أمراض وعلاجات

ما بين العلاج الدوائي وغير الدوائي… نهج متكامل لإدارة ترقق العظام

ما بين العلاج الدوائي وغير الدوائينهج متكامل لإدارة ترقق العظام

تعتبر العلاجات الحديثة لترقق العظام نقلة نوعية في مجال طب العظام. ومع استمرار الأبحاث والتطوير، يمكن توقّع ظهور علاجات أكثر فعالية وأمانًا في المستقبل. مع ذلك، يجب التأكيد على أهمية التشخيص المبكر واتباع نمط حياة صحي للوقاية من هذا المرض. فقد حققت العلاجات الحديثة لترقق العظام قفزة نوعية في مجال طب العظام، وفتحت آفاقاً جديدة لعلاج هذا المرض المزمن.

تعتبر أمراض العظام، وخاصة ترقق العظام أو هشاشة العظام، من المشاكل الصحية المنتشرة، خاصة بين كبار السن؛  ولحسن الحظ، شهدت السنوات الأخيرة تطورات كبيرة في مجال علاج هذه الحالة، ما يوفر خيارات أكثر فعالية وأمانًا للمرضى. السنوات الأخيرة والأبحاث المستمرة أفضت إلى تطورات كبيرة في مجال علاج هشاشة العظام. فقد تم تطوير أدوية جديدة تساعد على زيادة كثافة العظام، وتقليل خطر الإصابة بالكسور، كما يمكن الجمع بين أنواع عدة من الأدوية لتوفير نتائج أفضل مثل الجمع بين الأدوية التي تزيد كثافة العظام والأدوية التي تمنع تآكل العظام. أما أدوات التشخيص فشهدت بدورها تطوراً ملحوظاً، حيث تم تطوير أدوات تشخيصية جديدة، مثل تقنية DEXA (قياس كثافة المعادن في العظام)، تساعد على الكشف المبكر عن هشاشة العظام وتحديد مدى حدة المرض.

بالإضافة إلى هذه التطورات، تسعى الأبحاث المستمرة إلى فهم أسباب ترقق العظام بشكل أفضل وتطوير علاجات أكثر استهدافًا، بالإضافة إلى تحديد عوامل الخطر لما لها من دور في الوقاية،  وتحسين جودة الحياة للمرضى من أجل تقليل الألم والعجز المرتبطين بهشاشة العظام.

علاجات تقلّل من تدمير العظم ومنشطات تزيد من تكوّن العظم

العلاجات التي تقلل من تدمير العظم وتلك التي تزيد من تكون العظم تمثلان فئتين رئيسيتين من الأدوية المستخدمة في إدارة حالات مثل هشاشة العظام. كل فئة تعمل بشكل مختلف والهدف هو تحقيق أهداف علاجية محدّدة في إدارة حالات مثل هشاشة العظام. ولكن، لا بد من التأكيد على ضرورة استخدام هذه الأدوية تحت إشراف طبي لتقييم الفوائد والآثار الجانبية بعناية وتحديد الجرعة المناسبة ومدة العلاج لأنها تختلف من شخص لآخر.

ينبغي أولاً فهم الفروق بين الفئتين لأن ذلك يساعد على اتخاذ قرارات علاجية أفضل.

العلاجات التي تعمل على تقليل تدمير العظم تهدف إلى الحفاظ على كثافة العظام ومنع فقدانها، ما يقلل من خطر الكسور. تساعد هذه العلاجات على تقليل مخاطر الكسور، وتحسين جودة الحياة للمرضى الذين يعانون من هشاشة العظام أو حالات أخرى تؤثر على صحة العظام. من المهم استشارة الطبيب لتحديد الخيار الأنسب بناءً على حالة المريض الفردية. هذه العلاجات تعمل بشكل أساسي على وقف أو إبطاء عمل الخلايا التي تقوم بهدم العظام (الناقضات العظمية)،  وبالتالي تقلّل من معدل فقدان العظام، مما يساعد على الحفاظ على كثافتها وقوتها. يحدث ذلك من خلال:

  • تثبيط النشاط: هذه الأدوية تعمل على تثبيط نشاط الإنزيمات التي تستخدمها الخلايا الهدامة لتكسير العظام.
  • منع الالتصاق: بعضها يمنع الخلايا الهدامة من الالتصاق بالعظام، مما يقلل من قدرتها على تكسيرها.
  • تغيير شكل الخلية: قد تغير هذه الأدوية شكل الخلية الهدامة، مما يجعلها أقل فعالية في تكسير العظام.

تكمن أهمية هذه العلاجات في الحفاظ على الكتلة العظمية  حيث تساعد على الحفاظ على الكتلة العظمية الموجودة فتقلّل من خطر الإصابة بالكسور. كما تُستخدم هذه العلاجات للوقاية من ترقق العظام لدى الأشخاص المعرّضين لخطر الإصابة به، مثل كبار السن والنساء بعد انقطاع الطمث. وتدخل هذه الفئة ضمن العلاجات الأساسية لمرضى ترقق العظم. المنشطات التي تزيد من تكوّن العظم تعمل بشكل أساسي على تحفيز عمل الخلايا البانية للعظم فيزيد من إنتاج الكولاجين والمعادن التي تدخل في تركيب العظام، وقد تزيد هذه الأدوية من عدد الخلايا البانية للعظم، ما يؤدي إلى زيادة معدل بناء العظام. تعمل هذه المنشطات على تسريع عملية بناء العظام فتسهم في تقويتها وحمايتها من الكسور. وتساعد على زيادة كثافة العظام بشكل كبير، خاصة في المناطق التي تكون أكثر عرضة للكسور، مثل العمود الفقري والورك. تُستخدم هذه الأدوية في علاج الحالات الشديدة من ترقق العظام، أو عندما تكون هناك حاجة لزيادة سريعة في كثافة العظام مثل قبل إجراء عملية جراحية كبيرة. يحدث ذلك من خلال:

  • تحفيز البانيات العظمية: تعمل هذه الأدوية على تحفيز الخلايا البانية للعظم، ما يزيد من إنتاج الكولاجين والمعادن التي تدخل في تركيب العظام.
  • تثبيط النشاط الهدّام: بعض هذه الأدوية قد يعمل أيضًا على تثبيط عمل الخلايا التي تقوم بتكسير العظام، ما يزيد من صافي اكتساب العظام.

تكمن أهمية هذه الفئة من علاجات ترقق العظم في زيادة كثافة العظام والوقاية من الكسور لأن العظام القوية أقل عرضة للكسور، خاصة في المناطق الحساسة مثل الورك والعمود الفقري. تساعد هذه الأدوية كذلك في تقليل الحاجة إلى إجراء عمليات جراحية لعلاج الكسور.

الجمع بين الفئتين

الجمع بين علاجات تقليل تدمير العظم ومنشطات زيادة تكوين العظم يعتبر استراتيجية علاجية فعالة للغاية في علاج هشاشة العظام، حيث يوفر حماية شاملة للعظام ويقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالكسور. لكن قرار الجمع بين هذين الفئتين من العلاجات هو قرار طبي يتخذ بناءً على تقييم الحالة الصحية للمريض، وشدة المرض، والعوامل الأخرى ذات الصلة. كما يجب أن يكون المريض على دراية بالآثار الجانبية المحتملة والمتابعة الدورية مع الطبيب لضمان فعالية العلاج وتعديل الجرعات إذا لزم الأمر. عندما يتم الجمع بين علاجات تقلل من تدمير العظم ومنشطات تزيد من تكوين العظم، يحصل المريض على تأثير علاجي مضاعف، ما يؤدي إلى نتائج أفضل في علاج هشاشة العظام. فمن خلال تثبيط عملية تكسير العظام وتحفيز عملية بنائها في الوقت نفسه، يتم تحقيق زيادة سريعة وكبيرة في كثافة العظام، ما يقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالكسور. كما يوفر هذا الجمع العلاجي حماية أكبر للعظام على المدى الطويل، فيعزّز من قوتها وهيكلها بشكل شامل. بروتوكول العلاج هذا يُعتبر مناسباً للحالات الشديدة من هشاشة العظام، وخاصة في الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الكسور المتكررة.

علاجات غير دوائية

تعتبر العلاجات غير الدوائية جزءًا أساسيًا من إدارة ترقق العظام، حيث يمكن أن تسهم في تحسين صحة العظام وتقليل مخاطر الكسور بشكل فعّال، مع ضرورة استشارة الطبيب أو أخصائي التغذية لتطوير خطة علاجية شاملة تناسب الحالة. بالتزامن مع العلاجات الدوائية، تلعب العلاجات غير الدوائية دورًا هامًا في إدارة ترقق العظام وتحسين صحة العظام بشكل عام؛ تركّز هذه العلاجات على تغيير نمط الحياة وتبنّي عادات صحية تساهم في تقوية العظام والحفاظ عليها. من فوائد العلاجات غير الدوائية تقليل خطر الإصابة بالكسور وتقوية العظام والحفاظ عليها،  تحسين نوعية الحياة وتقليل الاعتماد على الأدوية أو تقليل الجرعة.

العناصر الغذائية المناسبة

لتعزيز صحة العظام ومكافحة هشاشتها، يجب أن يتضمن النظام الغذائي مجموعة متنوعة من العناصر الغذائية الأساسية التي تعمل معًا لبناء عظام قوية وصحية. مع الإشارة إلى أن النظام الغذائي هو جزء من خطة علاج شاملة لترقق العظام وليس بمفرده.

  • الكالسيوم هو المكوّن الأساسي لبنية العظام؛  يسهم في زيادة كثافة العظام وقوتها، ويحميها من الهشاشة. توجد كميات كبيرة من الكالسيوم في الألبان ومنتجات الألبان والخضراوات الورقية الداكنة واللوز السمسم.
  • فيتامين د يعمل كعامل مساعد للكالسيوم، حيث يساعد الجسم على امتصاصه واستخدامه بشكل فعّال في بناء العظام. يمكن الحصول على فيتامين د من أشعة الشمس المباشرة، الأسماك الدهنية (السلمون، التونة)، صفار البيض، والحليب المدعم بفيتامين د.
  • البروتين ضروري لبناء الأنسجة وإصلاحها، بما في ذلك العظام، حيث يساعد على الحفاظ على قوة العظام ومرونتها. توجد مصادر جيدة للبروتين في اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك، البيض، البقوليات، المكسرات، والبذور.
  • المغنيسيوم يعمل جنبًا إلى جنب مع الكالسيوم وفيتامين د للحفاظ على صحة العظام. يساعد في تنظيم مستويات الكالسيوم في الدم، ويشارك في العديد من التفاعلات الكيميائية التي تحدث في العظام. توجد مصادر جيدة للمغنيسيوم في المكسرات والبذور، الحبوب الكاملة، الخضروات الورقية الداكنة، الموز، والأفوكادو.
  • البوتاسيوم يسهم في الحفاظ على توازن المعادن في الجسم، فيدعم صحة العظام ويقلّل من فقدان الكالسيوم عن طريق الكلى.  توجد مصادر جيدة للبوتاسيوم في الموز، الأفوكادو، البطاطا، الطماطم، والبقوليات.
  • فيتامين ك يلعب دورًا هامًا في تكوين بروتينات العظام فيساعد على تقويتها.  توجد مصادر جيدة لفيتامين ك في الخضراوات الورقية الداكنة، الكرنب، البروكلي، والزيتون.
  • الفوسفور يعمل مع الكالسيوم لبناء العظام. توجد مصادر جيدة للفوسفور في اللحوم، الدواجن، الأسماك، الحليب ومنتجات الألبان، والبقوليات.

التمارين الرياضية

تُعتبر التمارين الرياضية جزءًا أساسيًا من إدارة ترقق العظام حيث تسهم التمارين الرياضية بشكل فعّال في تعزيز كثافة العظام وتحسين القوة البدنية والتوازن، وهي من أهم العوامل التي تساعد في الحفاظ على صحة العظام وزيادة كثافتها بشرط أن تكون جزء من نمط حياة صحي. تساعد الرياضة في تقوية العظام ومكافحة ترققها من خلال:

  • زيادة كثافة العظام: عند القيام بتمارين تحمل الوزن، مثل المشي والركض، يتم إرسال  إشارات إلى الجسم لزيادة إنتاج الخلايا المسؤولة عن بناء العظام، ما يؤدي إلى زيادة كثافتها وقوتها.
  • تقليل فقدان العظام: تساعد التمارين الرياضية على إبطاء عملية فقدان العظام التي تحدث بشكل طبيعي مع التقدم في العمر.
  • تقليل خطر الإصابة: التمارين التي تركز على تحسين التوازن، مثل اليوجا والتاي تشي، تساعد على تقليل خطر السقوط والكسور، والتي تعد من أخطر مضاعفات هشاشة العظام.
  • تقوية العضلات: العضلات القوية تدعم المفاصل والعظام، وتساعد على الحفاظ على الاستقرار والتوازن، ما يقلل من الضغط على العظام.
  • تحسين الوظائف اليومية: العضلات القوية تسهل القيام بالأعمال اليومية وتزيد من الاستقلالية.
  • زيادة الثقة بالنفس: الشعور بالثقة في القدرة على الحركة والتحكم في الجسم يزيد من الرغبة في الحركة ويقلل من الخوف من السقوط.

أما أنواع التمارين المناسبة لمرضى هشاشة العظام:

  • تمارين تحمل الوزن: المشي السريع، الركض، الرقص، صعود الدرج، تمارين القوة باستخدام الأوزان الخفيفة أو مقاومة الجسم.
  • تمارين تقوية العضلات: تمارين القوة التي تركز على عضلات الساقين والوركين والظهر، مثل تمرين القرفصاء والاندفاعات.
  • تمارين التوازن: اليوجا، التاي تشي، الوقوف على ساق واحدة.
  • تمارين المرونة: تمارين الإطالة الخفيفة لعضلات الساقين والظهر والكتفين.

علاجات دوائية وغير دوائيةنهج فعّال في إدارة ترقق العظم

الجمع بين العلاجات الدوائية وغير الدوائية يمثل نهجًا شاملاً وفعالًا في إدارة ترقق العظام، وهو نهج أساسي لعلاج حالات ترقق العظم لأنها تؤدي إلى  تعزيز الفاعلية إذ ان كل نوع من العلاجات يعمل على جانب مختلف من المرض،  فالأدوية تساعد على إبطاء فقدان العظام وزيادة كثافتها، بينما تساعد العلاجات غير الدوائية على تقوية العضلات وتحسين التوازن. من خلال الجمع بين مختلف العلاجات، يمكن تقليل الجرعة اللازمة من الأدوية، وبالتالي تقليل الآثار الجانبية المحتملة. 

إنه نهج شامل يعالج المرض من كل جوانبه، حيث يعالج الأسباب والعوامل المساهمة في ترقق العظم ويؤدي إلى تحسين نوعية الحياة من خلال تقليل الألم، زيادة الحركة، وتحسين الثقة بالنفس، فيتمكّن المرضى من العيش حياة أكثر نشاطًا واستقلالية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى