أمراض وعلاجات

الخثار الوريدي العميق

الخثار الوريدي العميق

عوامل الخطر… وأحدث آليات التشخيص والعلاج

يمثل الخثار الوريدي العميق (Deep Vein Thrombosis – DVT) حالة طبية حرجة تنجم عن تكوّن جلطة دموية في الأوردة العميقة للجسم، وغالبًا ما تحدث في أوردة الساقين والفخذين. على الرغم من أن الجلطة نفسها قد لا تكون مهددة للحياة بشكل مباشر في موقعها الأصلي، إلا أن الخطر الحقيقي يكمن في احتمالية انفصال جزء من هذه الجلطة وانتقالها عبر مجرى الدم لتستقر في الرئتين، ما يؤدي إلى حالة طارئة وخطيرة تُعرف باسم الانصمام الرئوي (Pulmonary Embolism – PE).

يُعد الخثار الوريدي العميق مشكلة صحية شائعة نسبيًا، ويمكن أن يصيب الأفراد من مختلف الأعمار والخلفيات، على الرغم من وجود عوامل خطر معينة تزيد من احتمالية الإصابة به. فهِم طبيعة هذه الحالة، وأعراضها المحتملة، وعوامل الخطر المرتبطة بها، بالإضافة إلى أهمية التشخيص والعلاج الفوري، أمر بالغ الأهمية للوقاية من المضاعفات الخطيرة وإنقاذ الأرواح. وفي سياق تطور الرعاية الصحية والتشخيص الدقيق، ظهرت آليات تشخيص حديثة ومتطورة تسهم بشكل كبير في الكشف المبكر والدقيق عن حالات التخثّر الوريدي العميق. من بين هذه الآليات الحديثة:

تقنية تصوير الأوعية الدموية بالرنين المغناطيسي  (Magnetic Resonance Venography – MRV)

تُعد هذه التقنية أداة تصويرية متقدمة توفر صورًا تفصيلية وعالية الدقة للأوردة الموجودة في مختلف أنحاء الجسم. وتتميز بقدرتها على تشخيص حالات التخثّر الوريدي العميق في مناطق يصعب فحصها بشكل فعّال باستخدام الموجات فوق الصوتية التقليدية، مثل الأوردة الموجودة في منطقة الحوض والبطن. تساعد الصور الناتجة عن الرنين المغناطيسي للأوردة الأطباء على تحديد موقع الجلطة وحجمها ومدى انتشارها بدقة عالية.

جيل جديد من اختبارات الدم المتقدمة

بالإضافة إلى اختبار “D-dimer” الذي يُستخدم على نطاق واسع كعلامة على وجود نشاط لتخثر الدم في الجسم، فقد ظهرت اختبارات دم جديدة ومبتكرة تبحث عن علامات حيوية أخرى تدل على تنشيط نظام التخثر في الجسم. وقد تكون هذه الاختبارات مفيدة بشكل خاص في الحالات التي تكون فيها نتائج اختبار “D-dimer” غير حاسمة أو يصعب تفسيرها، مما يساعد الأطباء على اتخاذ قرارات تشخيصية أكثر دقة وثقة.

تطور تقنيات التصوير المحسّنة بالموجات فوق الصوتية

شهد مجال التصوير بالموجات فوق الصوتية تطورات كبيرة أدت إلى ظهور تقنيات جديدة توفر صورًا للأوردة تتميز بوضوح ودقة فائقتين. وقد ساهمت هذه التحسينات في قدرة الأطباء على اكتشاف الجلطات الصغيرة التي قد يصعب رؤيتها باستخدام التقنيات القديمة، بالإضافة إلى تحسين القدرة على فحص الأوردة الموجودة في الجزء السفلي من الساق، والتي قد تكون صعبة الفحص في بعض الأحيان. وتلعب هذه التقنيات دورًا حيويًا في التشخيص المبكر والمتابعة الفعالة لحالات التخثّر الوريدي العميق.

