سرطان عنق الرحم
سرطان عنق الرحم
اللقاح والفحص الدوري… والشفاء!
ركّزت التطورات الأخيرة في علاج سرطان عنق الرحم على تحسين خيارات الإكتشاف المبكر والعلاج، حيث تلعب التجارب السريرية والأبحاث الجارية دورًا مهمًا في اختبار العلاجات الجديدة والاستراتيجيات العلاجية والتحقق من صحتها بعد التشاور مع الطبيب النسائي المتخصص للإطّلاع على أحدث المعطيات والتجارب السريرية حول تطورات العلاج وسبل الوقاية؛ لقد تم تطوير تقنيات جديدة للسماح بفحص سرطان عنق الرحم وعلاجه بشكل أسرع وأكثر فعالية.
ورغم تشخيص الكثير من الحالات في مراحل متقدمة من سرطان عنق الرحم بحيث لا يزال سبباً رئيسياً للوفيات لدى النساء، إلا أن هناك أعداداً متزايدة من الحالات التي يتم الكشف عنها في مراحل مبكرة. فهناك مؤشرات تنبّؤية حول علامات الورم مثل حجمه ومدى غزوه للأنسجة والغدد الليمفاوية والأوعية الدموية وغيرها من التفاصيل الدقيقة التي يحدّدها الطبيب بعد إجراء الفحوصات التشخيصية اللازمة.
لماذا الكشف المبكر؟
لا تزال الفحوصات المنتظمة، مثل مسحات عنق الرحم واختبارات فيروس الورم الحليمي البشري، موصى بها للكشف المبكر والوقاية من سرطان عنق الرحم، حتى لمن تلقى لقاح فيروس الورم الحليمي البشري. ينمو سرطان عنق الرحم ببطء، تكون البداية على شكل تغيّرات ما قبل سرطانية في الخلايا وفي حال استمرار هذه التغيرات وعدم الكشف عنها أو علاجها فإنها تتطور إلى سرطان عنق الرحم خلال سنوات. في المقابل، يمكن الكشف عن هذه التغيرات في بدايتها باستخدام اختبار مسحة عنق الرحم (Pap smear) وحينها تكون قابلة للعلاج بشكل كامل.
سرطان عنق الرحم أحد أكثر أنواع السرطان القابلة للعلاج بنجاح إذا تم تشخيصه واكتشافه مبكرًا، إذ وفي هذه المرحلة يجري تدبيره علاجيًّا على نحو فعَّال. مع الإشارة هنا إلى أنه يمكن كذلك مكافحة أنواع السرطان المُشخَّصة في مراحل متأخرة باستخدام العلاج المناسب وتقديم الرعاية الملطفة. ومن خلال اتباع نهج شامل للوقاية من سرطان عنق الرحم والتحري عنه وعلاجه، يمكن القضاء عليه بوصفه مشكلة صحية عامة. من هنا، تركّز حملات التوعية في كل عام خلال شهر يناير / كانون الثاني على أهمية الكشف المبكر وإجراء الفحص الدوري لدى الطبيب المختص لما له من أهمية في الحد من تطور الحالة، لأن فحص مسحة عنق الرحم يسهم في الكشف عن التغيرات ما قبل السرطانية وبالتالي يمكن علاجها والشفاء منها. شهر كانون الثاني/ يناير هو شهر التوعية بسرطان عنق الرحم، ويشكّل فرصة مثالية لمنظمة الصحة العالمية وشركائها لإذكاء الوعي بشأن سرطان عنق الرحم وضرورة الحصول على لقاح ضد فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) نظراً لأهميته في القضاء على سرطان عنق الرحم لدى الأجيال المقبلة.
لقاح فيروس الورم الحليمي البشري
يعتبر لقاح فيروس الورم الحليمي البشري (HPV) من أهم الإنجازات في الحقل الطبي في إطار الوقاية من عدوى هذا الفيروس المسؤول عن غالبية الإصابات بسرطان عنق الرحم؛ من هنا، تركز حملات التوعية على إعطاء اللقاح على نطاق واسع في المجتمعات لخلق مناعة مجتمعية تسهم في منع انتشار فيروس الورم الحليمي البشري وتقليل العبء العام للأمراض ذات الصلة.
أظهرت التجارب السريرية فعالية لقاح فيروس الورم الحليمي البشري في الوقاية من عدوى فيروس الورم الحليمي البشري والسرطانات ذات الصلة. لقد ثبُت أن اللقاح فعال للغاية في تقليل حدوث مسببات عنق الرحم التي تسببها أنواع فيروس الورم الحليمي البشري المستهدفة باللقاح؛ فالهدف الأساسي من اللقاح هو تقليل خطر الإصابة بأنواع الفيروس عالية الخطورة، لاسيما تلك المرتبطة بسرطان عنق الرحم.
يوصى بلقاح فيروس الورم الحليمي البشري للجميع حتى سن 26 عامًا، ولكن تشير الأبحاث السريرية الحديثة إلى أنه يمكن إعطاؤه للبالغين من سن 27 إلى 45 عامًا بناءً على المناقشات بين المريض ومقدم الرعاية الصحية. مع الإشارة هنا إلى أن فعالية اللقاح ترتفع عند الحصول عليه قبل بدء الممارسة الجنسية والحياة الزوجية بحيث يقلّل من خطر الإصابة بالثآليل التناسلية والسرطانية المرتبطة بسرطان عنق الرحم وذلك بنسبة تصل إلى 90 بالمئة. في العادة، يتم إعطاء اللقاح على شكل جرعات يحدد الطبيب عددها بناءًا على معطيات عدة منها عمر الفرد، على أن يفصل بينها جدول زمني؛ اللقاح يمكن أن يُعطى للرجال والنساء على حد سواء. من المهم التشاور مع الطبيب النسائي ومقدمي الرعاية الصحية للحصول على نصائح شخصية حول التطعيم ضد فيروس الورم الحليمي البشري، خاصة للأفراد الذين ربما فاتهم الحصول عليه في العمر الموصى به.
الفحص الدوري
في حين أن لقاح فيروس الورم الحليمي البشري فعال للغاية، إلا أنه لا يحمي من جميع أنواع فيروس الورم الحليمي البشري التي يمكن أن تسبب السرطان. لذلك، لا تزال الفحوصات المنتظمة، مثل مسحات عنق الرحم واختبارات فيروس الورم الحليمي البشري، موصى بها للكشف المبكر والوقاية من سرطان عنق الرحم، حتى لدى الأفراد الذين حصلوا على اللقاح.
مسحة عنق الرحم
مسحة عنق الرحم (Pap Smear)، المعروفة أيضًا باسم اختبار عنق الرحم أو علم خلايا عنق الرحم، تندرج ضمن أهم الإختبارات التشخيصية المستخدمة لفحص سرطان عنق الرحم واكتشاف الخلايا السرطانية أو غير الطبيعية في عنق الرحم. يسمح اكتشاف هذه التغييرات مبكرًا بالتدخل والعلاج في الوقت المناسب، ما يقلّل من خطر الإصابة بسرطان عنق الرحم.
يتضمن الإختبار جمع عيّنة صغيرة من الخلايا من عنق الرحم أي الجزء السفلي من الرحم الذي يتصل بالمهبل، فيتم وضع تلك الخلايا على شريحة زجاجية لحفظها ونقلها إلى المختبر حيث يتم فحصها تحت المجهر بواسطة أخصائي علم الأمراض أو أخصائي التكنولوجيا الخلوية للبحث عن أي تشوّهات مثل التغيّرات في حجم أو شكل أو مظهر الخلايا.
تُستخدم مسحة عنق الرحم بشكل أساسي لفحص سرطان عنق الرحم، ولكن يمكنها أيضًا اكتشاف حالات أخرى مثل الإلتهابات أو التغيرات السرطانية في عنق الرحم. أحياناً، قد تشير النتائج غير الطبيعية إلى الحاجة للمزيد من الفحوصات التشخيصية لتقييم الحالة مثل تنظير المهبل حيث يتم تصوير عنق الرحم باستخدام أداة خاصة أو الخزعة أي أخذ عيّنة صغيرة من الأنسجة للفحص.
يوصى بإجراء مسحة عنق الرحم بانتظام للنساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 21 و 65 عامًا، وقد يختلف تواتر الإختبار اعتمادًا على عوامل مثل العمر والتاريخ الطبي ونتائج مسحة عنق الرحم السابقة.
اختبار الحمض النووي لفيروس الورم الحليمي البشري
يساعد هذا الإختبار على التحقق من وجود أنواع عالية الخطورة من فيروس الورم الحليمي البشري HPV بشكل خاص في خلايا عنق الرحم. يمكن استخدامه كطريقة فحص أولية أو كاختبار متابعة للنساء اللواتي لديهن نتائج غير طبيعية لمسحة عنق الرحم. يمكن إجراء اختبار الحمض النووي لفيروس الورم الحليمي البشري على العينة ذاتها التي تم جمعها لمسحة عنق الرحم أو على عيّنة منفصلة. أوصت منظمة الصحة العالمية WHOبالإختبارات القائمة على الحمض النووي لفيروس الورم الحليمي البشري كطريقة فحص للوقاية من سرطان عنق الرحم، بعد أن أثبت فعاليته العالية في التشخيص وهو أيضاً أقل عرضة للأخطاء البشرية. يُستخدم اختبار الحمض النووي لفيروس الورم الحليمي البشري للتحقق من الإصابة بأنواع فيروس الورم الحليمي البشري المرتبطة بسرطان عنق الرحم، ويبحث عادةً عن 14 نوعًا مختلفًا من فيروس الورم الحليمي البشري. يرتبط نوعا فيروس الورم الحليمي البشري 16 وفيروس الورم الحليمي البشري من النوع 18 ارتباطًا وثيقًا بسرطان عنق الرحم. عادة ما يتم إجراء الإختبار أثناء اختبار عنق الرحم، وإذا تم اكتشاف نوعي فيروس الورم الحليمي البشري 16 أو 18، فقد يوصي الطبيب بإجراء تنظير مهبلي، وهو إجراء يتم فيه تكبير عنق الرحم بأداة تشبه منظار العين، وغالبًا ما يتم أخذ خزعات صغيرة (عينات الأنسجة) أثناء هذا الإجراء للبحث عن دليل على الإصابة بالسرطان.
التنظير المهبلي
هو إجراء طبي يُستخدم لفحص عنق الرحم والمهبل والفرج عن كثب بحثًا عن علامات المرض. غالبًا ما يتم إجراؤه عندما تعاني المرأة من مسحة عنق الرحم غير الطبيعية أو عدوى فيروس الورم الحليمي البشري أو نزيف مهبلي غير مبرر. يعد التنظير المهبلي أداة مهمة ضمن برامج الوقاية والكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم والوقاية منه، لأنه يسمح للطبيب النسائي بتحديد التشوهات التي قد لا تكون مرئية للعين المجردة وتقييمها. إذا أظهرت الخزعة التي تم أخذها أثناء تنظير المهبل وجود أنسجة مسبّبة للتّسرطن، قد يلجأ الطبيب إلى إزالتها لمنع تطور السرطان. أما إذا أظهرت الخزعة وجود السرطان، فقد تحتاج المرأة إلى إجراء المزيد من الإختبارات قبل بدء العلاج.