نظام الجمعية الطبية الأميركية (AMA PRA). ومن ثمّ في عام 2019، وبعد تقييم مستفيض ووافٍ لبرنامج التعليم الطبي المستمر في وايل كورنيل للطب – قطر، نالت الكلية درجة “الاعتماد مع الثناء” من مجلس اعتماد التعليم الطبي المستمر الأميركي، وهو الاعتماد الأرفع مرتبة لتقديم برامج التعليم الطبي المستمر.
كيف تحدّدون وتختارون أنشطة التعلُّم الأكثر إثراءً لمعرفة العاملين في أوساط الرعاية الصحية في دولة قطر وفي عموم بلدان المنطقة؟
نقوم بإعداد الأنشطة المختلفة بما يتناسب مع احتياجات أصحاب المهن الصحية في مجتمعنا، لذا نعكف على إجراء تقييمات متأنية ودقيقة ومستفيضة لاحتياجات هؤلاء، داخل دولة قطر وفي المنطقة عموماً، ويكون ذلك على نحو منتظم. وما إن نحلّل آرائهم وإفاداتهم ونحدّد احتياجاتهم في هذا الصدد، نبدأ بإعداد أنشطتنا بطريقة هادفة ورصينة في آنٍ معاً. أعتقد أن ذلك هو ما يجعل برنامجنا للتعليم الطبي المستمر ناجحاً إلى أبعد حدّ ويجتذب مشاركة واسعة من المهنيين الصحيين من داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وخارجها. وبطبيعة الحال، يحرص مثل هؤلاء على المشاركة في الأنشطة المجدية لهم، سواء على صعيد التطوير المهني في مجال يهمّهم، أو في مجال وثيق الصلة بممارستهم المهنية لمعرفة العلاجات الجديدة أو أحدث المؤلَّفات الطبية ذات الصلة. وهذا باختصار كيف نقوم بالإعداد لبرنامجنا.
تطرحون مجموعة متنوعة من الأنشطة المختلفة. ما هي الموضوعات الرئيسة أو الأقسام الأساسية لبرنامج التعليم الطبي المستمر لديكم؟
انطلاقاً من تقييماتنا المنتظمة للاحتياجات الآنية لأصحاب المهن الصحية بالتنسيق مع الأطراف المعنية لدينا، فإننا نقسّم أنشطتنا من حيث المضمون إلى ثلاث فئات: أنشطة تتعلّق بالممارسة الإكلينيكية، وأنشطة تتعلق بصقل مهارات المثقّفين الصحيين، وأخيراً أنشطة مصمّمة لإثراء المهارات البحثية لأصحاب المهن الصحية الممارسين. أودّ أن أتحدث بإيجاز عن الفئة الثالثة، وهي فئة مهمة للغاية، ولا يُقصد منها أننا نريد من هؤلاء أن يكونوا باحثين، بل يُقصد من ذلك أن أنشطتنا تهدف إلى إثراء مهاراتهم على صعيد فهم البحوث وتطبيقها في سياق تقديم الرعاية لمرضاهم.
فثمة كمية هائلة ومتنامية من البحوث العلمية في كل مجال من مجالات الصحة والطب تقريباً، ولكن البحث عن تلك البحوث وفهمها كما يجب مهمة مستنزفة للوقت وتستلزم معرفة متخصصة ومهارات مختصة. لذا، نحن نساعد المهنيين الصحيين على الاستفادة من هذه البحوث الثرية بما يسهم في نهاية المطاف في النهوض بمعايير الرعاية الصحية. علاوة على ذلك، إذا كان أصحاب المهن الصحية مهتمين بالنهوض بمهاراتهم البحثية من أجل إجراء بحوثهم الذاتية، لدينا في هذه الحالة برامج شهادة الاعتماد التي تساعدهم على تعلُّم أساسيات البحوث العلمية، لا سيما في مجال الإحصائيات الحيوية التي يشكّل فهمها مسألة أساسية لكل من يريد تفسير بحوث الطب الحيوي أو إجراء مثل هذه البحوث في عصر البيانات الضخمة – “بيغ داتا”.
ما هي برامج شهادات الاعتماد الأخرى التي تطرحونها إلى جانب المهارات البحثية؟
لدينا عدد من برامج شهادات الاعتماد التي تغطي مجالات مختلفة، وقد اجتذبت اهتماماً ملموساً في مجتمعنا. وعلى سبيل المثال، رأينا اهتماماً لافتاً من أصحاب المهن الصحية في شتى أرجاء المنطقة ببرنامج شهادة اعتماد في الإنسانيات الطبية، لذا أعددنا برنامجاً، بالتعاون مع خبراء من هيئة التدريس في وايل كورنيل للطب – قطر، اجتذب اهتماماً واسعاً في أرجاء المنطقة.
عندما تتحدثين عن المنطقة، أي بلدان المنطقة أكثر انخراطاً معكم؟
بطبيعة الحال، تستحوذ دولة قطر على أكبر نسبة من أصحاب المهن الصحية المشاركين في أنشطتنا وبرامجنا، ولكن لاحظنا خلال العامين الماضيين إقبالاً من عموم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وليس هذا فحسب، بل ومن جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وأوروبا الوسطى. كما شهدنا اهتماماً وطلباً متزايدين على عدد من أنشطتنا وبرامجنا الأكثر تخصصاً من مناطق أبعد بكثير من هذا العالم، فقد وصلنا إلى مهنيين صحيين في أميركا الشمالية وأستراليا. ومن اللافت أن المحاضرات والأنشطة عبر الإنترنت التي راجت خلال تفشي الجائحة، تواصلت على الرغم من تخفيف القيود المفروضة في بعض بلدان العالم.
برأيكم، ما السبب، وربما الأسباب، التي جعلت برامجكم وأنشطتكم محطّ اهتمام المهنيين الصحيين وتجتذب مشاركة واسعة في أوساطهم؟
مما يسرّنا كثيراً بحقّ أن برامجنا وأنشطتها قد حققت نجاحاً واسعاً، ومردّ ذلك في جزء كبير منه إلى حماس أصحاب المهن الصحية في مجتمعنا وتفانيهم. وإلى جانب ذلك، ثمة أسباب عدّة جعلت أنشطتنا تجتذب هذه المشاركة الواسعة والمتواصلة من المتخصصين الصحيين: أولها، وبالعودة إلى نقطة سابقة، فإن أحد الأسباب الرئيسة لنجاحنا هو أن أنشطتنا موجّهة بدقة نحو احتياجات مجتمعنا.
علاوة على ذلك، اعتمدنا أحدث التقنيات، ومنها التقنية الافتراضية للمشاركة عن بُعد التي أثبتت أهميتها البالغة في خضم جائحة كوفيد– 19، وكنا فعلياً نستعين بها قبل بداية الجائحة وإِن كان ضمن نطاق أضيق. ولعلّ أحد أهم نجاحاتنا مؤخراً هو سلسلة الحلقات الدراسية الشبكية المتمحورة حول كوفيد– 19 بمشاركة خبراء مختصين، فقد أتاحت لنا هذه السلسلة الوصول إلى عدد هائل من الممارسين الصحيين على امتداد رقعة جغرافية شاسعة، والإسهام في إثراء معرفة المختصين بشأن مرض جديد لم يكن كثيرون يعرفون شيئاً عنه وكيفية التعامل معه في بداية الجائحة. وثمة سبب آخر لنجاحنا والإقبال على برامجنا وأنشطتنا ألا وهو اختيارنا لشريحة واسعة ومتنوعة من الخبراء والمتحدثين. فنحن نستضيف خبراء ومحاضرين مرموقين ومعروفين دولياً من نخبة من المؤسسات الطبية في شتى أنحاء العالم، يتحدثون للمشاركين ويتقاسمون معهم خبراتهم ورؤاهم. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من أنشطتنا لا تركّز على إثراء المعرفة العلمية فحسب، بل أيضاً على اكتساب أو صقل مهارات عملية في مجالات محددة، وهو أمر نادر وقلّما يتوافر في هذا الجزء من العالم.
إلى جانب كل الأسباب آنفة الذكر وراء نجاح برامجنا وأنشطتها والإقبال عليها، ثمة سبب رئيس آخر هو أن برامجنا وأنشطتنا معتمدة محلياً من قسم الاعتماد في إدارة التخصصات الصحية بوزارة الصحة العامة القطرية، ودولياً من مجلس اعتماد التعليم الطبي المستمر الأميركي.
كيف تقيسون نجاح أنشطتكم؟
نحن نقيّم جميع برامجنا على نحو منتظم وبطريقة منهجية، ونحن مهتمون بمعرفة مدى رضا المشاركين عن كل فعالية ومدى استفادتهم منها، ومهتمون بالقدر نفسه برصد التقدم المحرَز في كفاءتهم وأدائهم في المجال الذي تناولته الفعالية. وفي هذا الصدد، نقوم بإجراء استبيان متابعة للمشاركين بعد مضيّ ستة أو حتى ثمانية أشهر على حضور الفعالية لتقييم تأثير تجربة التعلُّم في ممارستهم الصحية والإكلينيكية الفعلية.
أين تكمن الأهمية البالغة للتعليم الطبي المستمر؟
كما يعرف أغلب الناس وكما تبيّن جلياً طوال الجائحة، فإن المعرفة الطبية تشهد تطورات متلاحقة. ويدرك أغلب المهنيين الصحيين أنّ ما يتعلمونه خلال دراستهم وتدريبهم حلَّت محله معرفة علمية أو أساليب علاجية جديدة بما ينسجم مع الاكتشافات الطبية المتابعة، ويتلاءم مع أفضل الممارسات المتبعة في حينه. لذا، يتعيّن على ممارسي المهن الصحية الحريصين على مواكبة أحدث التطورات والمستجدات الإلمام بالمؤلَّفات الجديدة المنشورة حول العالم. ولكن في أغلب الأحيان، يصعب عليهم إيجاد الوقت الكافي لدراسة تلك المؤلَّفات بشكل مستقل وسط انشغالاتهم، فلمرضاهم كما نعرف الأولوية المطلقة. تسهم أنشطتنا في حلّ هذه المشكلة عبر إتاحة الفرصة لهم للالتقاء بزملائهم ومعرفة أحدث التطورات على نحو منتظم بطريقة علمية رصينة ودون تبديد الكثير من وقتهم. باختصار، نحن ندعم أوساط أصحاب المهن الصحية عبر إتاحة فرص التعلُّم مدى الحياة لهم بما يصبّ في نهاية المطاف في مصلحة مرضاهم.
في حقيقة الأمر، المشاركون ببرامجنا وأنشطتنا هم من الداعمين لنا ويشيدون كثيراً بالخبراء المتحدثين خلال مختلف فعالياتنا. والمشاركون يقدّرون عالياً حقيقة أن كل المعلومات المقدّمة لهم محدّثة أولاً بأول، خصوصاً عندما يكون لمثل هذه المعلومات تأثير ملموس في الممارسة الإكلينيكية. فنحن نيسّر لهم مواكبة أحدث التطورات والمستجدات العلمية والطبية، وهم يثمّنون ذلك عالياً.
إلى جانب ذلك، يثمّن المشاركون فرصة الالتقاء بزملائهم والتفاعل والتواصل معهم، ما يجعلهم جزءاً من شبكة موسّعة وأيضاً جزءاً من منظومة من الأقران الذين يتبادلون المعرفة والأفكار في ما بينهم بطرق عفوية ورسمية في آنٍ معاً. ونحن نسمّيهم “مجتمعات ممارسي المهن الصحية” ونعلم أن المشاركين يستفيدون كل الاستفادة من ذلك. من الواضح أن ذلك يتحقق بشكل أفضل عندما تنعقد أنشطتنا وجهاً لوجه، ونحن نتطلع إلى أن يكون الأمر كذلك مع تخفيف القيود التي فُرضت بسبب الجائحة يوماً بعد آخر.
وفي المقابل، نجد أن المنصات الافتراضية التي نستخدمها توفّر وسيلة فعّالة لدعم “مجتمعات ممارسي المهن الصحية” وتطويرها، وقد بذلنا كل الجهد المطلوب لنقل مثل هذا التفاعل إلى الأنشطة المنعقدة عبر منصات افتراضية.
واستشرافاً للمستقبل، نأمل أن نتمكّن يوماً ما من إرساء دعائم “مجتمعات ممارسي المهن الصحية” في الفعاليات المنعقدة وجهاً لوجه، وبالمثل في الفعاليات المنعقدة عبر منصات افتراضية، وأن يستفيد من هذه المجتمعات المزيد والمزيد من أصحاب المهن الصحية في شتى أنحاء المنطقة وشتى أرجاء العالم، بما يمكّنهم من صقل مهاراتهم وإثراء معرفتهم العلمية يوماً تلو آخر إسهاماً في تحسين المحصلة العلاجية للمرضى أنفسهم.