عوامل الخطر

تتنوع عوامل خطر الإصابة بالتخثر الوريدي العميق (DVT) وتتداخل في كثير من الأحيان، وتشمل العوامل التي تؤدي إلى تلف الأوردة، أو تباطؤ تدفق الدم، أو زيادة ميل الدم للتجلط. ويزداد الخطر بشكل كبير عندما تجتمع عدة عوامل في الوقت نفسه. تشمل عوامل الخطر الرئيسية للإصابة بالتخثر الوريدي العميق ما يلي:

  • إصابة الوريد: يمكن أن يؤدي التعرض للكسور، أو الإصابات العضلية الشديدة، أو العمليات الجراحية الكبرى، خاصة تلك التي تشمل البطن أو الحوض أو الورك أو الساقين، إلى تلف جدران الأوردة وتحفيز تكوين الجلطات الدموية.
  • تباطؤ أو ركود تدفق الدم: يساهم الجلوس أو الاستلقاء لفترات طويلة من دون حركة، مثل ملازمة الفراش بسبب المرض أو الجراحة، أو الشلل، أو الجلوس لفترات طويلة (مثل السفر الطويل أو العمل المكتبي)، واستخدام الجبائر أو الدعامات التي تحد من حركة الأطراف، في تجمع الدم وزيادة خطر تكون الجلطات.
  • ارتفاع مستويات هرمون الاستروجين: يزيد استخدام وسائل منع الحمل التي تحتوي على هرمون الاستروجين، والعلاج بالهرمونات البديلة، والحمل، وفترة ما بعد الولادة (حتى 3 أشهر بعد الولادة) من خطر التجلط عن طريق جعل الدم أكثر عرضة للتخثر.
  • الحالات الطبية المزمنة: تزيد أمراض القلب، وأمراض الرئة، والسرطان (خاصة سرطان البنكرياس والرئة والمبيض والمعدة والليمفوما)، ومرض التهاب الأمعاء، وداء السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض الكلى من خطر الإصابة بالتخثر الوريدي العميق من خلال آليات مختلفة تشمل الالتهاب وقلة الحركة.
  • التاريخ المرضي والوراثة: يزيد وجود تاريخ سابق للإصابة بالتخثر الوريدي العميق أو الانسداد الرئوي بشكل كبير من خطر تكرار الإصابة. كما أن اضطرابات التخثر الوراثية (الخثارية) مثل طفرة العامل الخامس لايدن، وطفرة جين البروثرومبين، ومتلازمة أضداد الفوسفوليبيد، تجعل الأفراد أكثر عرضة لتكوين الجلطات.
  • العمر والسمنة: يزداد خطر الإصابة بالتخثر الوريدي العميق مع التقدم في العمر، خاصة بعد سن الأربعين أو الستين، ويتضاعف الخطر مع كل عقد من العمر. كما أن زيادة الوزن والسمنة تزيد من الخطر عن طريق إعاقة تدفق الدم، والتسبب في الالتهابات، وتغيير كيمياء الدم.
  • دخول المستشفى والجراحة: تعتبر فترات الإقامة الطويلة في المستشفى، خاصة بعد الجراحة أو الإصابات، فترات عالية الخطورة بسبب قلة الحركة وإصابة الأوردة.
  • عوامل أخرى: تساهم عوامل أخرى في زيادة خطر الإصابة بالتخثر الوريدي العميق، مثل القسطرة الوريدية المركزية، والتدخين، وقلة النشاط البدني، والإصابات المتعددة، والالتهابات (بما في ذلك COVID-19)، ونقص التغذية (مثل نقص حمض الفوليك وفيتامين B12)، والجنس الذكري (خاصة في الفئة العمرية 45-60 عامًا).

عوامل متعلقة بالحمل

يتضاعف خطر الإصابة بالتخثر الوريدي العميق المرتبط بالحمل بسبب عوامل مثل السمنة، وقلة الحركة، والحمل بتوأم أو أكثر، وكبر سن الأم، والأمراض الطبية المصاحبة للحمل مثل تسمم الحمل أو السرطان.

