أمراض وعلاجات

من أجل أطفال أكثر صحة… هكذا تجعلونها آمنة وسليمة

من أجل أطفال أكثر صحةهكذا تجعلونها آمنة وسليمة

شهد انتشار السمنة في مرحلة الطفولة زيادة ملحوظة على مدى العقود القليلة الماضية، وتحوّلت إلى وباء عالمي يهدد صحة أجيال المستقبل. يعود السبب الرئيسي لهذه الزيادة إلى تغير أنماط الحياة الحديثة، حيث قلّ النشاط البدني لدى الأطفال وازداد الاعتماد على الأطعمة المصنعة والوجبات السريعة الغنية بالدهون والسكر. وقد أظهرت دراسات حديثة أن انتشار السمنة في مرحلة الطفولة في تزايد، حيث يلاحَظ ظهورها في أعمار أصغر، كما تصل إلى مستويات أكثر شدة مقارنة بالسنوات السابقة.

السمنة لدى الأطفال هي اليوم مشكلة صحية عالمية تتزايد خطورتها، وهي حالة مزمنة تتميز بتراكم كمية كبيرة من الدهون في الجسم، ما يعرّض هذه الفئة لمجموعة واسعة من المشاكل الصحية. تتعدد أسباب هذه المشكلة، فهي تتأثر بعوامل وراثية وعوامل بيئية، مثل النظام الغذائي غير الصحي وقلة النشاط البدني؛ كما تلعب العوامل النفسية والاجتماعية دوراً هاماً في زيادة خطر الإصابة بالسمنة. 

تؤدي سمنة الطفولة إلى العديد من المضاعفات الصحية الخطيرة، سواء على المدى القصير كصعوبات التنفس ومشاكل المفاصل، أو على المدى الطويل كالسكري من النوع الثاني وأمراض القلبلحسن الحظ، يمكن الوقاية من سمنة الطفولة من خلال اتباع نمط حياة صحي يشمل تناول غذاء متوازن وممارسة الرياضة بانتظام. 

كما يجب تشجيع الأطفال على تبني عادات غذائية صحية منذ الصغر، وتوفير بيئة منزلية تدعم السلوكيات الصحيةفي حال كان الطفل يعاني من السمنة، فإن العلاج يتطلب عملاً جماعياً بين الطفل والأسرة والطبيب، ويشمل تغييرات في النظام الغذائي وزيادة النشاط البدني، وقد يستلزم في بعض الحالات تدخلاً طبياً.

تتأثر هذه الحالة بالعديد من العوامل المتداخلة. من أبرز هذه الأسباب:

  • سوء التغذية: تناول كميات كبيرة من الأطعمة الغنية بالسعرات الحرارية، مثل الوجبات السريعة والكثير من السكريات والمشروبات السكرية.
  • قلة النشاط البدني: الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول في الأنشطة السلبية مثل مشاهدة التلفزيون أو ألعاب الفيديو، ويقلّلون من النشاط البدني، هم أكثر عرضة لزيادة الوزن.
  • العوامل الوراثية: الأطفال الذين لديهم تاريخ عائلي للسمنة هم أكثر عرضة للإصابة بالسمنة بسبب الاستعداد الوراثي.
  • العوامل النفسية: يمكن أن يؤدي التوتر والملل والمشاكل العاطفية إلى الإفراط في تناول الطعام لدى بعض الأطفال كآلية للتكيف.
  • العوامل الاجتماعية والاقتصادية: قد يكون لدى الأسر ذات الموارد المحدودة وصول أقل إلى الأطعمة الصحية والأماكن الآمنة لممارسة النشاط البدني، ما يساهم في ارتفاع معدلات السمنة.
  • الاختلالات الهرمونية: يمكن لبعض الحالات الهرمونية أيضًا أن تلعب دورًا في زيادة الوزن والسمنة.
  • أنماط النوم: تم ربط ضعف نوعية النوم وقلة النوم بزيادة الوزن لدى الأطفال.

تؤدي السمنة في مرحلة الطفولة إلى مشاكل صحية خطيرة، تشمل:

مشاكل في القلب
الوزن الزائد  لدى الأطفال يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في القلب مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستويات الكوليسترول السيئ. يمكن أن يؤدي كذلك إلى تضخم عضلة القلب، ما يجعل القلب يعمل بجهد أكبر لضخ الدم في جميع أنحاء الجسم، وبالتالي يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في أداء القلب بمرور الوقت. السمنة ترتبط أيضًا بمتلازمة التمثيل الغذائي التي تشمل مجموعة من الحالات التي تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب. 

السكري من النوع 2
الأطفال الذين يعانون من السمنة أكثر عرضة للإصابة بالسكري من النوع 2، وهو نوع من أنواع السكري الذي يتطور عندما لا يستطيع الجسم استخدام الأنسولين بشكل فعال. هذه الحالة كانت تعتبر نادرة بين الأطفال في الماضي، ولكن مع تزايد معدلات السمنة، أصبحت أكثر شيوعاً. السمنة تؤدي إلى زيادة في الدهون في الجسم، والتي تؤثر على كيفية استجابة الجسم للأنسولين، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم مستويات السكر في الدم. عندما يصبح الجسم مقاومًا للأنسولين، يتعين على البنكرياس إنتاج المزيد من الأنسولين للحفاظ على مستويات السكر في الدم تحت السيطرة. ولكن مع مرور الوقت، قد لا يستطيع البنكرياس مجاراة الطلب المتزايد، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم وتطور مرض السكري من النوع 2. 

مشاكل في التنفس
السمنة لدى الأطفال يمكن أن تسبب مشاكل كبيرة في التنفس، مثل الربو الذي يتسبب في تضيُّق مجاري الهواء في الرئتين ويؤدي إلى صعوبة في التنفس والسعال والصفير. كما أن السمنة تزيد من خطر الإصابة بتوقف التنفس أثناء النوم، وهو اضطراب خطير يحدث عندما يتوقف التنفس بشكل متكرر خلال النوم بسبب انسداد مجاري الهواء. هذه المشاكل التنفسية يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على جودة الحياة والنشاط اليومي للأطفال المصابين بالسمنة، وتزيد من احتمالية حدوث مضاعفات صحية أخرى.

مشاكل في المفاصل
الوزن الزائد لدى الأطفال يمكن أن يسبب ضغطًا كبيرًا على المفاصل، ما يؤدي إلى آلام المفاصل والتهابها. عندما تحمل المفاصل وزناً زائداً عن قدرتها الطبيعية، فإنها تتعرض للإجهاد المفرط والاحتكاك الزائد، وهذا يمكن أن يتسبب في تلف الأنسجة الغضروفية التي تحمي المفاصل. 

الأطفال الذين يعانون من السمنة عرضة بشكل خاص لهذه المشاكل، حيث أن أجسامهم النامية لا تزال في مرحلة التكوين ويمكن أن تتضرر بسهولة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي آلام المفاصل المزمنة إلى انخفاض مستويات النشاط البدني، ما يزيد من تفاقم السمنة ويخلق حلقة مفرغة من المشاكل الصحية. 

مشاكل في المرارة
السمنة لدى الأطفال تزيد من خطر الإصابة بحصى المرارة وأمراض المرارة بشكل كبير. حصى المرارة تتشكل عندما تتصلب المواد الصفراوية المخزّنة في المرارة إلى قطع صغيرة تشبه الحجارة، وهذا يمكن أن يكون مؤلمًا جدًا ويسبب انسدادًا في القنوات الصفراوية، مما يؤدي إلى مضاعفات صحية خطيرة مثل التهاب المرارة أو التهاب البنكرياس. الأطفال الذين يعانون من السمنة يكونون أكثر عرضة لتكوين حصى المرارة بسبب التغيّرات في تركيبة الصفراء وزيادة مستويات الكوليسترول. بالإضافة إلى ذلك، السمنة تؤدي إلى زيادة في الأنسجة الدهنية، ما يمكن أن يؤثر على وظائف الأعضاء ويزيد من خطر الإصابة بأمراض المرارة. 

مشاكل نفسية
الأطفال الذين يعانون من السمنة قد يواجهون مجموعة من المشاكل النفسية، مثل القلق والاكتئاب وانخفاض الثقة بالنفس. يمكن أن تؤدي السمنة إلى شعور الأطفال بالوصمة الاجتماعية والتمييز، ما يؤثر على صحتهم النفسية والعاطفية. الأطفال المصابون بالسمنة قد يكونون عرضة للتنمر والمضايقات من قبل أقرانهم، وهذا يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في العلاقات الاجتماعية وتراجع الأداء الأكاديمي. بالإضافة إلى ذلك، قد يشعر هؤلاء الأطفال بالعجز والإحباط بسبب عدم قدرتهم على الانخراط في الأنشطة البدنية بشكل طبيعي، مما يزيد من مشاعر الحزن والعزلة. 

الوقاية والعلاج

تعتبر السمنة في مرحلة الطفولة مشكلة صحية عالمية تتطلب جهودًا متضافرة لمكافحتها. تتضمن هذه الجهود مجموعة من الإجراءات الوقائية والعلاجية التي تستهدف الأطفال وعائلاتهم والمجتمع ككل.

تتطلّب الوقاية من السمنة في مرحلة الطفولة:

  • تغذية صحية: من خلال التشجيع على تناول الفواكه والخضراوات والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون، في مقابل الحد من الأطعمة المصنعة والوجبات السريعة والمشروبات السكرية. يجب أيضاً تقديم وجبات منتظمة ومتوازنة للأطفال وتعليمهم قراءة الملصقات الغذائية.
  • النشاط البدنيتشجيع الطفل على ممارسة الرياضة بانتظام لمدة لا تقل عن ساعة يوميًا، والحرص على مشاركته في أنشطة بدنية ممتعة ومناسبة للعمر. من الضروري الحد من الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات.
  • النوم الكافي: الحرص على حصول الأطفال على قسط كاف من النوم وتهيئة بيئة نوم مريحة ومظلمة وهادئة.
  • الدعم الأسري: من المهم تقديم الدعم والتشجيع للأطفال على اتباع عادات صحية في مسار علاج السمنة، وجعل التغذية الصحية والنشاط البدني جزءًا من روتين الأسرة.

علاج السمنة في مرحلة الطفولة، فيتطلّب:

  • تقييم شامل: إجراء تقييم شامل للطفل لتحديد أسباب السمنة والعوامل المساهمة فيها. تحديد وجود أي مشاكل صحية أخرى مرتبطة بالسمنة.
  • تغيير نمط الحياة: – تعديل النظام الغذائي ليشمل الأطعمة الصحية وزيادة النشاط البدني. – تحديد أهداف واقعية وقابلة للتحقيق. – متابعة التقدم المحرز بانتظام.
  • الدعم النفسي: تقديم الدعم النفسي للطفل وعائلته للتغلب على التحديات التي يواجهونها.
  • العلاج الدوائي: في بعض الحالات، قد يصف الطبيب أدوية لعلاج السمنة، ولكن يجب استخدامها تحت إشراف طبي.
  • الجراحة: في الحالات الشديدة جداً، قد يلجأ الطبيب إلى الجراحة كحل أخير.

إن ما نود التأكيد عليه في الختام هو أن سمنة الأطفال ليست قضية مستعصية على الحل؛ فمن خلال تضافر جهود أفراد الأسرة، المدارس، المجتمعات، يمكننا عكس هذه الأزمة الصحية. بتوفير بيئة تدعم عادات غذائية صحية ونشاط بدني منتظم، يمكن وضع أسس الصحة والعافية في أجيال المستقبل. من خلال توفير التغذية السليمة، تشجيع النشاط البدني، وتوفير بيئة داعمة، يمكن حماية الطفل من العديد من الأمراض المزمنة المرتبطة بالسمنة. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى