سرطان الثدي والطب الحديث… تنوّع خيارات العلاج يزيد الشفاءات
سرطان الثدي والطب الحديث
تنوّع خيارات العلاج يزيد الشفاءات
تزداد خيارات علاج سرطان الثدي عاماً تلو الآخر لترتفع معها فرص الشفاء أكثر فأكثر مع التطورات العلمية والأبحاث الطبية المتنوعة التي نسمع نتائجها في المؤتمرات الطبية والعلمية المتخصصة، والتي تركّز دوماً على الوقاية والكشف المبكر من أجل نجاح العلاج.
ورغم صعوبة الموقف والمعاناة التي تعيشها المريضة خلال مراحل العلاج، إلا أن الأمل بالوصول الى بر الأمان يمنحها حافزاً قوياً نحو تخطي تلك العقبات الى جانب ما تحظى به من دعم نفسي ورعاية تلطيفية تسهم الى حد كبير بالتخفيف من وطأة المرض ومضاعفاته. إن تثقيف النساء وتزويدهن بالمعلومات اللازمة حول ما يمكن فعله إستباقياً للحفاظ على صحة الثدي هو ما يتم التركيز عليه خلال حملات التوعية التي تنطلق سنوياً في شهر أكتوبر لأن المعرفة والكشف المبكر ينقذان الأرواح؛ فكلما اكتشف المرض مبكرًا ارتفعت نسبة الشفاء وكانت طرق العلاج أقل.
فبسبب قدرته السريعة على الإنقسام ووصوله إلى المستوى الذي لا يمكن فيه التعامل معه كما لو تم اكتشافه مبكراً، يركز أطباء الأورام على دور الفحوصات المبكرة للكشف المبكر عن السرطان في مراحله الأولية حيث يسهل عندها التحكم به بالوسائل والعلاجات الطبية المتاحة، سواء علاجية أو جراحية، ما يؤثر بشكل إيجابي على فعالية العلاج ويرفع من معدلات الشفاء. بشكل عام، هناك خيارات عدة للعلاج، وتشمل معظم خطط العلاج مزيجًا من الجراحة والعلاج الإشعاعي والهرموني والكيميائي بالإضافة الى العلاجات الموجهة على أن يتم تحديد بروتوكول العلاج المناسب بحسب نوع المرض ومرحلته وحالة المريضة وغيرها من التفاصيل التي يبحث عنها الطبيب المعالج. هذا العلاج يعمل بشكل موضعي أي انه يستهدف فقط الورم والمنطقة المحيطة به، وبعضها الآخر يستهدف الجسم كله. يمكن أن يكون علاج سرطان الثدي فعالاً للغاية، خاصة عند الكشف عن المرض في وقت مبكر. وغالبا ما ينطوي علاج سرطان الثدي على دمج أنواع عدة من العلاجات، مثل الاستئصال الجراحي والعلاج الإشعاعي والعلاج الهرموني والكيميائي الى جانب العلاجات الموجهة.
فريق متعدد التخصصات
علاج سرطان الثدي يتطلب فريقاً طبياً متعدد التخصصات يشمل طبيب أمراض ثدي داخلي من واختصاصي طب الأورام، واختصاصي أشعة الثدي، واختصاصي العلاج الإشعاعي، وجراح متخصص في جراحة الثدي والتجميل، الى جانب اختصاصيين نفسيين وممرضين ممارسين، وأطباء مساعدين، وممرضين. إن المراكز الطبية والوحدات المتخصصة في علاج امراض الثدي تحرص على استخدام أحدث التقنيات على يد فريق طبي يعمل على تقديم رعاية شاملة وخططًا علاجية مصممة وفق احتياجات المريضات لضمان حصولهن على أفضل رعاية وتحقيق نتائج فعالة. تخضع جميع الحالات لفحوصات متعددة التخصصات بهدف تحديد خطة العلاج الأنسب للمريضة، فيتم على أساسها وضع خطط علاجية مخصصة تلائم الاحتياجات الخاصة لكل مريضة بعد التشاور بين الخبراء في مختلف التخصصات، مما يضمن تقديم أفضل رعاية للمرضى.
إن أهم ما في الأمر هو الشعور بالراحة أثناء التعامل مع الفريق الطبي لأن العامل النفسي يؤثر حتماً على مسار العلاج. يعمل فريق رعاية مرضى السرطان متعدد التخصصات على تشخيص المرض ووضع خطط علاج فردية على أن يتم متابعة الحالة أثناء خضوع المريضة للعلاج وبعد الانتهاء.
مع تحديد الفريق الطبي المناسب، يشرح الطبيب المسؤول الخيارات العلاجية الملائمة للحالة المرضية والنتائج المتوقعة والآثار الجانبية التي قد تواجهها المريضة طوال رحلة العلاج وكيف يمكن الحد من تلك المضاعفات وغيرها، وعلى الفريق الطبي ان يرحّب بكل الأسئلة والاستفسارات التي يتم طرحها من قبل المريضة لطمأنتها.المراكز المتخصصة
بعلاج سرطان الثدي تضع نهجاً متكاملاً وخططاً لكل حالة على حدة، والهدف دوماً هو تحقيق أقل تدخل جراحي ممكن والمحافظة على أكبر قدر ممكن من أنسجة الثدي، من خلال اتباع مناهج علاجية جديدة لأنواع سرطانات الثدي لاسيما الأورام الثلاثية السلبية والعلاجات الموجهة الحديثة. ومن الأساليب المبتكرة لتحقيق ذلك توافر تقنيات رائدة في الإشعاع للحد من جرعات او جلسات الإشعاع، بالإضافة الى أحدث تقنيات الجراحة لاستئصال الثدي مع استبقاء الحلمة.
العلاج الكيميائي
شهدت العلاجات الكيميائية تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة ما أدى الى إنقاذ العديد من المريضات اللواتي اكتشفن مرضهن في مراحل متأخرة، وهو أحد خيارات العلاج المستخدمة لاستهداف خلايا سرطان الثدي وتدميرها. وقد يستخدم مع طرق علاجية أخرى، مثل الجراحة أو الإشعاع أو العلاج الهرموني، ما يزيد من فرصة التماثل للشفاء، أو تقليل خطر الإصابة مجددًا بالسرطان. من التطورات في هذا المجال موافقة إدارة الغذاء والدواء الأميركية على عقار جديد لعلاج سرطان الثدي واسم العقار الجديد “فام ترازتيزيماب ديروكستان إن إكس كي آي” (fam-trastuzumab-deruxtecan-nxki)، ويعرف أيضا باسم (Enhertu). هذا الدواء سيزيد من حجم فئة المرضى المستفيدين من هذه الأدوية ممن يعانون من سرطان الثدي المنتشر، وسيفتح المجال لدراسات جديدة تخول استخدام هذه الأدوية في مراحل المرض المبكرة. إنه علاج كيميائي يتم إعطاؤه كل 3 أسابيع لمرضى سرطان الثدي من النوع “هير 2” “غير القابل للاستئصال” (unresectable) أو “النقيلي” (metastatic)؛ وهو من فئة الأدوية الكيميائية الموجهة ضد طفرات أو مستقبلات الـ“هير 2” (HER2) الموجودة على الخلايا السرطانية.
يتم إعطاء العلاج الكيميائي لسرطان الثدي كعلاج مساعد في مراحله المبكرة للقضاء على أي خلايا سرطانية لم يتم اكتشافها ولتقليل خطر ظهور السرطان مرة أخرى؛ يوصي الطبيب بالعلاج الكيميائي المساعد إذا كانت السيدة عرضة لخطر متزايد لظهور السرطان مرة أخرى أو انتشاره (انتقاله) لأجزاء أخرى من الجسم، خاصة إذا وُجدت خلايا السرطان في العقد الليمفاوية القريبة من الثدي المصاب بالورم. كما تتلقى بعض المريضات العلاج الكيميائي قبل الجراحة لتقليص حجم الأورام الكبيرة ولتوفير أفضل فرصة للجراح لاستئصال الورم بالكامل. وقد يساعد العلاج في هذه الحالة على استئصال الورم فقط بدلاً من استئصال الثدي بكامله، كما يمكن أن يقلل هذا العلاج من فرصة عودة السرطان للظهور في تاريخ لاحق.إذا انتشر سرطان الثدي إلى أجزاء أخرى من الجسم، ولم تكن الجراحة خيارًا مطروحًا، فيمكن استخدام العلاج الكيميائي باعتباره العلاج المبدئي، كذلك، يمكن استخدامه بجانب العلاج الهرموني أو العلاج الموجه، وذلك بناءً على نوع سرطان الثدي الذي أصيبتِ به.
العلاج المناعي
يُعزّز العلاج المناعي قدرة جهاز المناعة على التعرّف على أنواع مُعينة من الخلايا السرطانية ومُهاجمتها، وذلك عبر استخدام الأدوية التي تحفّز جهاز المناعة لدى المريضة للتعرّف على الخلايا السرطانية وتدميرها بشكل أكثر فعالية. وقد تمت الموافقة على العلاج المناعي لسرطان الثدي لبعض المرضى الذين يُعانون من سرطان الثدي الخبيث الذي تم اكتشافه في المراحل الأخيرة من السرطان؛ وبفضل إضافة العلاج المناعي إلى بروتوكول العلاج المعتاد، توصل الأطباء الى نتائج ممتازة في علاج سرطان الثدي النقيلي وسرطان الثدي ثلاثي السلبية. يعمل العلاج المناعي لسرطان الثدي على وقف نمو الورم الأساسي أو إبطائه بالنسبة للسرطان غير القابل للاستئصال، وكذلك منع انتشار النقائل بالنسبة للسرطان القابل للاستئصال، ومنع حدوث انتكاسة بعد الجراحة وزيادة فعالية علاجات السرطان الأخرى مثل العلاج الكيميائي والعلاج الإشعاعي في مراحل السرطان المبكرة.
في حال كان الورم كبير الحجم وقابل للاستئصال، قد يصف الطبيب العلاج المناعي قبل الجراحة إلى جانب العلاج الكيميائي لتقليل حجم الورم وتسهيل العملية، ويمكن في بعض الحالات استئصال الثدي الجزئي بدلاً من إزالته بالكامل ليستمر العلاج المناعي بعد الجراحة بدون علاج كيميائي بهدف منع الانتكاس.
أما في حال عدم إجراء عملية جراحية لإزالة الورم من الثدي، يتم استخدام العلاج المناعي للسيطرة على المرض ومنعه من النمو أو انتشاره الى باقي أنحاء الجسم. يستخدم هذا الخيار في مراحل السرطان المتقدمة، مع وجود نقائل نشطة.
العلاج الهرموني
تقوم فكرة العلاج الهرموني على منح المريضة مجموعة من الأدوية التي تعمل على تثبيط هرمونات معينة تؤدي إلى ظهور الخلايا السرطانية وزيادتها. يُستخدم العلاج الهرموني لسرطان الثدي فقط لعلاج سرطانات الثدي الإيجابية للمستقبلات الهرمونية، ويتم تحديدها من خلال تحليل الدم وأنسجة الجسم لمعرفة ما إذا كان السرطان مستقبِل إستروجين أم مستقبِل بروجسترون إيجابيًا بتحليل عيّنة من الخلايا السرطانية لمعرفة ما إذا كانت تحتوي على مستقبِلات إستروجين أو بروجسترون. يساعد العلاج الهرموني على منع عودة السرطان والحد من تطور الإصابة بالسرطان في نسيج آخر من الثدي، بالإضافة الى إبطاء نمو السرطان الذي انتشر أو إيقافه وتقليل حجم الورم قبل الجراحة. يمكن استخدام العلاج الهرموني قبل الجراحة لتقليل حجم الورم، ويمكن استخدامه بعد الجراحة لأنه يقلل من ارتجاع الورم الهرموني، ويمنع مقاومة الجسم للعلاج الهرموني، كما أنه يحسن نسب الشفاء. العلاجات الجديدة التي تضاف إلى العلاجات الهرمونية هي علاجات موجهة تؤخذ عن طريق الفم لأنها على شكل أقراص. يمكن إعطاء المريضة العلاج الهرمونى لمدة 5 سنوات أو لمدة 10 سنوات.
العلاج الموجّه
يستهدف التغييرات الداخلية في دورة حياة الخلية السرطانية، يعتمد العلاج الموجه في عمله على إغلاق الإشارات الكيميائية المسؤولة عن النمو والإنقسام داخل الخلية السرطانية، وتغيير طبيعة البروتين الذي يلعب دوراً أساسياً في تكوين المادة الوراثية ( DNA ) داخل الخلية السرطانية، وتعطيل تكوين الأوعية الدموية المغذية للخلايا السرطانية.
كما يساعد العلاج الموجه على رفع كفاءة عمل الجهاز المناعي للجسم للعمل ضد الخلايا السرطانية، وإدراج مواد سامة الى داخل الخلية السرطانية فقط لقتلها من دون الإضرار بالخلايا السليمة. كما يعتمد في عمله على التداخل مع عمل بعض الهرمونات المحفزة لنمو بعض الأورام بتعطيل تكوينها أو الحد من تأثيرها في الجسم.
يُستخدم العلاج الموجه بشكل شائع مع العلاج الكيميائي التقليدي. غالبًا ما يكون له آثار جانبية أقل حدة من أدوية العلاج الكيميائي القياسية، ويستهدف الخلايا السرطانية التي تحمل مستقبلات معينة، فتمنعها من النمو والانتشار.
هناك بروتوكولات عدة للعلاج لمثل هذه الحالات، والطريقة تختلف باختلاف الحالة المرضية حيث يتطلب العلاج أحيانا الجمع بين أنواع عدة مثل استخدام العلاج الكيميائي، بالإضافة إلى نوع واحد أو أكثر من العلاجات الموجهة ضد خلايا “الهير 2 “؛ بعض الحالات الأخرى قد تحتاج العلاج الموجه مع العلاج الهرموني، أو العلاجات المناعية من دون استخدام العلاج الكيميائي في بعض الحالات.