أعراض التخثر الوريدي العميق

تظهر أعراض التخثر الوريدي العميق بشكل أساسي في الساقين (الأكثر شيوعًا في ربلة الساق أو الفخذ)، ولكنها قد تحدث أيضًا في الذراعين أو البطن. تشمل الأعراض الرئيسية ما يلي:

  • تورم في الطرف المصاب: غالبًا ما يكون التورم مفاجئًا وموضعيًا في المنطقة المتأثرة.
  • التخثر الوريدي العميق الصامت: في حوالى 30% من الحالات، لا تظهر أي أعراض ملحوظة، ما يجعل اكتشافه صعبًا بدون التصوير الطبي.
  • أعراض طارئة تشير إلى احتمال حدوث انسداد رئوي (PE): تشمل ضيقًا مفاجئًا أو تسارعًا في التنفس، ألمًا في الصدر يزداد مع التنفس أو السعال، سعالًا مصحوبًا بالدم، دوخة أو إغماء، تسارع ضربات القلب، أو شعورًا مفاجئًا بالقلق دون سبب واضح.

إذا ظهرت أعراض التخثر الوريدي العميق مصحوبة بعلامات تحذيرية للانسداد الرئوي (مثل ألم في الصدر، وصعوبات في التنفس) حتى التورم الخفيف في الساق أو الألم، فإن ذلك يستدعي تقييمًا طبيًا فوريًا، خاصة إذا كان هناك عوامل خطر مثل جراحة حديثة، أو قلة الحركة، أو اضطراب في التخثر.

أحدث آليات العلاج

تُعدّ مضادات التخثر الفموية المباشرة (DOACs) الخيار العلاجي الأول لمعظم حالات التخثر الوريدي العميق، نظرًا لفعاليتها العالية وسهولة استخدامها من دون الحاجة لمراقبة دورية، إضافة إلى قلة تفاعلاتها الدوائية مقارنة بالوارفارين. في الحالات الشديدة، مثل “Phlegmasia cerulea dolens”، يمكن اللجوء إلى العلاج بالقسطرة لتوصيل أدوية مذيبة للجلطة مباشرة إلى موقع التجلط، مع إمكانية استخدام أجهزة خاصة لتفتيت الجلطة واستعادة تدفق الدم بسرعة. للأشخاص غير القادرين على استخدام مضادات التخثر أو الذين يعانون من تكرار الجلطات، يمكن زرع مرشح في الوريد الأجوف السفلي لمنع انتقال الجلطات إلى الرئتين. وتُعد المرشحات القابلة للاسترداد خيارًا آمنًا لتقليل المضاعفات. كما تُدرس تقنيات أخرى مثل العلاج بالضغط المتقطع والموجات فوق الصوتية العلاجية كخيارات مساعدة لتحسين تدفق الدم وتقليل التورم والألم. ويستمر البحث لتطوير أدوية جديدة تستهدف عوامل تخثر محددة، بهدف توفير علاجات أكثر فعالية

استراتيجيات أساسية للحد من خطر الإصابة بالتخثر الوريدي العميق

  • الحركة المنتظمة: حرّك ساقيك بشكل متكرر، خاصة بعد الجراحة أو أثناء الجلوس الطويل. عند السفر، قف وامشِ كل 3–4 ساعات، أو قم بتمارين بسيطة للساقين كرفع الكعبين.
  • ممارسة الرياضة: احرص على نشاط يومي معتدل مثل المشي أو السباحة لتحسين الدورة الدموية.
  • الحفاظ على وزن صحي: السمنة تزيد من خطر التجلط، لذا اتبع نظامًا غذائيًا متوازنًا ومارس الرياضة بانتظام.
  • الترطيب الجيد: اشرب كمية كافية من الماء وتجنب الكحول والكافيين الزائد، خصوصًا أثناء السفر.
  • تجنب التدخين: يقلل الإقلاع عن التدخين من خطر التجلط ويحسن صحة الأوعية الدموية.
  • الجوارب الضاغطة: تُستخدم عند الحاجة لتحسين تدفق الدم وتقليل التورم، خصوصًا بعد العمليات أو أثناء السفر.
  • الالتزام بالتعليمات الطبية: بعد الجراحة، اتبع إرشادات الطبيب بشأن أدوية السيولة أو الأجهزة المساعدة.
  • تجنب الجلوس أو الوقوف لفترات طويلة: تحرّك كل ساعة، خاصة أثناء العمل أو السفر.
  • ارتداء ملابس مريحة: الملابس الضيقة تعيق تدفق الدم؛ اختر ملابس فضفاضة.
  • رفع الساقين: يساعد في تحسين عودة الدم وتقليل التورم عند الجلوس أو الوقوف لفترات طويلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى